Print this page

إضاءة: البحث في خدمة البيئة

لم يعد الباحث أسر برجه العاجي، ورهين مخبره العجيب المغلق، والمحكوم بواجب دفن أبحاثه ومخرجاته لأجل غير معلوم..

وقد بنيت بين المراكز والوحدات البحثية وبين محيطها جسور وقناطر تؤمن بالتواصل وتضمن الربط المطلوب بين فلك الباحثين القدسي الهادىء، وبين عالم التنمية بحقوله وتحدياته وحاجياته المتجددة.
كما تأكدت اليوم الضرورة المتأكدة لتدخل البحث العلمي في الاستجابة لاستحقاقات الواقع البيئي المتحول، والإجابة عن أسئلته الحارقة.

ومن هذا المنطلق عرف برنامج تطهير بحيرة بنزرت مؤخرا تطورا مهما في اتجاه الانفتاح على مخابر البحث وتشريكها في مسار المراكمة المعرفية وتركيز جهود الباحثين في الإحاطة بمكونات المنظومة البيئية للبحيرتين، إشكل وبنزرت، وما يحف بمكونات المشروع وعناصره المهمة المبرمجة .
وقد بدأ التعاون الشبكي بين مؤسسات البيئة، انطلاقا من الوكالة الوطنية لحماية المحيط، والهياكل المحلية والدولية، والشركاء من المجتمع المدني والإعلام والبحث العلمي، إعلانا متجددا وتأكيدا لقناعة مبدئية راسخة بضرورة إشراك المؤسسة العلمية كفاعل مهم في سيرورة الانتقال البيئي، بما يتضمنه من إزالة لمخلفات التلوث، ورواسب التجارب المختلة السابقة.

وسيكون للباحثين في الفترة القادمة، ضمن مؤسساتهم وهياكلهم إمكانية الاندراج ضمن المقاربة المقترحة في برنامج تطهير بحيرة بنزرت، والتي انطلقت من سنوات طويلة بروح من الانفتاح على مختلف الأطراف والقوى والتوجه نحو بناء ديناميكية جديدة تهدف إلى حشد كل الطاقات الممكنة قصد صون المخزون الإيكولوجي، وبناء رؤية استراتيجية واعدة لتجاوز الإشكالات ، وتجاوز مظاهر الاختلال والتلوث، بشكل مدروس يضمن القطع النهائي مع مسببات المعضلة.

وأكدت المراحل الأولى للبرنامج، منذ بواكيره نزوعا واضحا نحو تكريس الحوكمة وتفعيل مبدأي التشاور والمشاركة الفعلية وفي كافة مراحل الإعداد والتصور والتنفيذ والتقييم.

هل عندنا باحثون ومؤسسات ومخابر مؤهلة لرفع التحدي وكسب الرهان؟
هل أن البحث العلمي عندنا مرشح للإستجابة لمتطلبات المشاركة في عرض دولي بهذا الحجم يتطلب تكاتف مؤسسات ومخابر لضمان شروط الإيفاء بالمستلزمات التقنية المطلوبة؟

هل نملك حقا من النضج والخبرة ما يؤهلنا لتخطي بعض حدود التقاليد السابقة والممارسات الانعزالية والثقة في الآخر بحيث تنسج شراكات أفقية للمشاركة في هذه الخطوة المهمة التي سيرصد لها نحو مليار للجانب البحثي في مشروع تطهير بحيرة بنزرت؟

وهل يتسنى للمجتمع المدني، والجمعيات المختصة، المساهمة بدورها، والانضمام لهذا الحراك الواعد في سياق مشروع نموذجي بيئي ضخم يلقى دعما دوليا ويحقق تدريجيا نجاحا منهجيا في التخطيط والتهيئة للتدخلات المرتقبة ضمن محتوى البرنامج؟

كلها اسئلة إنكارية إجاباتها في قادم المراحل المدرجة في مخطط البرنامج، وأسرارها عند الفاعلين المعنيين وبينهم نخبة رفيعة من باحثينا المميزين ومخابرنا المثابرة ذات الصيت العالمي، والتي تملك اليوم فرصة أخرى لتثبيت بصمتها، وتجديد قدرتها على الانفتاح على محيطها الاقتصادي والتنموي والبيئي، وصياغة تجربة نجاح نموذجية في إسناد علمي ومعرفي وتكنولوجي، للجهد الوطني والدولي في مجابهة التلوث.

تجربة برنامج تطهير بحيرة بنزرت، نموذج مضيء يحقق مع الأيام مقدمات مبشرة لمنجزات تليق بتحد يجاوز حدود إزالة المضرة واستئصال التلوث من منطقة تحتضن واحدة من درر البيئة المتفردة على الصعيد الدولي، بحيرة، وجبل وغابة إشكل,,

المشاركة في هذا المقال