Print this page

إضاءة: دكتاتورية خضراء قادمة؟ هل بات زمن بروز الدكتاتوريات الخضراء وشيكا؟

هل بات حلول نظام احترام البيئة، والتزام المواصفات البيئية، واعتماد الحركات الإيكولوجية في الحياة اليومية

والانتاج والاستهلاك والنقل والبناء و... يشكل تهديدا جديا لنمط حياة الناس ومنوال عيش المواطن المعاصر؟

السؤال ليس ترفا أو بدعة، فقد توسعت دائرة تداوله مؤخرا ونشرت مقالات تلوح بقرب بروز مظاهر دكتاتورية اقلية بيئية تسعى لفرض إرادتها وإلزام الأغلبية باحترام متطلبات الحفاظ على التوازن الحيوي وتقليص نسب إفراز ثاني أوكسيد الكربون وتخفيض معدلاته، حتى أن بعضهم ذهب إلى ضرورة التعامل الجدي مع النمو الديمغرافي والتزايد السكاني باعتباره من مسببات التدمير المباشر للأنظمة البيئية والتقليص المستمر للمقدرات المطلوبة لاستمرار العنصر البشري، ورسموا خططا ترمي إلى إحداث مراجعات قسرية في بعض السلوكات العامة وبينها التكاثر، حرصا على ضمان إطار حيوي يضمن هواء قابلا للتنفس في أفق ثلاثين عاما..

واقترح أصحاب هذا التمشي تقدير حجم الولادات في مختلف البلدان وتحديد حصص كل منها، في شكل أرصدة، وتقييم كل ولادة بحجم مالي، يقابل نسبة من إفرازات ثاني أوكسيد الكربون، بما يعني ضرورة إصدار تقارير عن حجم الولادات ومن ثم حساب مدى احترام كل دولة لحصتها، وتولي الدول الكبرى والغنية دفع قيم الولادات التي يتم تفاديها في بلدان الجنوب ودفع تعويضات تتناسب مع حجم ذلك المجهود الوقائي المعتبر.

وبصرف النظر عن مدى وجاهة مثل هذا التفكير، الذي يرى فيه خصومه تعديا صريحا على حقوق الناس، وتحليلا معكوسا لمتجهات الحل، فإن الكثيرين يعتبرون أن مثل هذا الطرح الذي تم مؤخرا عرضه بمقال نشرته مجلة فرنسية ، ما يزال بعيدا عن الواقع، وتهويما افتراضيا في سياقات أوضاع مفترضة ومحتملة.

ويرى البعض أن مثل تلك الصيحات إن هي إلا بالونات اختبار إن لم تكن مجرد مواقف شاذة من قبيل نباح حيال قوافل مجتمعات تتقدم حثيثا نحو تعميم معايير حماية البيئة واحترام مواصفاتها في مختلف مناحي الحياة بما فيها الانتاج والاستهلاك.

فالغالبية في البلدان المتقدمة تلتزم بتلك القواعد، وترى ان فرض احترام الترتيبات والقوانين البيئية يمثل ضمانا لجودة حياة مواطنيها وتأمينا لصحتهم وهي من قبيل المقدسات الأساسية في سلم أولويات المواطن الغربي عموما.

ويختلف الوضع وتنقلب القاعدة في مجتمعاتنا، إذ أن المواطن العربي عموما والتونسي، ما زال يرى في تلك القضايا مسائل مبهمة ومن قبيل الزخرف أو الدعاية السياسية الزائفة، ولإضفاء لمسة تجميلية إضافية للأنظمة، ولزوم ما يلزم من اتباع الغالب والمتقدم والمتمدين.

فباستثناء نخب من الناشطين والملتزمين بيئيا لاعتبارات متعددة، فإن القناعة ما زالت تؤكد عدم توطين العقيدة البيئية، والتبني المبدئي لها كبوصلة محددة للسلوك الفردي والجماعي.

بين مفارقات وتناقضات صارخة، ومن تفاؤل إلى تشاؤم تتراوح مواقف الناشطين والتيارات والحركات البيئية في عالمنا العربي، في ضوء سياسات الحكومات، وما يعكسه اتجاه فئات المجتمع في معيشه اليومي واختياراته ونزعاته الاستهلاكية وغيرها، تطرح اسئلة جدية حول مدى تحرك المجتمعات العربية فعلا وبخطوات ثابتة غير قابلة للنكوص نحو فرض ديمقراطية بيئية، لا تشبه دكتاتورية ، ينتقدها البعض في بلدان الشمال.

الوقت ما يزال مبكرا للحديث عن مسار بيئي حقيقي، وعن انتقال فعلي نحو نسق محترم للبيئة في مختلف عناصر الحياة اليومية والإدارية والتنموية عموما.

ربما يمكن الحديث عن دكتاتوريات، لكنها ليست بالضرورة خضراء..

فالمسار لا يزال طويلا، لمتابعة تطور نوعي نحو اعتماد مقولات البيئيين في مستويي السياسات الرمية وكذلك المبادرات والتصرفات الفردية للمواطنين والفاعلين في الدورة الاقتصادية مثلا..

البعض يرى أن حال كثيرين عندنا، حتى لا نقول أغلبية مطلقة، يرون أن البيئة في منظورها، «موش متاعنا».

المشاركة في هذا المقال