Print this page

إضاءة: البلدية مدرسة الديمقراطية البيئية المحلية

لم تعد البيئة مصلحة لإدارية، أو فرعا في منظومة إدارية، فهي أكثر، بالطبع، لخصوصيتها الأفقية وارتباط

كل القطاعات والمرافق بها

وبعالم التنمية بحقوله وتحدياته وحاجياته المتجددة.

ويشير التطور الواضح في بناء المؤسسة المركزية للحكم المحلي، البلدية، إلى ارتفاع في منسوب الأمل، وازدياد حظوظ القدرة على الاستجابة لمتطلبات التنمية على المستوى المحلية بروح من الديمقراطية المحلية واللامركزية والحوكمة.

130مليون دينار تضخ في ميزانيات البلديات، 530 آلية بقيمة 90 مليون دينار توزع خلال الأشهر الثلاث القادمة، ، ودعم بشري لنحو 193 بلدية.

فالإسناد الواضح من الدولة لنمو هذا الجيل الأول من الهيئات المحلية المنتخبة، المجالس البلدية، والتعزيز البشري والفني والتكويني واللوجستي الهائل، لا يعكس بالضرورة استمرار المركزة، وإنما حدا أدنى من المسؤولية لسلطة الأشراف في تيسير انطلاقة هذه النواة الأولى لبلدياتنا المنتخبة الممثلة للمواطنين.

وسيكون لهذا التطور الكمي والدعم المادي أثره دون شك في قدرة هذه الأجهزة الممتدة على 350 منطقة مع اعتبار 86 بلدية محدثة، في تحسين ظروف العيش والارتقاء بإطار حياة الأفراد والمجموعات السكانية، ولكن هذه المرة بمساهمتهم ومشورتهم ومعاضدتهم الفاعلة لمسار بناء الخطط والقرارات والأمثلة.

وسيكون لهذه المشاركة الممأسسة والمنصوص عليها بمجلة الجماعات المحلية دورها الإيجابي في تشكيل وعي جمعي مواطني وبيئي أكثر فاعلية وقدرة على تكييف السلوك الفردي والجماعي تجاه المحيط المباشر، بترسخ الشعور بتملكه، وتثبيت الانتماء لدى سكان المنطقة البلدية.

سيكون لهذه الممارسة المزدوجة من البلدية في تشاورها وتشريكها للمتساكنين والجمعيات، وللمواطنين بالحضور والإسناد وإثراء الجلسات والمشاريع، دور أكيد في تطوير واقع جديد ونمط علائقي أفقي ومنساب بين السلطة المحلية وبين الجموع والفئات الاجتماعية، وسيكون لذلك انعكاس في تكثيف الممارسات التشاركية المرتبطة ببرمجة وتنفيذ ومتابعة القرارات السياسية على المستوى المحلي

سيكون للمواطنين دور أوسع في تشكيل واقعهم كما يريدون.

وستكون للبلدية آذان صاغية، لا صماء، تجاه المحيط وهواجس المتساكنين وتطلعاتهم. وسيكتسب الطرفان دربة أكبر على التفاعل البناء في صياغة المشاريع التنموية واعتماد المقاربات الأنسب لا بطريقة الأسقاط والإملاء وإنما بصيغ التفكير الجماعي والمراجعة والنقاش والإقناع.

ستكون للمجال البيئي، الذي يحتوي البلدية والمتساكنين، ولا يمثل فرعا لها، مكانة أرحب في احتضان القادم، بفضل نجاح الممارسات، وتقدم التدريبات العملية على الديمقراطية، وتبرعم فهم راق لقداسة العمل الجماعي والمشترك لفائدة المجموعة.

وستنعكس النصوص المؤسسة لقانون الجماعات المحلية الأساسي، واقعا جديدا، يحسن الواقع، ويقرب الممكن، ويطوع الفرضيات الصعبة، بإرادات جماعية لمعظم المتساكنين، بدءا بمجموعات المساهمين في جلسات اللجان والجلسات التحضيرية وغيرها، وصولا لجل المواطنين المتصدرين لأداء واجبهم، والمشاركة الجدية في خدمة مدينتهم من بوابة العمل البلدي التشاركي.

وستفتح نجاحات التجربة السبيل لرسم إمكانات انطلاق برامج المواطنة البيئية بما هي مشروع وطني ولامركزي جامع يبدأ من إدراك الواجب، ويقوم على حس الانتماء ويعتمد قواعد التحرك المشترك من أجل ترجمة قيم البيئة السامية، و إعادة تشكيل الفضاء العام على نسق يتناغم مع ألوان الضمير البيئي الجمعي الزاهية، التي تتنافر مع مظاهر الإخلال والأنانية والتدمير والإسراف والتلوث.

المشاركة في هذا المقال