Print this page

إضاءة: الكورونا الوبيئة وثنائية الصحة والبيئة..

أحيا العالم منذ فترة اليوم العالمي للمياه، وسط تنامي شبح كورونا، وتمدد مداه وأضراره وضحاياه. ويؤكد الخبراء والمختصون

على الترابط الوثيق بين العاملين البيئي والصحي، والانعكاس المباشر لنمط العيش الحديث، وإهمال البيئة، على مستوى الصحة ونوعية الحياة، ويجزم كثيرون بعدم انفصال مسار تطور الفيروس عن تلك المعادلة المنخرمة.

ويتمثل الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة أجندة 2030 في المياه النظيفة والنظافة الصحية.
إذ تؤثر ندرة المياه على أكثر من 40 في المائة من السكان في جميع أنحاء العالم، وهو رقم مثير للقلق من المتوقع أن يزداد مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بسبب تغير المناخ. وعلى الرغم من أن 2،1 بليون شخص قد تمكنوا من الحصول على خدمات الصرف الصحي المحسنة للمياه منذ عام 1990،فإنتضاؤ لإمدادات مياه الشرب المأمونة تعد مشكلة رئيسية تؤثر على كل القارات.

وفي عام 2011، تعرضت 41 بلد الإجهاد مائي – توشك عشرة منها على استنفاد إمداداتها من المياه العذبة المتجددة بالكامل مما سيضطره اللاعتماد على مصادر بديلة. وتفاقم زيادة الجفاف وتسارع وتيرة التصحر من خطورة الأوضاع. فمن المتوقع أن يتأثر واحد من كل أربعة من سكان العالم على الأقل بنقص المياه المتكرر بحلول عام 2050.

ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للمنطقة العربية،فهي المنطقة الأكثر معاناة من انعدام الأمن المائي في العالم،فيوجد بها 14 بلدا من البلدان العشرين الأكثر معاناة من ندرةا لمياه في العالم،ولا يتجاوز نصيب الفرد من المياه المتجددة فيها 12 في المائة فقط من الحصة المتوسط للمواطن عالمياً. وفي الوقت نفسه، تنبع أكثرم ننصف مياه المنطقة من خارجها،وهو ما يجعل المنطقة العربية الأكثر اعتمادا على مصادر المياه الخارجية. كذلك ازداد انعدام الأمن المائي بسبب تصاعد الصراعات في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. ففي سوريا،على سبيل المثال،لا يحصل 70 في المائة من السكان السوريين على مياه الشرب المأمونة بصورة منتظمة بسبب تدمير البنية الأساسية وانقطاع المياه بشكل متزايد.

ويتطلب ضمان حصول الجميع على مياه الشرب المأمونة وبأسعار مقبولة بحلول عام 2030 زيادة الاستثمارات في البنية التحتية،وتوفير مرافق الصرف الصحي،وتشجيع النظافة الصحية على جميع المستويات. كذلك فإن حماية النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه في الغابات والجبال والأراضي الرطبة والأنهار واستعادتها أمر ضروري إذا ما أردنا التخفيف من حدة ندرة المياه. وهناك حاجة أيضا إلى مزيد من التعاون الدولي لتشجيع كفاءة استخدام المياه ودعم تكنولوجيات المعالجة في البلدان النامية

فعلى سبيل المثال، بمقدور قطاع المياه والتدخل الصحي والنظافة الشخصية أن يقي الناس من الإصابة بطائفة واسعة من الأمراض التي قد تشمل الأمراض الناجمة عن شرب المياه الملوّثة بالكائنات الدقيقة والمواد الكيميائية، من قبيل الإسهال أو التسمم بالزرنيخ أو بالفلور؛وأمراض مثل البلهارسيا التي تقضي في المياه شطراً من دورة حياتها؛وأمراض مثل الديدان الطفيلية المنقولة بواسطة التربة والناجمة عن رداءة خدمات الإصحاح والنظافة الشخصية؛ فضلا عن أمراض مثل الملاريا أو حمى الضنك التي تسببها نواقل المرض التي تعيش في المياه؛ وذلك إلى جانب أمراض أخرى مثل داء الفيلقيات المنقول بواسطة الرذاذ الحاوي على بعض الكائنات الحية الدقيقة.

لا تزال مستويات تلوث الهواء مرتفعة بشكل خطير في أجزاء كثيرة من العالم. وتُظهِر بيانات جديدة من منظمة الصحة العالمية (المنظمة) أن تسعة من أصل عشرة أشخاص يتنفسون هواءً يحتوي على مستويات عالية من الملوثات. وتَكشِفتقديرات محدّثة عن معدل ينذر بالخطر لخسائر في الأرواح تبلغ 7 ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء المحيط (الخارجي) وتلوث الهواء المنزلي.

يعزى أكثر من وفاة واحدة بين كل 4 وفيات للأطفال دون سن الخامسة إلى بيئات غير صحية. ففي كل عام تحصد المخاطر البيئية - مثل تلوث الهواء في الأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة، ودخان التبغ غير المباشر، والمياه غير المأمونة، وتردي الصرف الصحي، والنظافة غير الكافية - حياة 1.7 مليون طفل دون سن الخامسة
تُعد البيئة المأمونة والصحية والموفرة للحماية ضرورية لضمان نمو الأطفال ونمائهم بطريقة طبيعية وصحية. وفي عام 2015، كان الحد من المخاطر البيئية في إمكانه أن يمنع أكثر من ربع وفيات الأطفال دون الخامسة من العمر، التي بلغ عددها 5.9 ملايين وفاة.
والأطفال يتأثرون بصفة خاصة بتلوث الهواء والمواد الكيميائية الخطرة وتغيّر المناخ وعدم كفاية المياه وخدمات الصحةوالنظافة

هناك دلائل وافية تشير إلى أنّ للأنشطة البشرية أثر على المناخ العالمي وأنّها تؤدي إلى عواقب صحية عمومية وخيمة. ذلك أنّ الظواهر المناخية الكارثية وحالات تغيّر المناخ التي تؤثّر في إمدادات الغذاء والماء والأنماط الجديدة التي تتسم بها فاشيات الأمراض المعدية والأمراض المستجدة المرتبطة بحالات تغيّر النُظم الإيكولوجية لها جميعاً علاقة بالاحترار العالمي وتطرح كلّها مخاطر صحية.

إنّ الآثار الصحية الناجمة عن تغيّر المناخ بدأت تظهر فعلاً للعيان: فهناك تزايد في عدد الوفيات الناجمة عن موجات الحرّ وفي عدد الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، كما أنّ هناك تحوّلاً في أنماط الأمراض المحمولة بالنواقل والتي تتهدّد أرواح الناس، مثل الملاريا.

وقد أفادت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العالمية السابقة لمنظمة الصحة العالمية، بأنّ تغيّر المناخ سيؤثر تأثيراً سيئاً للغاية على بعض من أهمّ المحددات الأساسية للصحة، وهي الغذاء والهواء والماء، وأنّ المناطق التي تمتلك بنية تحتية صحية هشّة- والتي تقع معظمها في البلدان النامية- ستكون أقلّ المناطق قدرة على التكيّف مع الأوضاع الجديدة إذا لم تتلق المساعدة اللازمة للتأهّب والاستجابة.

ويبيّن ملف الحقائق هذا الآثار الراهنة والمتوقعة التي يمكن أن يخلّفها تغيّر المناخ على الصحة، وكيف يمكن للتدابير الحمائية الرامية إلى مكافحة الاحترار الإسهام أيضاً في زيادة الأمن الصحي خدمة لجميع الناس.

ظاهر الكورونا مصائب، وفي باطنه بعض المنافع..
فمنذ ظهور فيروس كورونا بداية عام 2020، ازداد الوضع سوءا بسبب ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية والاقتصادية، لكن في خضم مروره المأساوي، يترك الفيروس آثارا جيدة أيضا، بحسب البعض.
ويبدو أن فيروس كورونا نجح في بضعة أسابيع بتحقيق الهدف الذي تسعى الحركة البيئية بصعوبة للوصول إليه.

ففي الصين، وثقت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، انخفاضا كبيرا في تلوث ثاني أكسيد النيتروجين -أهم ملوثات الهواء وأكثرها شيوعا- وتحسنا عاما في الهواء بسبب القيود المفروضة على تفشي المرض.
كما طغت روائح الربيع على الرائحة التقليدية الكريهة للهواء في ميلانو ولومبارديا أيضا، وهي المناطق الأكثر تأثرا بالعدوى.

وتفاجأت وحدات شركة «أربا» -وهي شركة تقيس الضباب الدخاني- من تسجيل معدلات منخفضة بشكل كبير لتركيزات الغبار الناعم مقارنة بالمعدل الطبيعي، بشكل مستمر، بعد أكثر فصول الشتاء تلوثا في الأعوام الأخيرة.
.ما من شك أن صدمة الكورونا، تتيح طوعا أو كرها، فرصة التفكير، ومناسبة التأمل، وأرضية التعمق والتمحيص لمزيد فهم اسباب الخلل ومصادر الخطايا البشرية، ومن ثم تضافر جهود الخبراء والمختصين بمن فيهم أعوان الصحة والبيئة وعلماء النفس والاجتماع والفلاسفة وغيرهم قصد البحث عن مداخل للحل وافتتاح مسالك لتجديد الواقع وإعادة اكتشاف الحياة وبناء الحياة.

المشاركة في هذا المقال