المبادرة الرئاسية والتجربة البولونية: المائدة المستديرة البولونية

مصطفى بعزاوي (عضو هيئة الحقيقة والكرامة)
استمر الصراع الداخلي في بولونيا من اواخر 1981 إلى بداية 1989. طيلة عشر سنوات عاشت بولونيا على وقع الصراع الدموي المحتدم بين الدولة والحزب الشيوعي من جهة وبين النخبة البولونية الداعية للتغيير تحت قيادة نقابة تضامن ليش فاليسا.

وكنت سألت نائب الرئيس البولوني خلال استقباله لوفد هيئة الحقيقة والكرامة عن سر قيام نقابة العمال بثورة ليبيرالية؟ فأجاب ان النخبة البولونية التي كانت تنادي بتحرير الاقتصاد وبالديمقراطية السياسية كانت تتحرك -النخبة البولونية -تحت قيادة نقابة تضامن. وبذلك نجحت بولونيا في الإطاحة بنظام الحزب الشيوعي وإقامة الديمقراطية واقتصاد السوق بفضل « النقابة « وليس بفضل الأحزاب الليبيرالية. كما سحبت كل بلدان اوروبا الشرقية وراءها. ما يعني ان المصلحة والأهداف الوطنية لا تقف امامها طوباوية الأيديولوجيا ومحاذيرها.

مع بداية 1988 اقتنعت السلطة انها باتت عاجزة على مقاومة تعاطف المجتمع البولوني مع نضالات نقابة تضامن كما اقتنعت حركة تضامن انها تعبت من تقديم القرابين وبدأت تفقد الحيوية التي كانت تتمتع بها في اول أيامها. ومع انتشار الركود واستفحال الأزمة الاقتصادية أصبحت مظاهر الفقر واليأس وفقدان الأمل حاضرة في حياة الناس.

انطلقت فكرة المائدة المستديرة بين السلطة وبين نقابة تضامن للخروج من الأزمة التي تواصلت عقدا من الزمن. وبادرت السلطة من جانبها بالاتصال بليش فاليسا –عبر الوسطاء -لبداية المفاوضات بعدما وقع تحديد الملفات. واشترط فاليسا وجود شاهد على المفاوضات فوقع الاختيار على الكنيسة في شخص ممثل عن هيئة الأساقفة. وحققت المائدة المستديرة نتائج تجاوزت كل التوقعات المتفائلة وأوصلت بولونيا إلى أبعد مما خطط له القائمون عليها.

لقد قامت مفاوضات المائدة المستديرة على 3 ملفات اساسية. ملف التعددية النقابية وملف التعددية السياسة وملف مقاومة الأزمة والطرق اللازمة لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية. ولأجل ذلك تشكلت 3 لجان تقنية مختصة قدمت تقاريرها في نهاية المفاوضات التي لم تتجاوز شهرين – وليس 3 سنوات -أسفرت عن إطلاق قطار الإصلاح في بولونيا الذي لم يتوقف إلى اليوم.

• لجنة الإصلاحات السياسية

• فريق إصلاح القوانين والقضاء

• فريق الجمعيات والإدارة المحلية

• فريق وسائل الإعلام

• فريق شؤون الشباب

• اللجنة الاقتصادية والاجتماعية

• فريق شؤون البيئة

• فريق شؤون المناجم

• فريق شؤون العلوم والتعليم والتقدم التقني

• فريق شؤون الزراعة

• فريق شؤون الصحة

• مجموعات عمل تفصيلية حول:

• تعويضات الغلاء والسياسة الاجتماعية

• النظام الاقتصادي الجديد

• الإدارة المحلية وأشكال الملكية

• السياسة الاقتصادية

• حل مشكلة ديون الدولة

• الاستفادة من التجربة البولونية :

وقد عدد الرئيس البولوني السابق كوموروفسكي 4 عناصر لنجاح المائدة المستديرة البولونية وهي على التوالي:

1 - كبح رغبات الانتقام من الخصوم السياسيين لأن رغبة الانتقام السياسي تسمم الأجواء وتشحنها بمشاعر الريبة وفقدان الثقة:

2 - السماح للجميع بالمساهمة في الحياة الاجتماعية بمن فيهم المرتبطين بالنظام السابق او الذين كانوا صامتين اثناء النظام السابق

3 - الحد من طموحات السيطرة على كل شيء اعتمادا على نتائج الانتخابات والحذر من اختصار الطرق الذي يؤدي حتما إلى خرق القوانين

4 - ألا تكون التجارب السابقة السيئة عائقا امام التفاهم مع الأخرين والسير إلى الأمام. وهذا يعني القدرة على التعايش بين جميع مكونات الشعب في كنف الاحترام والقانون والحقوق.
وقد أسفرت مفاوضات المائدة المستديرة في بولونيا التي تواصلت شهرين فقط على الاتفاق حول مضامين 3 وثائق رسمية سميت اتفاقيات المائدة المستديرة حول الثلاثة ملفات التي قامت عليها المفاوضات مرفقة بتقارير وملاحق اللجان التقنية التي اعدت تفصيلات عملها.

ولا اعتقد ان هذه المنهجية تبدو صعبة او مستحيلة لتنزيلها في الواقع التونسي الراهن. من ذلك تشكيل لجان تقنية حول الملفات نفسها يزيد عددها او ينقص بحسب الأولويات والتحديات المطروحة في الواقع التونسي.
لو تتوفر الإرادة السياسية عند كل الأطراف المعنية بمستقبل بلادنا حول أولوية إخراج الأوضاع من الأزمة التي دخلت فيها وإنعاش الاقتصاد ومصارحة الشعب بأهداف واضحة وتقدير الكلفة الجماعية لتنفيذ برنامج الإنقاذ ودور كل الأطراف في هذا المشروع فستتمكن بلادنا من اول الطريق الذي نأمل ان لا يتوقف.

أما ان تتحول مبادرة حكومة الإنقاذ إلى سوق للمزايدات السياسية ومسرحا لاستعراض القوة أو العنتريات السياسوية الضيقة فهذا ينبئ بفشل ذريع سيعود على كل الناس بالوبال. لأنه إذا ضاعت الدولة فلن يبقى للسياسيين ما يتقاسمونه سوى الشوارع ونقاط التفتيش

للمناطق الخاضعة لنفوذهم. سيحولون الدولة والسلطة التي اخذوها بالانتخاب إلى مربعات امنية تقوم على تقسيم البلاد إلى مزارع سياسية.
المحاصصة كنظام سياسي يقوم على تقسيم أجهزة الدولة وتقسيم الحقائب الوزارية بين الأحزاب يعتبر من اخطر انواع الحكم فهو يحمل بداخله عناصر عدم الاستقرار والاضطراب. هذا النوع من النظم السياسية يمنع لبنان -الطوائف في لبنان منظمة في شكل

أحزاب سياسية -من انتخاب رئيس للجمهورية لما يقرب الآن من عامين وشكل عائقا امام إنجاز الانتخابات التشريعية فالبرلمان اللبناني برلمان ممدّد له بخلاف الدستور ولا زالت الأزمة قائمة ولفترة أطول.

وعليه فإن سياسية التوافق التي تقوم على المحاصصة السياسية وتقسيم الحكم والسلطة وأجهزة الدولة بين الأحزاب السياسية أصبحت تشكل خطرا على الوحدة الوطنية والحفاظ على تماسك الشعب التونسي وليست قاعدة سليمة لتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني.
نحن بحاجة إلى برنامج للإنقاذ الوطني ولسنا بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تقوم على المحاصصة السياسية. حكومة الصيد نفسها سميت حكومة وحدة وطنية لكنها لم تقدر على إخراج البلاد من ازمتها لأنها في جوهرها قائمة على المحاصصة السياسية بمعنى من المعاني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115