Print this page

لعنة الفسفاط نعمة الفسفوجيبس

يُقصد بالتلوث الكيمائي التلوث بالمواد الكيميائية المصنعة

سواء تلك اللتي تتكون لتستخدم لآغراض خاصة كمواد التنظيف وزيوت السيارات أو تلك التي تُنتج كمخلفات جانبية لعملية الصناعة، وهذه المواد يُمكن أن تُلقَى في المجراي المائية أو أن تنتشر في الهواء مما يسبب تلوثاً بيئياً، وهذا النوع من التلوث ذو آثار خطيرة جداً على مختلف عناصر البيئة، وقد ظهرت آثار هذا النوع من التلوث بوضوح، في النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة التقدم الصناعي الهائل الذي شهده خصوصاً في مجال الصناعات الكيميائية, وقد تصل آثار التلوث الكيمائي إلى الغذاء، عن طريق استخدام المواد الحافظة والألوان والصبغات ومكسبات الطعم والرائحة في صناعة الأغذية، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، دور هذه المواد في إحداث الأورام السرطانية الخبيثة.

على مدى عقود، بقي مجمع غنوش ينفث النفايات والأبخرة السامة للفوسفات ومخلفاته في الهواء ويصبها في البحر، بينما تتزايد الإصابات بالأمراض التنفسية والجلدية والسرطانية، والتشوهات الخلقية، ومشاكل الكلى والكبد، كما تفيد دراسات وتقارير حول التأثيرات الصحية الخطيرة للمجمع، في حين تغيب البيانات الرسمية المتعلقة بذلك.
وفي هذا المجمع الصناعي الضخم بمنطقة غنوش، تتم معالجة الفوسفاط، الذي يأتي من مناجم محافظة قفصة المجاورة، لتصنيع الأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية، وتؤكد أبحاث وتقارير بيئية أن مخلفاتها تتضمن ملوثات، كيميائية وإشعاعية أيضا.
وأشارت دراسات إلى وجود معادن ثقيلة، مثل اليورانيوم، والثوريوم، والراديوم بجرعات عالية في الجبس الفوسفوري، وهو منتج ثانوي كيميائي مشع لإنتاج حمض الفوسفوريك ينتج عن معالجة وتحويل الفوسفات. وتتسرب مثل هذه العناصر الثانوية في مياه الصرف الصحي والبحر، والهواء على شكل أبخرة سامة، مثل ثاني أكسيد الكبريت.
تشير التقديرات، إلى أن المجمع الكيميائي ينتج 6 آلاف طن من مخلفات الجبس الفوسفوري يوميا، يتم صرف جزء منها في البحر دون معالجة أولية خصوصا في شاطئ قرية شط السلام الذي لا يبعد كثيرا، وهو ما يؤدي إلى تلوث بحري، وتدهور الثروة السمكية في خليج قابس، وفق ما يؤكد البحار الصادق الغول، والأهالي، وتقارير كثيرة محلية ودولية
وتشير التقديرات، وفقا لنهلة بن حسين، الجزيرة نت، إلى أن المجمع الكيميائي ينتج 6 آلاف طن من مخلفات الجبس الفوسفوري أو الفسفوجيبس يوميا، يتم صرف جزء منها في البحر دون معالجة أولية خصوصا في شاطئ قرية شط السلام الذي لا يبعد كثيرا، وهو ما يؤدي إلى تلوث بحري، وتدهور الثروة السمكية في خليج قابس، وفق ما يؤكد البحار الصادق الغول، والأهالي، وتقارير كثيرة محلية ودولية.

.
وقفة احتجاجية في مدينة قابس في مايو/أيار 2025 للمطالبة بإغلاق المصانع الكيميائية بالمنطقة الصناعية (الفرنسية)
لجنة تدقيق و"تمويه"
وعلى وقع الاحتجاجات المتكررة، جراء حوادث الاختناق المتعددة، وتراكم مشاكل التلوث البيئي أجرت لجنة من مسؤولين من وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة البيئة؛ زيارة للمجمع الكيميائي في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول؛ لامتصاص غضب السكان بالولاية، في حين ينتظر الأهالي النتائج والمقررات الفعلية للزيارة.
ويقول ناشطون بيئيون وحقوقيون إن مسؤولي الإنتاج بالمجمع أوقفو خلال الزيارة التفقدية إنتاج الوحدات السامة وقتيا في حين ركزت وزارة الصحة معدات طبية عاجلة لتخفيف وطأة الأزمة خاصة بعد زيادة وتيرة عمليات الاختناق.
وفي حين يواصل المشرفون على المجمع الصمت، ويختارون عدم التصريح لوسائل الإعلام المحلية والدولية تحدث رئيس الدولة قيس سعيد خلال اجتماع بالقصر الرئاسي عما سماه "اغتيال البيئة"، مشيرا إلى أنه تم القضاء على كل مظاهر الحياة لمدينة قابس، لكن من دون أن ينتج عن ذلك تحرك جدي، لإيقاف مأساة التلوث كما يقول ناشطون.
ويجسد المجمع الكيميائي بمدينة قابس تلك المعضلة أو الرهانات "الموجعة" التي اعتمدتها الدولة منذ السبعينيات في تحقيق العوائد الاقتصادية واستثمار الثروات وإغفال الأضرارعلى صحة الإنسان والبيئة.
فالمجمع، الذي يوفر نحو 4 آلاف فرصة يشكل عصبا اقتصاديا تغاضت كل الحكومات المتعاقبة عن مخاطره، في حين سئم أهالي المنطقة الوعود، واضطر العديد منهم للمغادرة بحثا عن هواء نظيف وحياة أفضل لأبنائهم، وتنتظر الغالبية منهم حلا لم يأت بعد

قبل خمس شهورأكدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فاطمة ثابت شيبوب، أن قرار اعتبار مادة الفوسفوجيبس مادة غير خطيرة وإجازة تثمينها، نبع عن لجنة فنية علمية جمعت خبراء وإطارات سامية أكادميين واساتذة وباحثين ومهنيين من وزارات الصناعة والبيئة والعدل والفلاحة والصحة في اكتوبر 2023.
وأوضحت خلال جلسة عامة انعقدت اليوم الاربعاء وخصصت للإجابة عن تساؤلات أعضاء مجلس النواب ، أن هذه اللجنة قامت بإجراء التجارب اللازمة ودراسة الجوانب الفنية من خلال اعتماد 150 مرجعا ونشرية علمية صادرة بين سنتي 1995 و2023 تناولت الخصائص الفيزيائية والكيميائية والاشعاعية للمادة، فضلا عن الاستئناس بالقانون السائد في تونس وفي عديد الدول الأخرى.
وأشارت الوزيرة، إلى أن اللجنة خلصت إلى أن المادة الفوسفوجيبس لا تصدر اشعاعات ولا تصنف كمادة خطرة او تشكل تهديدا لصحة المواطنين بل هي مادة منتجة وهو ما يفتح المجال لتثمينها واقترحت أن يتم استدعاء أعضاء اللجنة العلمية امام مجلس نواب الشعب لتقديم المزيد من الإيضاحات والتطمينات.
وقالت إن الوزارة أمهلت المجمع الكيميائي بقابس خمس سنوات لتقديم دراسة واقعية في الغرض، مضيفة أن تثمين هذه المادة ستكون له انعكاسات على عديد المجالات على غرار المجال البيئي، إذ أنه سيمكن من إعادة رسكلتها وبالتالي إعادة استخدامها في عدة قطاعات كقطاع البناء والطرقات عوض سكبها في البحر بما يمثله من مخاطر.
وكان مجلس وزاري مضيّق انتعقد يوم 5 مارس 2025 وخصص للنظر في البرنامج المستقبلي لتطوير إنتاج ونقل وتحويل الفسفاط 2025 -2030 ، قد أقر حذف مادة الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة وإدراجها كمادة منتجة واستعمالها في مجالات متعددة بشروط مضبوطة، وهو ما رفضته عديد منظمات المجتمع المدني معتبرة أنه "يهدد بمزيد من التدهور البيئي".

 

المشاركة في هذا المقال