Print this page

إضاءة: جباية خضراء لتمويل المناخ..

« إذا كنا لا نستطيع وقف التغيرات المناخية فلا بد أن نتعلم كيفية التعايش معها»
لم تعد ظاهرة تغير المناخ بما تواتر من تمظهرات متنوعة ومتفاوتة الأثر والقوة، محل

ريبة وتساؤل، في بلد محدود الموارد والإمكانيات، وذي نظم بيئية هشة مثل تونس.

وقد كان سلوك جل الفاعلين من سلط ومنظمات وخبراء وهياكل يتسم بالشك والريبة واعتبار الظاهرة وهما أو قضية مفتعلة ومبالغا فيها، أو غير ذات أولوية بالنسبة لباقي الاهتمامات الاجتماعية والمعيشية للناس.

وقد تمت مراجعة تلك النظرة القاصرة تدريجيا مع تبين التنامي الواضح لمظاهر التغير المناخي وأعراضه، والتهديد الواضح لموارد البلاد ومقدراتها الطبيعية الهشة والمحدودة.

وتعد تونس على غرار باقي دول البحر الابيض المتوسط، شديدة التأثر بالتغيرات المناخية، اعتبارا الى توقع ارتفاع متوسط درجات الحرارة ما بين 2،1 و2،4 درجة مئوية في أفق سنة 2050.

وسيؤدي ذلك الى ارتفاع مستوى البحر وتواتر الظواهر المناخية القصوى (الفيضانات والجفاف...) واندثار العديد من الأصناف النباتية والحيوانية والبحرية وتدهور الاراضي الفلاحية وبالتالي تهديد الامن الغذائي.

كما سيؤدي ارتفاع مستوى البحر الى زيادة نسبة الملوحة في المائدة المائية الساحلية وفي الاراضي الفلاحية، خاصة، في ظل ما تعانيه البلاد من فقر مائي مقارنة ببقية الدول,

بناء على ذلك، تنامى الوعي لدى جل الأطراف المتدخلة بضرورة تكاتف الجهود لبناء رؤية استراتيجية وتوفير أسباب التأقلم وخاصة التكيف مع هذه الظاهرةلتقليص الانعكاسات والحد من الضرر المحتمل على الأنظمة البيئية والمدن والقطاعات التنموية وغيرها .

إن التغيّر المناخي لا مفرّ منه والخسائر والأضرار الناجمة عن التغيرات المناخيّة أصبحت أخطر كلما ولج شتاء و انسحب صيف لذلك توجب على جهازالتفكيرالحاكم ان يعيد ترتيب اولوياته و ينظر إلى التغيير المناخي على انّه مباراة ولعبة مفتوحة، وربمامفاوضة مع الطبيعة فكلما ارتقى الوعي وكان التحرك استباقيا مبكرا، وجماعيا وتعددت وتكاثفت جهود التأقلم التكيف كانت التكاليف اقل.

لم يعد مجال للشك، برغم تواصل نشاط أقلية مشككة، أن التغير المناخي يشكل أبرز اهمّ القضايا العالميّة حسب الامم المتحدّة، و الأوّل على رأس قائمة أهمّ العشرة قضايا التي تشغل جيل الالفيّة، وخاصّة بعد تصاعد وتيرة التقلبّات الجويّة و الكوارث الطبيعيّة التي تستوجبُ حلولا مستعجلة تقوم على التخفيف من الانبعاثات و التكيف مع مخاطر التغير المناخي، بحسب إسلام الزرلي طالبة وباحثة متخصصة في المناخ، التي تعد تونس ضحية لسياساتها المناخية.

فرغم انّ الاتفاقيات الدولية تشير الى انّ مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي هي مسؤولية جماعيّة بين الدول إلاّ  أن بلدان شمال العالم تبقى المسؤول الأوّل لكونها المصدّر الاكبر للانبعاثات  على غرار  بلدان جنوب العالم كالبلدان العربيّة و الافريقيّة التي تدفع فاتورة كبار الملوثين. 

ونظرا للطابع الكوني للظاهرة، تطورت آليات الدعم والمساندة لجهود الدول في مجابهة الظاهرة، وتقوية إمكانيات التأقلم والتكيف، من ذلك تدابير التخفيف المحددة والتي تتعلق أساسا بتعزيز إسناد حوافز للتحكم في الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة وكذلك اتخاذ اجراءات ردعية ضد إهدار الطاقة من خلال الإنشاء التدريجي للأسعار المحلية للطاقة ودعم النقل العمومي على الحساب الخاص.

وفيما يتعلق بالتكيف، يخص الدعم تشجيع المؤسسات الاقتصادية والمالية بشكل خاص على المحافظة على المياه واعادة استغلالها

كما تخص الخطط المقترحة إنشاء نظام للتأمين ضد المخاطر المناخية لحماية المزارعين من مخاطر خسارة رأس المال بسبب الظواهر الجوية و المناخية

ويشكل التمويل المناخي، وتوفير موارد لهذه المشاريع واحدا من أبرز الاهتمامات والمشاغل التي تجندت لها القوى وعملت الأجهزة الرسمية مع شركائها ، وقوى المجتمع المدني على تعبئتها، بالتوازي مع حشد المشاركين في ترقية الإدراك والوعي وتعزيز مجهود التكيف مع المناخ.

وتبين السياسات الرسمية المعتمدة وعيا حكوميا للاستفادة من الموارد المالية الدولية التي يتم وضعها في المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ. إذ يتعلق خاصة بمداخيل الصندوق الأخضر الذي سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من سنة 2013، ويهدف إلى تعبئة 100 مليار دولار سنويا بحلول سنة 2020. بل هو أيضا آلية لتمويل(إجراءات التخفيف المثلى على الصعيد الوطني) التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة . وأكدت السلط ضرورة أن تكون تونس أكثر فعالية من حيث مستوى طلب التمويل للسياسات المناخية . ولذلك تم وضع أولويات على أساس الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والسياسة، يجري تطويرها بأسرع وقت ممكن  لتكون تونس من بين أول المستفيدين من هذه الأموال.

وتأكيدا لهذا الوعي، وتكريسا للتمشي نحو التكيف ،بادرت وزارة الفلاحة مثلا لإعداد خطة لتحقيق الأمن الغذائي تقوم على التكيف المناخي بكلفة تقارب ثلاث ملايين دولار.

وما من شك أن للمجتمع المدني دورا محوريا في إنجاح مشاريع التكيف وإحكام الاستفادة من التمويلات المتاحة عبر مشاريع صغرى في المجال، ونظرا للتعقيدات الإدارية والإجرائية الواجب تبسيطها للحصول على التمويلات، على سبيل المثال وموازاة مع برامج الحكومة، عمل ممثل الصندوق الأخضر للمناخ عبر ندوات إقليمية في الشمال والوسط والجنوب، على توعية الفاعلين في الجهات وبينهم الجمعيات بالإمكانيات المالية المتاحة وسبل الاستفادة منها والنفاذ لها لتمويل خطط ومشاريع التكيف المناخي.

كما انطلقت مبادرات لعدد من المنظمات من بينها الصندوق العالمي للطبيعة لتعزيز مساهمة الجمعيات في مجال التكيف المناخي،فقد أطلق مكتب الصندوق العالمي للطبيعة بشمال افريقيا، قبل أشهر، مشروع «تعبئة المجتمع المدني لدعم الحوار من أجل التأقلم مع التغيرات المناخية في تونس».

ويهدف المشروع، الذي يتواصل تنفيذه إلى حدود صائفة 2021، إلى تجنيد المجتمع المدني (15 جمعية) عبر دعم وتكوين وتقوية قدراته والعمل على تحسيس السلطات بضرورة إدماج عنصر التكيف مع التغيرات المناخية في السياسات العمومية للتنمية.

ومع كل تلك الجهود مازال هنالك مجال كبير للعمل والتنسيق والتكامل، والبحث عن آفاق جديدة لتصميم وتنفيذ مشاريع للتكيف المناخي في بلادنا.

وسعيا لتنويع موارد الخطط المرسومة في مجال التكيف، ولضمان اوفر الحظوظ للنجاعة والفاعلية، وعدم الإرتهان لجهة وحيدة للمنح والتمويل، توجب توسيع دائرة التفكير في مصادر ملائمة ممكنة لإنعاش الصناديق الوطنية لتمويل هذا الصنف من المشاريع غير المربحة على المدى القصير، و لإسناد تلك السياسات المناخية الوطنية وتوفير أسباب تنزيل المبادرات المقترحة في سياق التكيف مع المناخ.

فلا بد من انضمام المسؤولين عن المراقبة والجباية والمختصين في الاقتصاد إلى فرق التفكير الاستشرافي والاستراتيجي لتنمية موارد المشاريع المناخية وخاصة المندرجة في إطار التكيف.

ولإثراء الموارد ولتوفير خطوط تمويل إضافية ، عبر الجهد الذاتي، يمكن التفكير في دعم الجباية الخضراء، من خلال تفعيل وتوسيع مجال الضرائب على المخالفين والملوثين، ومستنزفي الموارد، على غرار الأفراد والمؤسسات المصرين على استعمال آلات مبذرة للطاقة، أو مصممي بنايات مستنزفة للطاقات التقليدية، ولمن يستعملون أكثر من سيارة فردية مثلا، ومن بينها الإدارات التي تبالغ في استعمال الورق، أو المؤسسات التي تستهلك الماء والطاقة وغيرها، عبر أداءات مشابهة للأداء على توريد المواد البلاستيكية مثلا .

وبالتوازي مع العمل الريادي للجمعيات في التنشئة على السلوك المناخي الرشيد، لا مفر من إشراك المؤسسات التربوية والجامعية، في برامج تعبئة الوعي المواطني نحو إنشاء حس إيجابي ورأي عام مساعد تجاه قضايا المناخ ومستلزمات نجاح خيار التكيف.

المشاركة في هذا المقال