ما أنجز وما ينتظر انجازه في مسار «حكومة الوحدة الوطنية»: مفتاح النجاح في التوسيع النوعي للفريق الحكومي

في منبر سابق نشر بجريدة المغرب بتاريخ 29 جوان 2016 تحت عنوان «اليسار وضرورة المساهمة في انجاح مسار حكومة الوحدة الوطنية»، كنا أنهينا مقالنا بالتأكيد على «أن المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا ومسارها الثوري تقتضي من الجميع مهما كانت المواقع والمرجعيات

والقراءات الحرص على تقديم الأهم على المهم والحفاظ على مكتسبات بلادنا والسعي الى التوجه الجدي والثابت نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والذود عن الوطن من الأخطار المحدقة به والسير به نحو مستقبل أفضل».
واليوم وبعد مرور حوالي الشهرين على المبادرة التي أأعلنها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من خلال الحديث التلفزي بتاريخ 02 جوان الماضي والتي أطلق عليها لاحقا اسم «مبادرة حكومة الوحدة الوطنية» لا بد من تسجيل ما تحقق من هذا المسار المعقد من إنجازات وتسجيل العثرات التي لا يخلو منها أي مجهود وتلمس ما ينتظر الجميع من مجهودات إضافية لدعم ما تحقق وتحصينه من كل تراجع وتدارك الأمور فيما بقي من هذه العملية باعتبار مكوناتها الثلاثة أجزاء متداخلة وان جاءت ضمن تسلسل زمني متدرج . قام مسار المبادرة الرئاسية على محطات ثلاث مترابطة ومتشابكة انطلقت بمرحلة المضامين التي تم تتويجها بإمضاء ميثاق قرطاج ثم كانت المحطة الثانية عبر تعيين ربان الفريق الحكومي وأخيرا الشروع في تشكيل فريق متجانس من الكفاءات وان تعددت روافده فان هدفه واحد هو حسن تطبيق الأولويات الوطنية التي تضمنتها وثيقة قرطاج الحاملة للمشروع الحكومي الجديد.

ميثاق قرطاج وسبل تحصينه وإثرائه
لقد حرص المشاركون في المبادرة على تجميع كل القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية وألا يتم اقصاء أي مجموعة سياسية تقبل بواقع الاختلاف وضرورة التشارك في انقاذ الوطن بقطع النظر عن الاختلافات المرجعية والرؤى قد تنفرد بها في هذا الجانب أو ذاك وقدمت ما يجمع بينها على ما يفرقها. قامت المبادرة على قناعة بأن المحامل الانتخابية على أهميتها لا بد أن يتم اسنادها بروافد اجتماعية وسياسية أخرى امتدت حتى الى القوى غير الممثلة مرحليا في مجلس نواب الشعب. كان الحرص شديدا على تعبئة كل القوى والارادات التي جعلت في سلم أولوياتها انقاذ الوطن من الأخطار المحدقة به داخليا وخارجيا. لقد توضح للمشاركين في اعداد الوثيقة المرجعية للمبادرة أن السياسات التي تم اعتمادها وبقطع النظر عن النوايا والتقصير ورغم بعض النجاحات لم تتمكن من تحقيق أهداف الثورة وتلبية الانتظارات المشروعة خاصة في مجال التشغيل والتنمية المتوازنة. بل ان البعض عمد الى الاستفادة من ضعف الدولة واستغلال الارباك المرافق للفترات الانتقالية فراح يعمل على تخريب منظم طال الإدارة والنظافة والبناء وتوسيع رقعة الفساد المالي والاداري واستشراء

ظاهرة التهريب والافلات من القيام من الواجب الجبائي والتواطؤ على الوطن بترابه وأهاليه وضيوفه عبر توجيه ضربات إرهابية غادرة يتم اعدادها والتخطيط لها في أراضي اجنبية . لقد توفقت الوثيقة الى تثبيت مجوعة من الأولويات الوطنية ولم يكن هدفها تقديم برنامج مفصل ولا التلويح بأهداف براقة وبشعارات ملهبة للعواطف ورغم ما يمكن أن يتفنن فيه البعض من «التفطن» لبعض النواقص فان المهم أنها تشكل مرجعية أساسية سيرتكز عليها العمل الحكومي في الفترة القادمة وهي مضامين تم التوصل اليها والتوافق عليها والامضاء عليها تحت رقابة الشعب التونسي من قبل تسعة أحزاب سياسية وثلاثة منظمات اجتماعية كتتويج أولي لمسار تم تحت اشراف رئيس الجمهورية باعتباره الضامن لحرمة الوطن ووحدته. لكن ومع أهمية الحدث وما عبر عنه من امكانيه توحد التونسيين حول مجموعة من الأهداف المرحلية فانه من الواجب التفكير في تحصين هذا الإنجاز وحمايته من كل انتكاسة أو تناسي وذلك عبر مجلس ميثاق قرطاج يتم دعوته للاجتماع ببادرة من رئيس الجمهورية أو من الممضين كلما دعت الضرورات الوطنية لذلك لا لتعويض المؤسسات الدستورية القائمة بل لإيجاد حزام إضافي من الدعم السياسي والاجتماعي لعملها لتأمين تركيز أسس الجمهورية الثانية .

مسألة ربان السفينة وكيفية التدارك الرصين
تكليف السيد يوسف الشاهد رافق الإعلان الرسمي عن تكليف السيد يوسف الشاهد بمهمة تشكيل الفريق الحكومي الجديد. ولا بد هنا من التفريق الواضح بين نوعين من ردود الفعل. هناك الردود الرافضة منذ البداية للمبادرة الرئاسية والتي عادت من جديد لاعلان رفضها لرئيس الحكومة المكلف حتى قبل الالتقاء به. ومعلوم أن مثل هذه المواقف العدمية أصبحت مألوفة من الرأي العام حيث اتخذ أصحابها منذ مدة من رفع الشعارات الصفوية على مبدئيتها مسلكا وحيدا للحضور على الساحة السياسية على نفسها اعلان الرفض المطلق و التبشير بالفشل قبل البداية والحكم على النوايا فبل أي شروع في الإنجاز. أما النوع الثاني من المواقف فقد تم التصريح بها من صلب المبادرة ومن أطراف انخرطوا فيها باقتناع ومسؤولية مقدمين مصلحة الوطن عن أي اعتبار آخر. ورغم بعض الردود التي وصلت حدا من التشنج بدت وكأنها اعلان عن انسحاب من المشاركة فلا بد من تأويلها باعتبارها غيرة على المبادرة بأجزائها وخوفا على ما تم إنجازه من خطوات هامه في اتجاه تعبئة أوسع القوى. فلا بد هنا من التذكير أن الاجماع حصل بين الأحزاب المشاركة في المضامين ورغم

أن الأمر استغرق الأيام والساعات من النقاشات والتعديلات لكن التقاء الارادات والقناعات مكن من التوصل الى وثيقة حرص المشاركون على اعتبارها منذ البداية أهم من الأشخاص. صحيح أنه لم يتم التوصل -عند تكليف ربان الفريق الحكومي- الى اجماع مماثل لذلك الذي تم إنجازه في المرحلة الأولى لكن لا من التأكيد على التزام رئيس الجمهورية على مسلك التشاور والتفاعل وحرصه على توفير الفرصة للمخالفين للمقترح الرئاسي لتقديم مقترحاتهم في مستوى الأسماء . ولا بد من الإشارة الى تضمن النص الرسمي لتكليف السيد يوسف الشاهد الى عبارة ان العملية تمت بعد التشاور وهي إشارة رمزية الى أن هذا الأخير مطالب بتأمين أوفر الحظوظ للنجاح في تكوين الفريق الحكومي بدعم دستوري ودعم سياسي ومجتمعي وأصبح بذلك مدعوا الى تلافي بعض النقائص الجزئية - والتي لم تكن تعني شخصه- التي عبر عنها جزء من المشاركين في المبادرة في الحوارات الداخلية أو عبر بعض وسائل الاعلام.

مفتاح النجاح يكمن في التوسيع النوعي للفريق الحكومي
من المؤشرات الإيجابية التي رافقت تكليف السيد يوسف الشاهد اعتبار هذا الأخير أن المهمة التي كلف بها نابعة عن عملية جماعية ولم يميز بين مواقف أصحاب الآراء التي رافقت اجتماعات التشاور حول الاسم. بل نراه حرص على ان تكون بداية لقاءاته مع ممثلي الأحزاب التي أبدت آراء مخالفة وفي ذلك دلالة رمزية أن الرجل يريد أن يكون على نفس المسافة من كل المشاركين في المبادرة الرئاسية على تنوع وجهات نظرهم وعلى استعداده لأخذ بعين الاعتبار مقترحاتهم والاستئناس بآرائهم وملاحظاتهم. ومهما يكن من أمر وبالرغم من اعلان بعض ممثلي الأحزاب ما بدا وكانه انسحاب من العملية برمتها فلا بد من التذكير أن الانخراط كان في مبادرة سياسية متعددة المراحل لكنها متشابكة ومترابطة . ونعتقد أنه من المهم أن تبقى جسور التشاور قائمة وتنزيل الاختلاف الذي حصل حول التكليف ليأخذ مكانه النسبي في مجمل المبادرة التاريخية التي تفاعلت فيها الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية معها متجاوبة من الرغبة الرئاسية في إيجاد دفع جديد للعملية السياسية بعد الاقتناع بخطورة الوضع التي تمر به بلادنا . ونحن على ثقة أن الأحزاب التي

تبدو وكأنها انحسبت - لن تتأخر في التجاوب مع مجهود إضافي لا نخال أن كلآ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف سيتخلف عن القيام به من أجل رأب الصدع الحاصل مؤقتا بين مكونات مبادرة حكومة الوطنية. ان هذا المجهود الإضافي الذي دعت اليه أيضا العديد من الشخصيات الحزبية والوطنية ستكون تونس المستفيدة الأولى منه وسيسجل الشعب التونسي لهؤلاء على اختلاف مواقعهم ومسؤولياتهم عدم ترددهم في القيام بكل ما شأنه أن يضمن نجاح انتقالها الى مصاف الدول العصرية والديمقراطية.

بقلم : الحبيب القزدغلي
عميد كلية الآداب بمنوبة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115