منبر: هل إستفتاء 25 جويلية عملية ديمقراطية ؟

بقلم: صائب الصواب
إن العديد يترددون بين المشاركة في الإستفتاء و التصويت بـ»لا» و بين مقاطعة العملية برمتها، و إن كان القارئ يبحث عن قراءة أخرى في فصول مشروع الدستور

فإن هذا المقال لن يدرس تلك الوثيقة و أخطائها و توطئتها و أبوابها، و لكن سيتمعن في عملية الإستفتاء برمتها وسيدرس جدواها، بغية إنارة الرأي العام عموما والمترددين خاصة.
وبداية، فإن التطورات الميدانية تؤكد بوادر منعرج خطير يحدق بالبلاد من خلال التهديد والترهيب الذي من المرجح أن يشتد، سواء الذي مارسه بعض أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضد بعض المطالبين بالمقاطعة، أو المتمثل في إستهداف شق الـ«لا» و المقاطعين في الشارع ، من قبل أنصار الرئيس أمام الصمت المريب لرئاسة الجمهورية والهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وسلبية الأمن.
بوادر مخيفة لم تزعزع صاحب مشروع الدستور وصمته المعتاد، و ليست بالمستغربة نظرا للظروف المتشنجة التي ورد فيها مشروع الدستور المزعم التصويت عليه، من غياب للتشاركية أو وجود تشاركية صورية وموجهة، لدرجة أن أحد الأعضاء الثلاثة المشاركين في كتابة نسخة اللجنة تأثر الى حدّ البكاء بعد أن طرح عليه سؤال «ما هو الفصل الأقرب الى قلبك ؟»، و كأن الأمر يتعلق بكراس أسراره (journal intime).
فما هو الأقرب لقلب عضو من اللجنة أو لرئيس الجمهورية سيحدد مصير الملايين من دون أخذ رأينا كرعية في ذلك، خاصة و كما أكد ذلك Max Weber ، وكذلك رئيس الجمهورية فإن الإستفتاء هو عبارة عن صك على بياض و مبايعة (plébiscite) و «كأنه إستفتاء حول صاحب المشروع و ليس حول المشروع» .

ولا يخفى على أحد، أن الرئيس شرع منذ مدة في إستغلال موارد الدولة و الإعلام العمومي للتبشير بمحاسن الإستفتاء، تماما مثلما وقع مع الإستشارة الوطنية، وكل الخشية من عدم تمكين المطالبين بالتصويت بـ»لا» من نفس المساحة الإعلامية و الإمكانية، إذ كثرت في السابق (قبل إصابتهم بالخيبة إزاء مشروع الدستور النهائي) إطلالات أعضاء لجنة صياغة الدستور لكي يروجوا للوثيقة التي ستؤسس للجمهورية الجديدة و حاليا السياسيين المناصرين لنسخة الرئيس.

• أولا- في إنعدام حياد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات:
1 - لم تحرك الهيئة المستقلة ساكنا أمام تجاوز رئيس شقّ الـ»نعم» فيما يهم «المذكّرة التفسيريّة» الّتي وقع نشرها على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بفايسبوك في 5 جويلية 2022، وواصلت الهيئة في ذات العبث بنشرها لتلك المذكرة على موقعها الرسمي، في مخالفة صريحة لدستور 2014 و حتى لمشروع الدستور الجديد ، و للقانون المنظم الانتخابات والإستفتاء الذي أوجب حياد هياكل الدولة و حجّر إستعمال مواردها في الدعاية ، فضلا عن نشرها بعد الآجال القانونية.
كما أن نشر المذكرة التفسيرية الداعية صراحة للتصويت بنعم على الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة و الموقع الرسمي للهيئّة العليا المستقلّة للانتخابات أدّى إلى تداولها بشكل مكثّف إعلاميا، مما مسّ من مبدأ تكافؤ الفرص و مبدأ المساواة بين المشاركين.

2 - و واصلت الهيئة جمودها المعتاد أمام إستعمال علم البلاد في كل معلقات حملة الـ»نعم» في مخالفة صريحة لأحكام الفصل 61 من القانون الإنتخابي الّذي «يحجر استعمال علم الجمهوريّة التونسيّة أو شعارها في المعلقات الانتخابية والمتعلقة بالاستفتاء».
و مكافأة لجمود أعضاء الهيئة تم تمكينهم من ترفيع في التحفيزات المالية، و إن كان التحفيز ليس بالكبير، فإن رمزيته و التوقيت الذي أتى فيه يغني عن أي تعليق، خاصة في ظل الأزمة الخانقة التي تعرفها ميزانية الدولة، و التهكم السابق من قبل مانح التحفيز على تمتع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء السابقين بمنح مالية و إمتيازات عينية.

3 - و إنصافا للهيئة، فإن اللخبطة و غياب الرؤية فيما يخص الآجال و الإجراءات، ليس سوى نتاج تحكم رئاسة الجمهورية في الزمن السياسي و القانوني منذ قرابة السنة، و من المرجح أن نسجل براهن عدم تأهب الهيئة يوم الإمتحان، حيث تم تسجيل حمل أعوان الهيئة المركزية والهيئات الفرعية لشارات حمراء نتيجة عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية و عدم تسوية وضعياتهم المهنية .

4 - و لعلّ عدم حياد الهيئة العليا جعلها تبدع في استنباط شروط تعجيزية بغية منع قبول تصاريح الأشخاص الطبيعيين، فاشتراط تقديم أصل بطاقة السوابق العدلية (بطاقة عدد 3) قبل الإعلان عن القائمة النهائية للمشاركين في حملة الاستفتاء، يعدّ من قبيل الاستحالة الماديّة إذ أن الحصول على هذه الوثيقة و حسب معرفتنا القليلة للإدارة التونسية، يتطلب آجالا لا تتناسب مع الآجال الّتي منحها القرار للمعنيين بالتّصريح. فما الجدوى من طلب البطاقة عدد3 من الأشخاص الراغبين في المشاركة في الحملة ؟

5 - إعترفت الهيئة ضمنيا بأن التغيير الذي حصل بصفة أحادية من قبل واضع مشروع الدستور بعد ظهور «بضع أخطاء تسربت» مسّت من جوهره، و ذلك من خلال منحها أجل إضافي للمشاركين في حملة الإستفتاء لتغيير موقفهم في أجل برقي، رغم أن تعديلات الرئيس أتت بعد الآجال القانونية.

6 - الأجواء صلب الهيئة و تصريحات أعضائها، تبرز الأزمة و إنحيازهم (إقتيادا بأقاويلهم و التهم الموجهة لبعضهم البعض)، و بلغ بهم الأمر حدّ الطلب من رئيس الجمهورية أي رئيس شق الـ»نعم»، إقالة زميلهم بعد توجيههم لتقرير لرئاسة الجمهورية يتضمن عدد55 تهمة ضد نفس الشخص، تماما مثل التقارير الصادرة زمن التجمع أو الـStasi !!
فهل أصبحت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات مجرد إدارة فرعية تتبع رئاسة الجمهورية ؟

• ثانيا- في السلطة التي أبتلي بها قيس سعيد من الله:

1 - لقد صرح رئيس الجمهورية في عدة مناسبات كون «السلطة إبتلاء من الله» ، وهي رسالة ربانية مكلف بها صاحب مشروع الدستور أحادي الجانب، الأمر الذي دفعه الى عدم وضع فرضية فوز الـ»لا» في الإستفتاء ضمن الأحكام الختامية، فالمرسول من الرفيق الأعلى لا يمكنه ترك «الكرسي» حتى في صورة انهزامه.

2 - برهن قيس سعيد مرارا و تكرارا غياب أي نفس ديمقراطي لديه، ناهيك أنه وضع لجنة ذات تمثيلية محدودة جدا و مشكوك في خبرة أعضائها، لإحتوائها على أسماء عرفت بإحترافها للـ»buzz» عوض المقالات العلمية، فهي لجنة أرادها صورية. أما اللجنة القانونية، فهي لم تنعقد البتة، بعد مقاطعة أعضائها السبعة، و حتى اللجنة المصغرة المكلفة فعليا بإعداد الدستور و المتكونة من الأساتذة بلعيد و محفوظ و بن عيسى أضحت صورية بعدما تم التأكيد أن المشروع الذي وقع عليه الاتفاق لا يمت بصلة لمشروع الدستور الذي أصدره الرئيس بالرائد الرسمي.
رئيس بلغ به الحدّ الى عدم إحترام الاتفاق المعنوي بينه و بين أستاذه و عميده السابق و المقرب منه الصادق بلعيد، فإن لم يسلم من تسلطه أقرب الناس له و أكبرهم سنا، فلا نرى أملا في إستقالة الرئيس في صورة إنهزام الـ»نعم».

3 - أكد صاحب الإستفتاء في ذات الحوار التلفزي المشار إليه أعلاه، أنه «حتى يكون الإستفتاء عملية ديمقراطية يجب... أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة، ماذا يعني إستفتاء يشارك فيه عدد محدود من المواطنين ؟»، وفي هاته النقطة بالذات لا يمكننا الا أن نتفق معه، يبقى أن الممارسة شيء آخر في بلدنا.
ففي النصوص المنظمة للإستفتاء لم يتم وضع عتبة دنيا لعدد المشاركين في الإستفتاء، عتبة من شأنها ضمان مشروعية الرئيس و مشروعية الدستور المستقبلي. ليست عتبة بالغريبة عن التشريع التونسي بما أن مجلة الجماعات المحلية وضعت عتبة لا تقل عن 3/1 المسجلين، بالإضافة الى إقرار قاعدة العتبة الدنيا من قبل عديد الدول الديمقراطية، وعلى وجه الخصوص تلك التي عاشت إنتقالات ديمقراطية حديثا .
فقد بلغ الحدّ برئيس الجمهورية الى دسترة الإستشارة الوطنية و الإشادة بالعدد «المهول» من للمشاركين، علما أن أغلبية هؤلاء طالبوا فيها بتنقيح دستور سنة 2014 لا بوضع دستور جديد.
و عليه، نؤكد أنه مهما كان عدد المشاركين يوم 25 جويلية ضئيلا من حيث العدد، فإن رئيس الجمهورية سيعاند به حتما، خاصة إذا فاق عدد المشاركين في الإستشارة الوطنية.

4 - مثلما حدث مع الإستشارة الوطنية، بدأ رئيس الجمهورية يمهد الى نظرية المؤامرة و حجة الهجمات السيبرانية و الأيادي الخفية، مما سيؤدي حتما الى تصريحه بعد إعلان فوز الـ»نعم» بنجاح الإستفتاء رغم المحاولات الساعية لإفشاله، ناهيك أنه أكد عند لقائه رئيس هيئة الانتخابات على «ضرورة الانتباه إلى المحاولات المتعددة لاختراق عمليات التسجيل والحق في تغيير مركز الاقتراع... على أن الأمر يتعلق بمصير دولة وبمصير شعب ولا مجال للتسامح مع من يريدون إفشال الاستفتاء بكل الطرق لأنهم يهابون سيادة الشعب، ويهابون أن يعبّر عن رأيه بكلّ حرية» مؤكدا أنه تم تسجيل 1700 هجوم إلكتروني أو إختراق .

• ثالثا- في حياد السلطة القضائية المكلفة بالمراقبة البعدية للإستفتاء:

1 - لا يخفى على أحد أن الرئيس قبل و خاصة بعد أحداث 25 جويلية 2021 أعلن حربا مفتوحة على القضاء، في محاولة لتركيعه بداية من التصريحات النارية و التخوينية، وصولا الى حل المجلس الأعلى للقضاء و تنصيب مجلس وقتي و إعفاء 57 قاضيا لأسباب مختلفة، من بينها إعفاءات لقضاة لم يخضعوا للتعليمات أو الضغوطات أو لمواقفهم المعادية لمسار 25 جويلية،
دون نسيان الإستقالة التي قدّمها قاض عضو في الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات مساندة للـ57 قاضيا الذي عزلهم الرئيس، و هو بمثابة التأكيد من أحد أعضاء الهيئة و المستقيل حديثا أن القضاء غير مستقل .

2 - كيف لسلطة تم تركيعها من خلال الطرد التعسفي و الضغط و التعليمات و التقزيم أن تنظر بإستقلالية و حياد في نزاعات بتلك الأهمية ؟
و لعل أهم هيكل قضائي إنتخابي هو المحكمة الإدارية، فبأي إستقلالية و جرأة سيتصدون قضاتها لقرارات الهيئة أو صمتها إزاء المخالفات المتعددة و المتكررة، وخاصة كيف سيتجرؤون على إلغاء أجزاء من نتائج الإستفتاء، علما أنه و على عكس الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، فليس للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات إمكانية إسقاط قائمة أو مترشح، ففي صورة تسجيل خروقات مست من نتيجة الإستفتاء فلا يمكنها إصدار قرار أحادي، إذ هي مجبرة قانونا على اللجوء الى القضاء فقط.

3 - هنا لنا أن نتساءل عن حياد الهياكل القضائية المكلفة بنزاعات الإستفتاء في ظل تعيين الرئيس لسامي الوظائف القضائية و تحكمه في المسار المهني للقضاة نظرا لهيمنته على المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، وصولا الى الإعفاء المباشر من رئيس الجمهورية للقضاة.
• رابعا- في غياب الأحزاب الكبرى و النسيج الجمعياتي:

1 - سيشهد يوم الإستفتاء غياب عنصر مهم، و هو مراقبي الأحزاب من ذوي القاعدة الشعبية الكبرى التي يمكن أن تغطي شبكتها كامل مكاتب الإقتراع بتراب البلاد. فتواجد مراقبين ينتمون الى أحزاب مختلفة داخل نفس مكتب الإقتراع و مناصرين للشقين أي الـ»لا» أو الـ»نعم» هو بمثابة المراقبة المتبادلة. ففي المواعيد الانتخابية السابقة كان تواجد مراقبي الأحزاب (خاصة الكبرى) بكامل المكاتب يمثل ضمانا ضد التجاوزات الإنتخابية، الأمر الذي لن نجده يوم 25 جويلية.
2 - لا يجب التغافل عن غياب التوازن العددي بين مناصري الـ»نعم» و مناصري الـ»لا» المشاركين في الحملة (146 مع الشق الأول و 7 مع الشق الثاني) و الذي ينضاف إليه التململ في صفوف الشباب، الذي يمثل نصيب الأسد من المراقبين من الشبكات الجمعياتية، إزاء هذا الموعد الإنتخابي بعد الخيبات المتكررة منذ 14 جانفي 2011 و هجرة العمل السياسي، إيمانا منهم أن الانتخابات لن تغير الحال و الأحوال و أن عملية الإستفتاء غير نزيهة من أولها و متأتية في ظروف غير عادية.

3 - و يتبين هكذا أن الرقابة على عملية الإستفتاء ستكون شبه غائبة خاصة في مراكز الإقتراع، من جهة لمقاطعة التشكيلات الحزبية الكبرى و مراقبيها، و من جهة أخرى ممثلي المجتمع المدني الذين فقدوا حماسهم، و أخيرا لرقابة الثاني على الأول و هي رقابة طبيعية، فسيكون المراقب المدني صدّا لتجاوزات ممثلي الأحزاب و إدارة الانتخابات في مكاتب الإقتراع ومحيطها.

• خامسا- فصل الكلام:
بالنسبة للكافة، و للمولعين بالرياضة خاصة، فإن الإستفتاء يريده طرف بعينه يستعمل موارد الدولة للترويج لمشروعه، و قام بإختيار حكم (أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات) المباراة (الإستفتاء)، في ظل غياب الـVAR (مراقبو الأحزاب الكبرى و جزء هام من ملاحظي المجتمع المدني)، و حتى الهيكل المراقب لقرارات الحكم (القضاء) فقد تم التنكيل به والمسّ من حياده، أما حافظ النظام العام للمقابلة (الأمن) فهو من أول التابعين، فعن أيّ ديمقراطية نتحدث ولأيّ عملية شفافة و نزيهة سنذهب يوم 25 جويلية !؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115