«قافلة تسير» لكيلاني زقروبة: من احتفالية العرس ينبثق النقد ...

هم يعملون في صمت بعيدا عن ضوضاء المركز، يحاولون صناعة مشهد مسرحي يشبهم مشحون بهموم الوطن وهواجس المواطن، من الجنوب وقسوته الجغرافية

تعلموا التمسك بالحق في الابداع رغم قسوة الظروف التي يواجهها المسرحيون جراء ازمة الكورونا، في مدنين اجتمعوا على الحلم، جمعتهم الخشبة لينحتوا عوالمهم الخاصة المسكونة بالامل وسط هالة من الألم يعيشها الكثيرين.

اجتمعوا لينجزوا المسرح واختاروا طرقا تعبيرية مختلفة اهمها «الكوميديا دي لارتي» والخروج الى الشوارع ليكون لكل المواطنين الحق في الفرجة والمتعة خارج الجدران المغلقة كما يقول كيلاني زقروبة مخرج العمل الجديد «قافلة تسير» الذي ينتجه مركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين بمشاركة ثلة من الممثلين ابناء الجنوب وهم نادية تليش وعمار التليلي وعبد الباسط الشاوش وكيلاني زقروبة والاسعد جحيدر وحمزة ضو خلف الله ومروان الشاوش ومسعود رحال مع العازفين علي الطنفوري (زكرة) وعبد القدوس الحكيري (طبلة).

«قافلة تسير» نقد للمجتمع وهناته
«قافلة تسير» جديد المخرج كيلاني زقروبة فهو مشروع مسرحي يراهن للوصول إلى أكثر عدد ممكن من الجمهور العريض من الذين لم تطأ أقدامهم المسرح نتيجة التهميش او عدم ثقتهم في البنى الثقافية و قدرتها على إنتاج الوعي او عدم رؤية لأنفسهم وملشاغلهم في مرآة المسرح او عدم ولوج فكرة الذهاب الى المسرح بعد، مما جعلنا نتحمل مسؤولية الوصول إليهم فنحن لا يمكن ان نكون إلا  آلة دعاية للمسرح والثقافة عموما حسب مخرج العمل.

والمشروع عبارة عن احتفالية في الشارع من خلال شكل وموضوع العرض حيث يتنقل هذا العرض الاحتفالي في الشارع من مكان إلى أخر فيتتبع المتفرج العرض، وقد «استلهمنا فعل هذا التحرك من هودج حفلات الزفاف في منطقة الجنوب التونسي «الكسوة أو الجحفة» وما يرافقها من موسيقى شعبية و غناء ورقص و صولا الى بيت العروس او العريس و في كل مرة يتوقف هذا الهودج للوقوف على قضاياه الاجتماعية و السياسية والثقافية من خلال لوحات مسرحية تتطرق إلى المشاكل الحقيقية والتي يعاني منها الشباب اليوم و المقدم على الزواج حيث تتحطم أحلام الكثيرين و يعزفون عن الزواج نتيجة الاكراهات المادية والاجتماعية و كم من قصص حب تحولت الى قضايا عنف»كما يقول مخرج العمل.
«قافلة تسير» عمل مسرحي تتوفر فيه عناصر الفرجة والموسيقى الحية لنقد العديد من الظواهر الاجتماعية و السياسية، اشارات الى قوارب الهجرة السرية التي تحمل داخلها احلام الشباب في قوارب الموت التي أغرقت امالهم، ونقد لارتفاع ظاهرة الانتحار محاولة فنية للغوص في خبايا مشاهد استعراضية موحشة باتت موجودة في المجتمع التونسي نتيجة القهر والتناكف والتضاد بين الحب والواقع والبعض الآخر تقوقع على ذاته ونحت عالما افتراضيا و تداعى إلى الإدمان بجميع أنواعه، وحادثة مدينة القيروان الأخيرة من تسمم مجموعة من الشباب خلال تعاطيهم للسموم المغشوشة ليست إلا فصلا واحدا من فصول  هذه التراجيديا الحزينة التي يعيشها معظم الشباب المعطل عن العمل والذي يكتوي بنار أحلام شقية عجز عن تحقيقها على ارض الواقع، كل المشاهد المؤلمة والأصوات المكتومة ينتصر لها الكيلاني زقروبة وأصدقاؤه الفنانين في عملهم المسرحي الجديد المنحاز هو الاخر للإنسان ككل تجارب زقروبة.

خلف الاقنعة مشاكسة ونقد ووجع
«قافلة تسير» لبنة أخرى من لبنات الابداع المسرحي التي يخوضها الكيلاني زقروبة في مدنين، «قافلة تسير» عمل على الاحتفالية والعرس وتطويعه للمسرح والنقد، انطلاقا من الهودج والفرجة تكتب ملامح فعل مسرحي نقدي، ليكون تعرية للواقع ونقد له بأدوات المسرح واختار زقروبة ومجموعته المسرحية الاشتغال على تقنية اقنعة «الكوميديا دي لارتي» لما لتلك التقنية من خصائص في بلورة الافكار مسرحيا وما توفره من ليونة في تطويع الحكاية وما يجعل الجمهور يتمسك بمتابعة العرض ومحاولة استكشاف ماتخفيه الاقنعة الغريبة خلفها، كما تسهل الاقنعة للمثل النقد والارتجال والانتقال من النص المكتوب الى عملية ارتجالية حسب المكان فالأقنعة تترك له هامشا من الحرية تصعب احيانا على الركح.
«قافلة تسير» محاولة أخرى لجعل المسرح في كل مناطق الجمهورية، بحث متجدد عن مصالحة المتفرج مع الفن الرابع وكسر لفكرة المسرح فقط داخل القاعة، فرصة ليتعرف الجمهور من كل الاماكن والفئات على الفن المسرحي، هي محاولة بحثية أخرى يخوضها زرقروبة لتقديم مسرح مشاكس ونقدي لا يستكين للنواميس ولا القواعد لزعزعة الافكار المستكينة الخمولة و توجيه المتفرج الى اليات السؤال والنقد.

والعمل ليس وليد الصدفة هو تجربة نقدية اخرى بعد «كوميديا1 و2» الذي اعتمدت على تقنية الكوميديا دي لارتي وجاب الشوارع ونقد المجتمع التونسي و نقد السياسة والمسؤولين فالمسرح فعل نقدي او لا يكون والمسرحي المشاكس هو المنحاز للمواطن ولحقه في الحياة والثقافة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115