باب السلطة القضائية تحت المجهر بعد خمس سنوات منذ ميلاد الدستور الجديد: «محكمة دستورية معطّلة،أحكام قضائية بلا تنفيذ ومحكمة إدارية عليا غائبة»

احتفلت تونس مؤخرا بالسنة الخامسة لميلاد دستور الجمهورية الثانية الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي آنذاك

في 27 جانفي 2014 ليكون خلفا لدستور 1959 ويجدّد الأمل لدى التونسيين في بناء تونس الجديدة أساسها القانون،هذا الدستور الذي تضمّن العديد من النقاط الايجابية حيث تم تخصيص باب كامل للحقوق والحريات ،كما نصّ أيضا على ضرورة تركيز عديد الهيئات الدستورية سواء في إطار مكافحة الفساد أو في مجال القضاء وغيرها نذكر منها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات،هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والمحكمة الدستورية،اليوم وبعد مرور كلّ هذه السنوات يطرح السؤال ماذا أنجز من الدستور خاصة في باب السلطة القضائية.في هذا السياق رصدت «المغرب» بعض مواقف أهل القانون حول المسألة
لئن يعتبر الدستور الجديد الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي منذ خمس سنوات تحوّلا ايجابيا وخطوة إلى الأمام في مسار الانتقال الديمقراطي إلاّ أن الأمر يختلف على أرض الواقع حيث بقي العديد من الفصول حبرا على ورق.

«مبرّرات واهية»
حوصل السيد محمد صالح بن عيسى أستاذ القانون العام وضع السلطة القضائية بعد مرور خمس سنوات على الدستور فقال «تحققت أشياء و لكن الكثير لا يزال ينتظر ،فالمجلس الأعلى للقضاء منقوصا في تركيبته بما أدى إلى إطالة الصبغة الوقتية لجزء من هياكله،فضلا عن بعض الصعوبات في توزيع الصلاحيات خاصة في ما يتعلق بدور الجلسة العامة و في إعداد الحركات القضائية في حدود الآجال القانونية وهنا أصبح من الضروري سن النظام الداخلي في اقرب الآجال و لعل أسباب الصعوبات الحالية مردها قلة الإمكانيات المادية و البشرية والمالية المتاحة للمجلس و في رأيي الخاص ربما يكمن السبب الرئيسي في عدم تكريس المشرع لنظام التفرغ التام لأعضاء المجلس على الأقل بالنسبة للأعضاء المنتخبين»، وأضاف بن عيسى «أصبح من المتأكد جدا أن تتجه الإرادة السياسية إلى الإسراع في القيام بدورة انتداب استثنائية تفتح لخريجي كليات الحقوق والمدرسة الوطنية للإدارة بعدد كاف لا يقل في رأيي عن 400 قاضى عدلي خلال السنتين القادمتين لتلافي النقص الفادح في القضاة و لتلبية الحاجيات الملحة للمحاكم خاصة داخل الجمهورية و بدون اتخاذ هذا القرار الشجاع لا يمكن للقضاء اليوم أن يفصل في آجال معقولة في الكم الهائل من القضايا المتراكمة بمختلف أصنافها منذ الثورة إلى الآن و إذا أضفنا إلى هذا وذاك عدم إرساء المحكمة الدستورية بدون أي تبرير جدي ومقنع في تقديري لان التبريرات السياسية المتذرع بها هي تبريرات واهية ومردودة على أصحابها و عدم تنقيح القوانين الأساسية والتنظيمية للاقضية الثلاثة و المجلات القانونية تماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد يصح القول انه لا تزال تفصلنا مسافات طويلة عن قضاء ناجز و فعال يلبي في أحسن الظروف انتظارات المتقاضين».

«تفعيل الفصل116»
نظر كريم الراجح إلى المسألة بعين محامي وعضو في المجلس الأعلى للقضاء عن القضاء الإداري فقال «ما يلفت الانتباه قبل تقييم مضامين هذا الدستور هو وجود عدم رضا بلغ إلى حد إعلان البعض عن فشل التجربة وتلويح البعض الآخر بضرورة التنقيح ولهؤلاء ينبغي توجيه الأسئلة التالية: هل يصح التقييم في هذه المرحلة ؟ هل انطلقت التجربة حتى نعلن عن فشلها؟ وما هي أسباب الفشل إن صح وجوده ؟،أسئلة أساسية تستوجب إجابات صريحة تفضي إما إلى ضرورة إصلاح الانطلاقة المتعثرة وإعادة القاطرة إلى سكتها أو إلى إعادة النظر في الوثيقة التأسيسية برمتها للبحث عن نظام حكم جديد.وبما أن البداية تكون منطقيا بالخيار الأول، فإن تشخيص الواقع يؤكد غياب السعي لاستكمال هذا البناء في ظلّ غياب الكثير من المؤسسات التي نص عليها الدستور وحدد آجالا لإحداثها وفي هذا الخصوص لا بد من التنبيه إلى أن إشكاليات إحداث المحكمة الدستورية لا يجب أن تحجب ضرورة التفكير في مؤسسات أخرى لا تقل أهمية ففي باب السلطة القضائية، لا بد من الإسراع في تفعيل أحكام الفصل 116 من الدستور وتلافي الوضع غير الدستوري للقضاء الإداري بإرساء محكمة إدارية عليا ولا مركزية حقيقية كما لا بد من سن التشاريع الضرورية لإحداث التفقدية العامة وجعلها تعمل باستقلالية عن السلطة التنفيذية».

«آفة في تزايد»
من جهته تحدّث عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية عن وضع القضاء الإداري بعد خمس سنوات من ميلاد الدستور فقال «على مستوى القضاء الإداري وان خطونا خطوة نحو انتشار هذا الصنف بالجهات فإن الهيكلة القضائية المنصوص عليها بالدستور والقائمة على محاكم إدارية جهوية ومحاكم استئناف إدارية جهوية ومحكمة إدارية عليا لم تتحقق بعد،ثمّ انّه رغم التنصيص على وجوبية تنفيذ أحكام القضاء بالدستور إلا أنّه لم يقع السّعي إلى إصدار الإطار التشريعي الكفيل بضمان هذا الواجب الدستوري ولا تزال آفة عدم تنفيذ الأحكام قائمة حتى على مستوى هيئات عليا في الدولة.كما أن الانتظارات من وضع المجلس الأعلى للقضاء لم تكن بقدر موقع السلطة القضائية في الدستور لأسباب داخل المجلس أو على مستوى المحيط المؤسساتي للمجلس والذي لا يلقى المقبولية الذي تليق بوضع ومكانة القضاء في الدولة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115