حكومة «الوحدة» و الأولويات الإقتصادية في المجال الفلاحي: الوصايا العشر

تونس دولة فلاحية بامتيازمنذ زمن بعيد و نشاطاتها الفلاحية متنوعة ابتداء من الحبوب فزيت الزيتون ثم التمور والأشجار المثمرة ووصولا إلى تربية الماشية بكل أنواعها. لكن منذ الإستقلال لم تعرف الحكومات المتعاقبة أي استراتيجية فلاحية تستحق الذكر و انما عرفت «تجارب»

فلاحية متعاقبة مع تعاقب الوزارات لا غير. و كان الأمل بعد الثورة أن تتحقق البعض من أحلام هذا الشعب على الأقل في المجال الذي يهمنا هنا و هو الفلاحة لكن خيبات الأمل تتالت و عوض أن ينتعش المجال الفلاحي تدهورت أغلب قطاعاته و شارفت على الاندثار. و ها نحن هذه الأيام في انتظار تكوين حكومة جديدة و لكي لا نفقد الأمل نحاول من خلال هذه المقاربة الادلاء بدلونا علنا نظفر ببعض الحلول في المستقبل القريب.
فتونس تمسح 5 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة منها 500 ألف هكتار أراض دولية من أخصب الأراضي في البلاد. 560 ألف فلاح و حوالي 2 مليون فرد يشتغلون في المجال الفلاحي بين فلاحين و عملة. و تساهم الفلاحة ب 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام بينما لا تتجاوز القروض الفلاحية 1000 مليون دينار(أصل دين وفوائض).

و السؤال المطروح في هذه المقاربة هو هل أن الفلاحة تمثل أولوية في التوجهات الإقتصادية في تونس بعد الثورة أم لا؟ و هل أن الفلاحة يمكن أن تكون قاطرة إقتصادية للبلاد بعد عدم نجاعة عديد التجارب الاقتصادية الأخرى ان لم نقل فشلها ؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة حاولنا أن نقدم مجموعة من الاقتراحات للحكومة الجديدة نعتبرها أولويات مصيرية لبلادنا في المجال الفلاحي و الاقتصادي عموما و نعتقد أن هذه الأولويات يمكن أن تجنبنا الأسوأ من جهة و يمكن أن تساهم في النهوض باقتصادنا بشكل مرضي. و يمكن أن نصنف هذه الأولويات إلى صنفين : الأولويات الهيكلية و الأولويات الظرفية التى تفرضها المرحلة أو الظروف الخاصة.

• الأولويات الهيكلية: I:

1 - حماية المنتوجات الفلاحية المحلية و منع توريد عديد المنتوجات الأخرى التى تنافسنا دون أن نكون في حاجة لها بل هي مصدر لضرب المصالح الوطنية وتهميش بعض القطاعات على غرار الأشجار المثمرة ونذكر في هذا المجال منتوجات مثل الموز، التفاح، الأناناس ...وحسب تقديرات الخبراء وحسب مصالح وزارة المالية تقدر واردات هذه المنتوجات بحوالي 400 مليون دينار مما يثقل أكثر فأكثر ميزاننا التجاري ويساهم في ضرب العملة الوطنية.

2 - التنمية الريفية لابد من التركيز على التنمية الريفية في رسم الإستراتيجيات الفلاحية المستقبلية ففي التركيز على التنمية الريفية تركيز على التنمية عموما من خلال إعطاء الفرصة لسكان الأرياف لإستغلال كل الإمكانيات الطبيعية والبشرية المتوفرة على المستوى المحلي و تحويلها إلى فرص عمل و إلى إمكانيات لخلق الثروة.
إن في المراهنة على منظومة تنمية ريفية متماسكة هي مراهنة على نمو اقتصادي متوازن و عادل في هذه الجهات بالمقارنة مع الجهات الساحلية. و نعتقد أن هذا التمشي يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي المنشود من خلال تشغيل أبناء هذه المناطق المحرومة بما يكفل العيش الكريم في وسطهم الطبيعي و الذي يزخر بثروات طبيعية (مثل الجبال و الأراضي الشاسعة) مشجعة على تعاطي عديد الأنشطة الفلاحية. فاستقرار العائلات في مناطق عيشها شكل من أشكال المحافظة على النسيج الاجتماعي و لابد من التذكير أن دور المرأة الريفية سواء الفلاحة أو العاملة دور مركزي في تربية أطفالها وحمايتهم من كل الانحرافات الممكنة.

3 - اعتبار المنتج الفلاحي صاحب مؤسسة و اعتبار مبدأ الربحية حق يجب ضمانه و الدفاع عنه بالأساس من طرف الدولة و من طرف المنظمات الفلاحية المنخرطة في المجال الفلاحي لكي تصح معادلة : تكلفة – بيع = ربحية معادلة ذات معنى و نضمن بذلك استدامة المنظومات الفلاحية. و لنأخد مثلا على ذلك ضرورة مراجعة الأسعار الأساسية للحبوب بشكل دوري.

4 - التشجيع على البحث العلمي و التكوين المهني و من ذلك التشجيع على تثمين و إعادة انتاج بذورنا المحلية و كذلك سلالات تربية الماشية التى هي في طريق الإنقراض. فالبحث العلمي هو من الركائز الأساسية لتقدم الشعوب وهو محرار هام لمعرفة مدى نجاعة القطاعات و النقائص التى تعرفها و من ثمة العمل على تجاوزها و اعداد تصورات مستقبلية لمختلف القطاعات و المنظومات بالإعتماد على مواردنا الطبيعية و على حاجيلتنا الغذائية. و لابد من التأكيد على أن المجهود الذي سيبذل في مجال البحث العلمي له اتصال و ثيق بمجال التكوين المهني الفلاحي الذي نحن في حاجة ماسة لتطويره بحسب حاجيات سوق الشغل. هذه السوق التى تفتقر إلى اليد العاملة الفلاحية وخاصة منها المختصة. كما يجب التذكير أن التكوين المهني في كل الإختصاصات هو مصدرو ركيزة اساسية للتشغيل لذلك لابد من المراهنة عليه و توفير كل اليات نجاحه و نجاعته.

5 - التمويل، الاستثمارو المنظومة البنكية في المجال الفلاحي لابد من الإقرار أنه لا توجد منظومة بنكية في تونس مختصة في تمويل المشاريع الفلاحية و في المساهمة في تشجيع الشباب و المستثمر الفلاحي عموما على الإقدام على بعث المشاريع. بل يعتبر التمويل البنكي معقدا و غيرجذاب وهنا تكمن مسؤولية الدولة في التعاطي مع القطاع الفلاحي التي لا تعتبره استراتيجيا لذلك لا تعيره ما يستحق من اهتمام و استثمار. و نقترح في هذا المجال احداث هيكل بنكي مختص في تمويل المشاريع الفلاحية بفوائض جد مشجعة لا تتعدى 5 في المائة حتى نضمن كل وسائل نجاح المشاريع، تسهيل الإجراءات الإدارية و اعتماد منظومة الشباك الموحد عند بعث كل مشروع فلاحي.
فيما يخص المستثمر الفلاحي لابد من تعريفة نهائية وواضحة كبقية المهن و بذلك نحدد في مرحلة ثانية من يمكنه أن يتمتع بمختلف الإمتيازات المالية و الإمتيازات الجبائية للباعث الفلاحي. و لابد من التذكير أنه لابد من مراجعة منظومة الإمتيازات الجبائية التى شكلت في السنوات الأخيرة فرصة للملاذات الضريبية للبعض إن لم نقل امكانية لتبييض الأموال بصفة «قانونية».
أما بالنسبة لمديونية الفلاحين التى بلغت 1 مليار دينار كأصل دين و فوائض فنقترح فسخها نهائيا (و محاسبة كل من تورط في فساد تصرف) ووضع اليات جديدة للقروض الفلاحية تتماشى وواقعنا الجديد وواقع الاستثمار ثم بعث هيكل جديد للمراقبة حتى نضمن شفافية المعاملات المالية وحسن استعمال و استغلال المال العام و الخاص.

• الأولويات الظرفية: II

6 - تسوية عقارية ناجعة تؤدي حتما إلى مزيد الاستثمار و مزيد الثقة في مؤسسات الدولة و في منظومة الاستثمار الفلاحي بصفة عامة. كما لا يفوتنا أن نشيرإلى أن عمليات التسوية العقارية في حد ذاتها هي مصدرلإيرادات مالية لخزينة الدولة يمكن ضخها في الاستثمار الفلاحي و بذلك نخلق ديناميكية جديدة و نساهم في تنمية فلاحية مستدامة.

7 - تنقيح مجلة الاستثمارات بصفة فاعلة تتماشى مع واقع الاستثمار الجديد و متطلبات المرحلة و من ذلك اعتبار التقنيات الجديدة في مجال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية و الطاقة الضوئية تستحق دعما أكبر وتحفيزا أهم حتى نضمن لفلاحينا الانفتاح على التقنيات الجديدة، نساهم في استدامة القطاع من خلال بيئة و محيط سليمين و نكون في تناغم مع التغيرات المناخية و التحولات العالمية. و لعل خير مثال نعتمد عليه في هذه المقاربة هو النقص الفادح التى تعيشه بلادنا في مواردها المائية و كنا جد متأكدين من أن الأنظار ستتجه حتما إلى اعتماد الطاقة الضوئية لتحلية مياه البحر وسيكون هو الحل مثلما فعلته دول أخرى كالمغرب لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟ أو «تصاغ الحلول بما لا يتماشى مع المصلحة الوطنية»

8 - الأراضي الدولية و الشباب العاطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا في المجال الفلاحي لدخول القطاع من خلال تشجيعات هامة و حقيقية ومنها تسهيل الإجراءات الإدارية، فسح المجال له للحصول على الاراضي الدولية وذلك باعتماد شكل جديد في الاستغلال (شركات تعاونية يكون فيها للخبرات المتقاعدة كلمة). تشجيع المستثمر الشاب على اعتماد منظومة الإئتمان الفلاحي (غير المتوفرة الان) فلابد من بعث هيكل مشترك (عام خاص) تكون فيه الدولة طرفا حتى تبعث رسائل طمأنة للمستثمرين الفلاحيين لكي ينخرطوا في منظومة التأمين و نؤسس لثقافة جديدة تقوم على مبدأ المغامرة من جهة في بعث المشاريع الفلاحية و كذلك مبدأ الحد الأدنى من الضمانات التى يوفرها التأمين عند حصول كوارث...

9 - مجالات تصدير المنتوجات الفلاحية لابد من إعادة النظر في طريقة التعامل مع السياسة التصديرية لبلادنا بشكل يتماشى مع اليات التسويق العصرية في العالم وفسح المجال للقدرات التونسية من الشباب بتشريكهم في كل ما له صلة بالتصدير. فعلى سبيل المثال نأخذ قطاع زيت الزيتون الذي يمثل أول منتوج يدر العملة الصعبة للبلاد لذلك لابد من تغيير طريقة التعامل مع صندوق التشجيع على صادرات زيت الزيتون المعلب لكي يصبح تحت إشراف لجنة متكونة من وزارات الفلاحة، الصناعة، التجارة و من أرباب المهنة عوض أن يكون تحت تصرف وزارة الصناعة فقط.

10 - إعادة النظر في منظومة الدعم عموما وخاصة بالنسبة لتوزيع الأعلاف المدعمة من شعير علفي ومن نخالة حتى نضمن توزيعا عادلا لهذه المواد لكي تصل إلى متسحقيها و بذلك ندعم بحق قطاع تربية الماشية و يكون هذا من خلال مراقبة مستمرة و ناجعة لعملية التوزيع وتحييد المنظمات الفلاحية لكي يقتصر دورها على المراقبة و تسجيل المخالفات. و ليعلم الجميع أن الأعلاف المدعمة تكلف المجموعة الوطنية 140 مليون دينار في السنة.
كل هذه الإجراءات التى عددناها من خلال هذه «الوصايا» تعبر عن انتظارات الفلاحين و عن بالغ انشغالهم من عدم اكتراث الحكومات المتعاقبة بهذا القطاع الحيوي والذي يعتبره العديد من الاقتصاديين في الداخل و الخارج محركا لكل برنامج تنموي اقتصادي بل يعتبرونه الحجر الأساسي لكل برنامج يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية و السلم الاجتماعي. فالاكتفاء الغذائي و تحقيق الاكتفاء بالنسبة للموارد المائية في المستقبل القريب سيكونان من أهم «المعارك» من أجل تحقيق السيادة الغذائية و السيادة الوطنية.

بقلم: فوزي الزياني
عضو مكتب تنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين مكلف بالهياكل

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115