السويسي بمدرسة حي البحري 3 بصفاقس التي منعوها من التدريس واتهموها بالكفر والإلحاد ونصبّوا أنفسهم أوصياء على فكرها وانتمائها...
لم تهدأ الأجواء في مدرسة حي البحري 3 منذ يوم الجمعة الفرط الى غاية يوم أمس الاثنين حيث احتج عدد من أولياء التلاميذ رافضين التحاق المعلمة فائزة السويسي بالمدرسة، فيما تمسكت هي بحقها في العمل طالما لم تركب أي خطأ مهني تعاقب من أجله ...
تهم باطلة وافتراءات كاذبة
كانت للعودة المدرسية أجواء غريبة وغير معتادة في رحاب مدرسة حي البحري 3 بصفاقس حيث تحولت ساحتها إلى فضاء لإطلاق أحكام التكفير وكيل تهم الإلحاد... أما الضحية فكانت المعلمة فائزة السويسي التي روت الحادثة كما يلي: «على الساعة الواحدة من يوم الجمعة 15 سبتمبر 2017، توجهت إلى المدرسة أين اعمل ...تجاوزت تجمع الأولياء أمام الباب الرئيسي للمدرسة وعند دخولي لمحت في المجموعة ثلاثة أو أربعة رجال ملتحين، الأمر عادي إلى حدّ الآن. فإذا بي أكتشف أن الذين تجمعوا أمام المدرسة كانوا يبحثون عني وبمجرد التعرف علي تهجموا على مكتب المدير رافعين شعار «فائزة هنا القراية لا»... كانوا يصوبون نحوي سهام الاتهام الباطل وقذف بأشنع التهم فقد قالوا عني: «كافرة، ملحدة، تمزّق كتاب القرآن داخل القسم، تغلق النوافذ خلال أوقات الآذان ووقت صلاة الجمعة..».
وردا على هذه التهم ، نددت فائزة السويسي بشدة بنسبة أفعال وأقوال إليها دون وجه حق مؤكدة أنها كانت « تدرس خلال الحصص الصباحية فقط بما في ذلك يوم الجمعة وهو ما يعني زيف تلك الاداعاءت».
وتساءلت في إنكار: «إن كانت كل هذه الافتراءات المغرضة صحيحة، فأين كان هؤلاء الظلاميين الذين يريدون فرض أفكارهم على المجتمع خلال العام الماضي ولماذا لم يحتجوا إلا الآن مع بداية السنة الدراسة الجديدة؟».
وشـددت المربيـة فائـــزة السويسي على رغبتها وإصرارها في إكمال السنتين اللتين تفصلانها عن الخروج إلى التقاعد خصوصا وهي تتمتع بالأقدمية وبالأعداد البيداغوجية المتميزة...».
استنكار لموقف مندوب التربية والوزارة تفتح تحقيقا
وأمام ما حصل من مهازل يندى لها الجبين في مدرسة حي الحبيب 3 بصفاقس، قررت وزارة التربية فتح تحقيق بالمدرسة الابتدائية حي البحري 3 بصفاقس للوقوف على حقيقة الأمر قصد تحديد المسؤوليات وتجنب وقوع مثل هذه التصرفات مستقبلا.
وأكدت الوزارة في بيان أصدرته يوم الأحد 17 سبتمبر 2017، أن مسألة احترام المربين وتقدير جهودهم تعتبر من الثوابت والمبادئ الأساسية المجسمة للسياسة التربوية في تونس.
كما قالت الوزارة في ذات البيان أنها ترفض كل أشكال العنف اللفظي والمعنوي والمادي الذي قد يطال المربين، نافية إمكانية اعتماده أساسا.
ودعت الوزارة الأولياء إلى تأمين أدوارهم و الالتزام بالتعاون في إطار الاحترام المتبادل مع كافة أعضاء الأسرة التربوية على نحو يساهم في بناء مناخ تربوي سليم يساعد على إنجاح العملية التربوية.
وعلى المستوى الجهوي ،أثار موقف المندوب الجهوي للتربية صفاقس 1 محمد بن جماعة موجة من التنديد والاستنكار وهو الذي خيّر المعلمة فائزة السويسي بين طلب النقلة أو الاحالة على مجلس التأديب !
وكان محمد بن جماعة قد أدلى بتصريح إذاعي قال فيه إن المندوبية بصدد التحقيق في الموضوع وفي ما تم تداوله من أن للمعلمة «ممارسات شيطانية» مستبعدا هذا الأمر موضحا أن لها أقدمية تزيد عن 33 سنة في المهنة و10 سنوات بالمدرسة.
ونفى المندوب أن يكون الأشخاص الذين منعوا المعلمة من أداء عملها من الملتحين كما وقع تداوله في بعض المواقع مؤكدا أنهم من أولياء التلاميذ الذين ساءت علاقتهم بالمعلمة منذ السنة الماضية.وأكد أنه لا ينبغي «تسييس» الموضوع وإن المهم في المسألة هو حرمة المعلمة والمدرسة قبل كل شيء.
«السكوت ... هو نهاية المدرسة التونسية»
«لنحمي مؤسساتنا التربوية من الخطر التكفيري» هكذا عنونت النقابة العامة للتعليم الثانوي أمس الاثنين بيانها المدين لحادثة الاعتداء على المعلمة فائزة السويسي معتبرة إياها:»غزوة إرهابية تكفيرية». وطالبت النقابة وزارة التربية بتفقيل ما تم الاتفاق حوله سابقا في ما يتعلق بقانون تجريم الاعتداء على المؤسسة التربوية والعاملين بها..كما شجبت بـ«موقف المندوب الجهوي للتربية بصفاقس 1 وما كشف عنه من عدم أهلية لتحمل المسؤولية المنوطة بعهدته» مطالبة وزارة التربية باتخاذ الإجراءات الإدارية الضرورية في حقه. كما دعت النقابة كل القوى الوطنية التقدمية ومختلف منظمات المجتمع المدني إلى التنديد بهذه الحادثة وإلى حماية الناشئة من كل الأفكار والممارسات القروسطية التكفيرية والنأي بالمؤسسات التربوية عن كل التجاذبات الإيديولوجية والسياسية المقيتة.
كما علّق الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أمس على حادثة تكفير المعلمة بمدرسة عقبة ابن نافع بحي البحري من ولاية صفاقس فائزة السويسي، كما يلي: «سياسة التكفيريين والمندوب في مدرسة حي البحري... هي اختبار القوى... والسكوت على قضية فائزة السويسي هو نهاية المدرسة التونسية».
حملات تضامن وبيانات مساندة
إن كان المنهج البيداغوجي والبرنامج التعليمي هو أساس تقييم المعلم دون إقحام الأنف في عقيدته وإيديولوجيته وفكره... فقد لقيت حادثة الاعتداء على المعلمة فائزة السويسي تنديدا واسعا ومساندة كبيرة من قبل مختلف أطياف المجتمع المدني وبعض الشخصيات والأحزاب السياسية على غرار الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وحزب المسار وحزب آفاق وحركة مشروع تونس ...
كما أدت يوم الأحد 17 سبتمبر 2017، مجموعة من مكونات المجتمع المدني زيارة تضامنية للمعلمة فايزة السويسي وعبرت هذه المجموعة عن تضامنها الكامل ومساندتها للمعلمة، وشددت على استنكارها لكافة أشكال إهانة المربي والإعتداء على المؤسسة التربوية.
ما حدث في صفاقس يدق جرس الإنذار لحماية المؤسسة التربوية عموما والمدرسة خصوصا باعتبارها الحلقة الأساسية في بناء شخصية الفرد وتكوين المواطن بعيدا عن كل محاولات الوصاية وتحويل وجهتها إلى خدمة إيديولوجيا معينة... فتحييد المدرسة عن كل التجاذبات هي مسؤولية تجاه التلميذ وواجب تجاه الوطن.