Print this page

فيما لا تزال أغلب المؤشرات الاقتصادية هشة: ارتفاع في عدد أيام التوريد وتحسن في سعر صرف الدينار...فهل هي بداية التعافي أم مجرد تحسن إصطناعي ؟

يؤكد خبراء الاقتصاد في تونس دائما أن العملة هي المرآة التي تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي ،فإذا كانت العملة الوطنية

مستقرة أمام العملات الأجنبية أو كانت قيمتها مرتفعة ، ذلك يعني بالضرورة إن الاقتصاد في حالة جيدة وفي حال كانت العملة تشهد انزلاقا متواصلا فإن ذلك يعني أن محركات النمو هشة والاقتصاد في وضعية حرجة ، بمثل هذا الطرح يمكن القول أن الاقتصاد الوطني قد دخل في مرحلة التحسن ، بإعتبار المؤشرات التي ينشرها البنك المركزي والتي تؤكد أن الدينار قد دخل مرحلة انتعاشة وارتفاع أمام أهم العملات الرئيسية بعد سنوات من الانزلاق.

دخل الدينار التونسي منذ سنة 2013 في مرحلة حرجة بدأت بتراجع طفيف ليصل إلى مرحلة الانزلاق والتدهور، حيث كان سعر صرف الدينار مقابل الدولار آنذاك في حدود 1.6 ليصل إلى 2.6 في سنة 2018 وتنقص تبعا لذلك قيمة الدينار إلى النصف مع بداية العام الحالي حيث أصبح سعر صرف الدينار الواحد مقابل الدولار 3.02 ، ليواصل الدينار التدحرج خلال شهري فيفري ومارس وافريل إلى حين دخول شهر ماي حيث دخل الدينار في مرحلة مختلفة اتسمت بإرتفاع قيمته أمام العملات الرئيسية، 2.9 دولار في ماي وجوان و2.8 في شهر جويلية وبالتزامن مع صعود صرف قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية اخذ مخزون الاحتياطي من العملة الصعبة في التحسن ليتجاوز عتبة الخط الأحمر المحدد بـ90 يوما بعد أن كان في حدود 75 يوما.

من 157 يوم إلى 75 يوم توريد
وقد تراجع الاحتياطي من العملة الصعبة من معدل 157 يوما في سنة 2006 إلى معدل 75 يوما في 2018 وقد كان الاحتياطي في أفضل حالاته سنة 2009 ببلوغ 186 يوم توريد قبل أن يأخذ في التراجع من سنة 2010 إلى سنة 2014 ثم عاد إلى التحسن في 2015 بـ128 يوم توريد و تكون بذلك سنة 2015 بداية التقهقر لمخزون العملة الصعبة ،حيث بدأ في النزول من 111 يوم في 2016 ثم تدحرج إلى 93 يوم في 2017 ثم إلى 75 يوم في 2018 لتتواصل نسق التراجع خلال هذا العام إلى غاية الأشهر الأخيرة أين بدأ الاحتياطي في التحسن.

وأمام الزيادة في الاحتياطي من العملة الصعبة واستقرار سعر صرف الدينار ، يفترض أن يكون الاقتصاد الوطني قد دخل مرحلة التعافي ،غير أن اللافت للانتباه أن أهم المؤشرات الاقتصادية ماتزال هشة ،فالعجز في الميزان التجاري في السداسية الأولى 9.7 مليار دينار الذي سيضغط بدوره على ميزان الدفوعات الذي وصل بدوره إلى 4.7 % عجز من الناتج الإجمالي مع العلم أن المعايير العالمية تؤكد وجوب عدم تجاوز العجز في ميزان الدفوعات 3 % وتجاوزه يعني الدخول في مرحلة الخطر، وبلوغ هذا المستوى من العجز يعني الحاجة المتزايدة للتداين الخارجي الذي ارتفع إلى أكثر من 77 % موفى 2018، هذا الى جانب بقاء نسبة التضخم في مستوى مرتفع 6.8 % وما زال معدل الاستثمار الأجنبي بعيدا عن المعدلات التي من شأنها أن تعزز مخزون العملة الصعبة حيث لم تصل قيمة الاستثمار الأجنبي في ستة أشهر إلا إلى 1.3 مليار دينار.

وبمثل هذه المؤشرات ،كيف لسعر الصرف أن يرتفع والحال أن اغلب المؤشرات الاقتصادية في تدهور،حيث يؤكد خبراء الاقتصاد أن تحسن سعر صرف الدينار تحسن اصطناعي مبني على تدخل قوي من البنك المركزي ومن العملة المتأتية من عائدات البنوك المصادرة التي وقع بيعها إلى مستثمر أجنبي إلى جانب القروض التي وقع الحصول عليها منذ بداية العام فضلا على تسبيقات حجوزات القطاع السياحي في سوق الصرف منذ بداية العام ، حيث لايمكن الحديث عن انتعاشة حقيقية للدينار باعتبار أنها غير متأتية من تطور إنتاجية الاقتصاد الوطني، فهي تبقى ظرفية ومكلفة حتى أنها ستكون مكلفة في وقت لاحق لا سيما مع البيان الأخير لصندوق النقد الدولي الذي أوصى بمزيد المرونة في سعر الصرف والتي من شأنها أن تدعم التحسن في الحساب الجاري والاحتياطيات الدولية وذلك يعني أن الدينار مقبل على موجة انخفاض ثانية بإعتبار أن الدينار ما زالت قيمته ارفع من قيمته الحقيقية.

إن الاستقرار الفعلي وصلابة الدينار أمام العملات الرئيسية يتحقق وفق البنك المركزي عبر تحسن الظرف الاقتصادي المحلي باستئناف نسق إنتاج الفسفاط والرفع من إنتاجية الاقتصاد التونسي عن طريق إعادة عجلة التصنيع ووضع سياسات قطاعية واضحة تهدف إلى توفير الإنتاج والحد من الواردات و تنويع قاعدة التصدير. وضمان متلازمات الإستثمار المحلي والأجنبي: الأمن - الاستقرار الاجتماعي - الاستقرار السياسي إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة مع بعض البلدان بهدف إدراج خطوط تمويل تمكن من الحد من التأثير المباشر لهذه الاتفاقيات على المخزون من العملة وإعادة تفعيل آلية مؤشر التعاون الصناعي مع جميع الدول الشريكة والتي تكرس مبدأ الاستيراد مقابل التصدير وصياغة إستراتيجية كاملة لرقمنة وسائل الدفع للحد من تداول النقد وضمان متابعة جميع المعاملات الاقتصادية.

المشاركة في هذا المقال