Print this page

إضاءة: لبيب..كطائر الفينيق

وأخيرا أفردت البيئة بوزارة.. لم تتبخر الأحلام، ولم تضع الرؤى والنداءات سدى.. عادت البيئة حقيبة مستقلة،

في حكومة الفخفاخ فهل تحقق كل الرجاء، هل بلغ البيئيون غية المنى؟
صدق الرجل، ووعد الحر دين.. شاءت الأقدار أن فريق رئسية الفخفاخ قبل ستة اشهر كانت الوحيدة التي استجابت لدعوة فريق جمعياتي ثلاثي (فايقين لبيئتنا، القطب المدني والمجلس الافريقي العربي للتنمية المستدامة) وحضرت لقاءا إعلاميا بمقر نقابة الصحفيين وأعلنت بوضوح التزامها بخيار التنمية المستدامة وفصلت رئيسة الحملة وإحدى عضواتها، برنامج المرشح وأجندته المدققة لترسيخ الاستدامة وتكريس الانتقال البيئي.
والمسألة أبعد من ان تكون نزوعا شخصيا ونزوة فرد مطافح بالجد والالتزام والتطلع لغد وطني أفضل، إنما هي واحدة من منعرجات سيرورة التعاطي العام والرسمي خاصة مع الشأن البيئي.
لن يدعي أي من حكام الراهن، ابتكاره لعجلة الايكولوجيا، ولن يعلن جهرة، اي منهم، أنه الأجدر بوصل ليلى-لبيب(ة).
المسألة حقا متشعبة ومعقدة، وتبني خيار استقلال الحقيبة الحكومية مجددا،  حمال أوجه، وظاهره منحة، وهو في الأصل محة وتحد وافتتاح لرحلة عمل شاق طويل عميق ومعقد.
إنها مهمة، ترمي لتثبيت المشروعية وتأكيد للجدارة بالمتجه والخيار..

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د


وهي رسالة مضاعفة للمكلف، بإحكام إدارة لافريق، والتعامل مع الإرث المراكم، على امتداد نحو ثلاث عقد من إحداث الوزارة أول مرة(1991، المرحوم صالح الجبالي)وما عرفت المسيرة من تطور مأسسة وبناء لهياكلوإحداثات(خمس مؤسسات منذ1988 بينها الوكالة الوطنية لحماية المحيط، الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي والبنك الوطني للجينات ) وبرامج وطنية بيئية هامة (التصرف في النفايات، السلامة الاحيائية، مقاومة الانجراف، تأهيل وإسناد المؤسسات الصناعية، تقليص التلوث..) كل ذلك يستدعي قراءة تشخيصة ، والعمل على بناء رؤية وسياسة محينة تراعي المنجز بمكتسباته ونقاط ضعفه، وتهيؤ لمقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار مستجدات الوضع وخصائص السياق.
كم خسرت البيئة بتغييب لامجال، وطمس خصوصيتاه عبر الدمج، المبرر ظاهريا بتقليص الكلفة، والمهدر فعليا لوقت وموارد ومنجز مهم لو تحقق التعاطي المنطقي ووفق خصوصية الميدان بما هو أفقي وتوحيدي جامع؟.
التعاطي الدولي مع تغير المناخ مثلا لا ينعزل عن معاجلة قضايا التصحر والتنوع البيولوجي، مثلا، وفيها ملامسة لشؤون إقتصادية وأمنية وثقافية وتنموية وطاقية وسياحية وتربوية وبحثية و....بما يعني أن السياسة المناخية والطاقية مترابطة، وتتطلب منهجا وتفكيرا وتدخلا أفقيا متناسقا وجامعا لتلك القطاعات وفق متجه وخط سير وبوصلة متناغمة تجمع الجهود وتوحد الطاقات وتنسق بين الفاعلين لإنجاح التمشي وضمان مردودية المخططات والبرامج.
بعد تجارب دمج أربعة فاشلة، (مع التجهيز والفلاحة والشؤون المحلية) توجب التفكير الاستراتيجي وبشكل أكثر عقلانية وتحررا من رواسب الماضي، وإكراهات الواقع وضغوطات القدرات والإمكانيات ولزومياته.
حتى لا تهدر الفرصة ونخطىء المرمى.. لا بد من قراءة متأنية واستناد حكيم لتشخيص مع تحليل مناسب لتفاصيل المشهد ومتطلبات المجال-وليس القطاع- واستحقاقاته، بعيدا عن ردة الفعل، وتكرار الخطإ والثنايا السهلة وطاحونة الشيء المعتاد.
توجب مراجعة بعض سياسيينا لمقارباتهم وبراديغماتهم، وتفحص الشأن قبل التحرك للمقاربة والمعالجة والفعل..
لا بد من التخلي عن بعض المسلمات والأفكار المسبقة المشوهة والعرجاء، من قبيل البيئة نظافة ونفايات وعمل بلدي، على أهميتها.
البيئة تحد كوني وأمل للإنسانية..
وهي لا تعرف الحدود، لذا توجب أخذ الاتفاقيات الأممية والإقليمية التي صدقت عليها بلادنا جميعا بعين الاعتبار.
هي كوارث طبيعية زاحفة من راء سوء تصرف البشر وسياسات دولية مختلة مدمة ومستنزفة لموارد..
هي محاولة لإعادة تأصيل الذات ومراجعة المنهج وتعديل المسار لتفادي الانحدار.
قضايا البيئة لا تتوقف على مقاومة التصحر، والتشجير، ولا تتعلق بتدخل جهاز الشرطة البيئية، ولا تهم عمل فرق أعوان الغابات، ولا تشمل مجال المياه، وحماية البيئة الساحلية والجزر، ولا تعني الموروث الجيني والتنوع الحيوي، ولا تهم إدارة النفايات وتثمينها، ومجابهة التلوث بأشكاله، ولا تكمن في الإنتاج والبناء البيولوجي والاستهلاك المستدام و...هي كل ذلك وأكثر وهي رؤية وسياسة وتوجه عام يتبناه المسؤول والمواطن، وتنضبط له قوى الدولة ومؤسسات المجتمع.
ولذلك يتوجب انخراط الجميع في مسار التفكير والتخطيط والتنفيذ، والتخلي عن منهج القرار المسقط أو المنبت ، المباعد لأرضيته ، الغريب عن سياقه.
كما ينبغي إطلاق مبادرة مجتمعية وطنية جامعة ، لبلورة رؤية استراتيجية شاملة وجديدة في مجال الانتقال البيئي، وهي في حد ذاتها بادرة تحمل في ذاتها بذور إعادة ترتيب البيت وتغييرا جذريا في طريقة التعاطي مع الملف البيئي، بما يؤسس لإطلاق رحلة تربية وتنشئة على المواطنة البيئية.
وهذا البعد الأخير والمنحى في أولويات العمل البيئي، يمس كل الأبعاد والجوانب الأخرى ويضمن ديمومة المنجزات ونجاح المشاريع.
فقد آن الأوان، لتنظيم ملتقى وطني امع في مسألة التنشئة على المواطنة البيئية، بما يضمن تقييم المنجز في مجال التربية البيئية، وبداية التهيئة لبناء استراتيجية وطنة في مجال التربية البيئية تراعي تغير السياقات والمعطيات المجتمعية والثقافية، وتستشرف بعث منظومة للاتصال البيئي.

المشاركة في هذا المقال