عشر توصيات عاجلة لإيجاد مخرج من الأزمة الاقتصادية والمالية ...

خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ينطوي على عبر ودروس على الطبقة السياسية في البلد ان تتدبرها بامعان وان تتخذها درسا و عبرة. فحينما تشتد الازمة الاقتصادية ويستعصي الخروج منها, و يعجز الساسة عن التصدي للامراض الحقيقية التي تلم بالمجتمع, فان المجتمع

لا يجد في نهاية المطاف من رد الفعل لدفع العلة و الذهاب في ذلك بعيدا. وهو ما ينبغي ان يدفع بقوة الى البحث عن مخرج لهذه الازمة الاقتصادية التي تشتد أكثر فأكثر أسبوعا بعد اخر. و على الحكومة القادمة مهما كان شكلها أن تبادر الى البحث عن أصل الداء دون الاكتفاء بمعالجة الحمى التي لا تعدو أن تكون الا علامة من علامات المرض. عليها أن تضع تونس في قلب مثلث أضلاعه الحرية و الانفتاح و الطموح. عليها أن تستفيد من الأعوام الثلاثة القادمة كي تضع الاجراءات العشرة التالية موضع التنفيذ... ‬
• ‬أولا :
وضع ميزانية تنفذ على مدى ثلاث سنوات على أساس اعتماد العرض كمحرك لدفع الاقتصاد
هنالك ضرورة ملحة للتعجيل بوضع قانون مالية يمتد مفعوله على ثلاثة أعوام (مدة متوقعة لحكومة وحدة وطنية قد تتشكل وقد لا تتشكل، أو لتمديد حكومة الحبيب الصيد التي قد تبقى مع بعض التعديلات من حيث شكل الحقائب الوزارية وتوزيعها، وقد لا تبقى) يكون سبيلا إلى تطهير مالية الدولة وتمويل التنمية؛ على أن تبقى نفقات الاستثمار والنفقات ذات الصلة بحلول آجال تسديد الدين العام على خط تصاعدي. أما دون ذلك من النفقات فيقع تجميدها والإبقاء على مستواها في سنة 2016. ولكي يكون هذا التمشي ذا مصداقية وقابلا تماما للتطبيق، ينبغي التنصيص في هذا القانون على إقرار زيادة في الأداء على القيمة المضافة بنسبة 1 بالمائة سنويا على امتداد السنوات الثلاث القادمة وذلك بالنسبة إلى كل مواد الاستهلاك بلا استثناء، إلى جانب إقرار أداء على القيمة المضافة ب 27 بالمائة بالنسبة إلى مواد الاستهلاك المستوردة. أما بالنسبة إلى النفقات فينبغي الحد من عدد الوزارات والمبادرة إلى ترشيد المؤسسات الوزارية العامة التي لها صلاحيات متماثلة. ومن اليسير وضع قائمة في ’’ المؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية ’’ المتشابهة من حيث الصلاحيات، على أن تسند المنح السنوية المخولة لهذه المؤسسات في نطاق ميزانية الدولة بالكامل لفائدة الجامعات ومؤسسات البحث.
• ثانيا:
تعديل أسعار المواد المدعمة في اتجاه الارتفاع وبشكل تدرجي
إقرار تعديل في اتجاه الإرتفاع مرة كل ستة أشهر في أسعار المواد الأساسية المدعمة وذلك سعيا وراء الوصول في نهاية فترة الثلاث سنوات إلى نوع من حقيقة الأسعار من جهة، والعودة إلى الأصل أي إلى اعتبار الهدف الحقيقي لإنشاء الصندوق العام للتعويض المتمثل في التعويض لأجل تقليص الفوارق المشطة في أسعار مواد الاستهلاك الأكثر رواجا ولا بذل تعويضات. ومثل هذا الإجراء سوف يخفف العبء المحمول على ميزانية الدولة والمتمثل في النفقات بعنوان التعويض. وتوجه الأموال التي ستتوفر بفضل هذا الإجراء إلى تمويل صندوق تمونه وتديره المجالس البلدية وذلك لأجل مد يد المساعدة بصفة حصرية للفئات الضعيفة وللأسر التي تعيش تحت عتبة الفقر؛ على أن يكون الهدف من وراء ذلك الاهتداء في نهاية المطاف الى حقيقة ما على مستوى الأسعار لأجل الحد من الفوارق.
• ثالثا :
تجميد الأجور ومكافآت المهن الحرة
السعي إلى أخذ العبرة من ’’ خفض قيمة ’’ الدينار. لقد تم اللجوء إلى خفض قيمة الدينار لأنه لا وجود في العالم لبلد يمكن أن يعتمد بالكامل وباستمرارعلى غيره في إتيان رزقه وتأمين أسباب عيشه. ولا يمكن لتونس أن تستمر في وضع تبقى فيه مبيعاتها إلى باقي الدول دون شراءاتها منها . فهذا العجز التجاري المتراكم سوف لن يفضي في النهاية إلا إلى تورم الدين وخفض قيمة العملة الوطنية. وهذا ينطبق على الأجور؛ فأي بلد يمكن أن يعيش ويبقى في ظل انحدار على مستوى إنتاجية العمل وارتفاع على مستوى الأجور؟ ومثل هذا السلوك الأخرق لا يفضي في النهاية إلا الى ما لا تحمد عقباه. وبما أن اللجوء إلى تعميم خفض الأجور( ومعها المكافآت في المهن الحرة ) قد يبدو أمرا غير مستساغ من زاوية نظر سياسية، فما نقترحه في هذا الباب هو تجميد الأجور خلال السنوات القادمة. والمطلوب هو الاعتماد على خفض التأجير وهو إجراء لا مندوحة عنه على الإطلاق، واتخاذه منطلقا لتطوير الانتاجية ولاسترجاع قدرة البلد على جلب الاستثمار
• رابعا:
تأطير حق الإضراب لإنقاذ الديمقراطية
الاستئناس بالتجارب الحاصلة في الدول الديمقراطية لأجل تأطير حق الإضراب وضبطه. مثل هذا التأطير لا يتعارض على الإطلاق لا مع روح دستور 2014، ولا مع منطوقه.
ففي ألمانيا على سبيل المثال، لا يكون الإضراب شرعيا إلا في حال انطباقه على ظروف العمل كما تحددها اتفاقيات المؤسسة أو القطاع المهني, أي أن أي إضراب ذي طبيعة ’’ سياسية ’’ ضد قوانين تناقش في رحاب البرلمان أو تقدمها الحكومة وكل إضراب ’’ تضامني ’’ يعتبر فاقد الشرعية ويمكن أن يوجب تسليط عقوبة الطرد. وكذلك الشأن في أسبانيا وفي بريطانيا العظمى حيث تحجر الإضرابات ذات الصبغة السياسية. وتعتبر فرنسا التي تتخذها نقاباتنا التونسية نموذجا البلد الوحيد الذي يمكن فيه لأي نقابة أن تقرر الإضراب وشل البلد بالكامل.
لنعد إلى ألمانيا لنشير إلى أن أي إضراب لا يمكن أن يحصل في هذا البلد إلا في نطاق وبمناسبة إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات المؤسسة أو الفرع المهني بين المنظمات النقابية ومنظمات الأعراف وبعد انتهاء جولة أولى من المفاوضات لم تفض إلى اتفاق. يضاف إلى ذلك أن حق الإضراب في ألمانيا غير معترف به للموظفين.
وبالإمكان أن نسوق أمثلة أخرى في نفس الصدد وكلها ترتكز على فلسفة مفادها أن الديمقراطية لا تمارس في الشارع، إنما تمارس باسم الشعب بواسطة ممثليه الذين انتخبهم. وما البحث عن الوفاق إلا ستار يخفي ممارسات مناهضة للديمقراطية. وقد حان الوقت لكي ندرك ان حق الإضراب حينما يمارس على مستوى المصالح العامة من طرف أعوان يتمتعون بضمان العمل مدى الحياة وبالتقدم في سلم الوظيف بصورة آلية يصبح معرة في نظر تلك الأعداد الهائلة من البطالين وكل الذين يشتغلون يوما ويبطلون أياما وأعدادهم في تزايد.
• خامسا:
تعليق كل الإنتدابات في الوظيفة العمومية وعدم تعويض الموظفين المحالين على التقاعد
تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية دون تعويض الموظفين الذين سيحالون على المعاش طيلة السنوات الثلاث القادمة. ولا يمكن لتونس أن تستمر في إسناد قطاع الوظيفة العمومية يمتص تمويله اكثر من 78 ٪ من الموارد الجبائية وقرابة ثلثي 65،٪ من نفقات التسيير خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2016. ويتوقع أن تتجاوز كتلة الأجور التي تدفع لموظفي الدولة مقدار 14 مليار دينار في سنة 2016. ولوضع حد لهذا الانفلات المريع الذي كان أعجز من أن يسهم في تحسين جودة الخدمات الادارية لا بد من وضع حد لهذا التورم الذي أصاب الجهاز الإداري الذي أصبح ينظر إليه على كونه مجلبة للفساد، يعسر ولا ييسر، ويحمل المؤسسة تـكاليف وأعباءما أنزل الله بها من سلطان. ومن شأن مثل هذا الإجراء أن يساعد على التصدي لظاهرة الفساد وللتجارة الموازية.
• سادسا:
الرفع في سن الإحالة على المعاش إلى 65 سنة وربطه بمعدل الحياة
رفع سن الاحالة على المعاش إلى 65 سنة وربط هذا السقف بتطور معدل حياة التونسي.
فالزيادة بسنتين في أمل البقاء قيد الحياة ينجر عنها آليا تأخير بسنة في سن الإحالة على التقاعد. وتحدد السن القانونية للإحالة على التقاعد بالنسبة إلى القضاة وأطر التعليم والعاملين في الحقل الاستشفائي الجامعي وسامي الموظفين ب70 سنة وتكون قابلة للزيادة.وبإمكان أعوان الدولة المنتمين إلى هذه الفروع اختيار مواصلة العمل بعد سن السبعين. ولا تبذل منح التقاعد إلا بدءا من الإحالة الفعلية على المعاش.
• سابعا:
عقد تشغيل وحيد بلا «مسمار في حيط» بالنسبة إلى كل انتداب جديد
إقرار عقد تشغيل وحيد بدون ضمان عمل على مدى الحياة يدخل حيز التنفيذ بدءا من غرة جانفي 2017 في كل القطاعات بما فيها قطاع الوظيفة العمومية. هذا العقد الذي تستغرق مدته سنة واحدة يمدد آليا بعد كل ثلاث سنوات بعد اتفاق بين الطرفين. وينبغي أن يرفق إقرار عقد التشغيل الوحيد بتوجه إلى تطوير قطاع التكوين المهني في الوظيفة العمومية وذلك طيلة الحياة المهنية ويشمل الموظفين الكهول الراغبين في الارتقاء بمستوى عملهم. والغاية من هذا الاجراء هي تشجيع المنشآت على انتداب طالبي الشغل ووقاية الشباب من هشاشة العمل .
• ثامنا:
تغيير شكل الامتياز العام ( احتكار) المخول للشركة التونسية للكهرباء والغاز
لم تعد الشركة التونسية للكهرباء والغاز تتمتع بامتياز احتكار إنتاج الكهرباء في البلاد التونسية, لكنها تبقى حائزة على احتكار توزيع الكهرباء. ويعطيها هذا الحق الذي تنفرد بالتمتع به نفوذا يسمح لها عمليا بفرض سياستها في مجال انتاج وتوزيع الكهرباء الذي يتم انتاجه اعتمادا على الطاقات المتجددة. وهو احتكار من الأهمية والخطورة بمكان نظرا لما يحظى به من إسناد من قبل الإتحاد العام التونسي للشغل. وعلى الحكومة القادمة أن تعيد للسلطات العمومية صلاحياتها وأن تبادر إلى تفكيك هذا الاحتكار العام لنشاط توزيع الكهرباء. ويمكن أن تتخذ هذه المبادرة شكل إنشاء ثلاث منشآت مختلطة ( أي بتشريك رأس المال الخاص) تغطي المناطق الكبرى الثلاث: الشمال، والشريط الساحلي، والجنوب. ولتغيير شكل الامتياز العام على هذا النحو ما يبرره باعتبار أن حاجات الجنوب التونسي يمكن تغطيتها بشكل كلي تقريبا باستعمال الطاقة الشمسية. فإنتاج الكهرباء وتوزيعه لم يعد يعتبر في كل بلدان أوروبا تقريبا نشاطا استراتيجيا يستوجب بالضرورة تدخل الدولة بالكامل في هذا القطاع، فما بالك بالبلاد التونسية التي هي في حاجة ملحة إلى رؤوس أموال بمقادير مرتفعة تستثمر في توفير البنيات الأساسية الضرورية لتنمية النسيج الإنتاجي وتنويعه.
• تاسعا:
التوجه بقوة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية والتخلص من كل العمليات المرتبطة بعمل بالاستثمار
تعليق كافة التراخيص الإدارية والوثائق الأخرى التي تشبهها بما في ذلك تراخيص البناء وذلك بالنسبة إلى كل مشاريع الاستثمار التي تقل قيمتها عن 5 ملايين دينار. ووحده يبقى مطلوبا التصريح لوكالة الصناعة والتجديد الذي يعطي حق استيراد مواد التجهيز بإعفاء من معاليم الديوانة، وهو إجراء ينبغي القيام به حالا في الشباك الموحد للوكالة التي تأخذ على عاتقها القيام بكل الاجراءات القانونية المتعلقة بإنشاء الكيان القانوني الذي سيحتضن المشروع. ويبقى الهدف المنشود في هذا الصدد متمثلا في تمكين قطاع الخدمات العامة من استرجاع صلاحياته الأصلية أي أن يكون طرفا لا شغل له إلا إقامة العراقيل والمطبات أمام كل من يريد إنشاء مؤسسة. ولا بد من الاعتراف بأن نظام التراخيص الإدارية لم يحل دون تعدد المبادرات الفردية القطاع الموازي ودون تحويل الطابع الجزري لتلك الشكليات الادارية المجحفة إلى عامل تحفيز للتقدم إلى شباك الاستثمار الموحد.
• عاشرا:
تحديد السن القصوى للترشح للانتخابات البلدية بخمسين سنة
هذا الإجراء هو بمثابة دعوة موجهة للشباب حتى يقدم على إدارة الشؤون المحلية. وهذه مرحلة ضرورية على طريق تدريب الشباب على تدبر الشؤون العامة ولإتاحة فرصة حقيقية للتونسيين الذين هبوا للإطاحة بالنظام السابق حتى يدلوا بدلوهم في حياة البلد السياسية ويسهموا في إنجاز التنمية المحلية ويمدوا يد العون للفئات المحرومة في المناطق والجهات التي يتواجدون فيها ... وغاية ما ينبغي السعي إليه في هذا المضمار هو أن تترك الانتخابات الوطنية في المستقبل المجال فسيحا للمرشحين من الشباب الذين لهم تجربة ودراية في تدبر الشأن العام.

الهاشمي علية

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115