راشد اللائكيّ والغنوشي الملائكي

(1)

- لماذا تزدهر حركة النهضة الاخوانية في تونس رغم الكساد السياسي الذي يسيطر على السوق / الملعب السياسي العامّ؟

- لعل السبب يعود الى ان راشد الغنوشي رئيس الحركة فقد التزم بخط الروَغان السياسي الذي جاء على لسانه في اُسلوب المرونة المحلىّ بكل ما يتطلبه السوق من عبارات رائجة وإشهارات مستحبّة ، مثل» المصالحة الوطنية» ، «والتوافق بين الفصائل السياسية» لبناء تونس وحماية ما تحرص النهضة على تسميته بثورة للتنديد بالمعادين المناهضين للنهضة حتى يمثل هؤلاء «أعداء الثورة» و الثورةَ المضادةَ.
وكانت من اخر حركات راشد الغنوشي هي زيارة الى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من اجل دعوته الى حضور مؤتمر حركة النهضة العاشر.

(2)

لم تكن الزيارة بمثل هذه الإلحاحيّة، الا أنٌ الغنوشي أراد ان يشير إلى أهمية هذا المؤتمر الذي تريد ان تتمخض به الحركة عن نتيجته المعروفة سلفا وهي تقسيم النهضة الى قسمين : قسم سياسي وقسم ديني .
القسم الديني يسمى الدعوي تماشيا مع الأسس الاولى التي بنيت عليها النهضة.
والقسم السياسي يسمّى المدني وهو الذي سوف يجدد خلايا النهضة بعناصر جديدة .
(3)

ان راشد الغنوشي الذي يمثل التدبير والتفكير في الحركة قد أخذ على عاتقه مهمة :
أ - تخليص النهضة من كل التهم الموجهة اليها:
فهي المتهمة بتبعيتها للإخوان المسلمين الذين حصل حولهم اجماع دولي بكونهم جماعة ارهابية. تدعو الى استخدام العنف ، وصار على الحركة ان تعلن في كل نشرات الأخبار انها ضد الاٍرهاب ،
و لم تتحرك النهضة عمليا. ضد العناصر الإرهابية التي فتكتْ بالسياحة التونسية فتكا فظيعا وصل الى حد الشلل التام لهذا القطاع .وحرمان شرائح واسعة من الشعب من حصتها في الحياة الكريمة .
ب - ينظر جزء واسع من الرأي العام التونسي بما في ذلك الذين ندموا بعد انتخاب النهضة الى أنها لم تتحرك ضد الاٍرهاب الا بالتنديد الشفوي ، باعتبار ان الإرهابيين يهددون استقرار تونس السياسي ، وما النهضة الا شريك في السلطة الراهنة وتمارس سلطتها في مشهد متنوع ما فتىء يقاوم النهضة و يتابع تحركاتها وتحالفاتها وخيوطها وهي اخطبوطية ومتمكنة من مفاصل الحياة التونسية المعقدة .
ج - وتأسيسا على هذا فان راشد الغنوشي رأى ان الحساسية التونسية تتجه كثيرا نحو فصل الدين عن الدولة ، وعليه فلا يجوز لحزب ديني ان يمارس السياسة في دولة مدنية ينصّ دستورها الجديد 2014 في فصله الاول على ان « تونس دولة حرة مستقلة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها» .

(4)

الكلام الكثير عن فصل حركة النهضة الى شقيْن اثْنَيْن دعويّ وسياسيّ إنما أملته اطماع النهضة في ان تكون على قياس ما تراه رياح السياسة من تطورات ، فهي مستعدة الى ان تكون ذات بابيْن اثْنَيْن :
• الباب الاول:
يفضي الى عالم السياسة والعمل المدني الذي له علاقة بامور المعاش الدنيوي وما يستوجبه من عقد الصفقات السياسية والاقتصادية والخارجية .
• الباب الثاني:
يفضي الى عالم المثل والاخلاق والمواعظ الحسنة والنوايا الطيبة والدعوات الصالحات التي تفضي بدورها الى عالم الغيب والشهادة.
وبهذا تضمن النهضة مصالح جميع المنخرطين:
أ - فالحركة الان تنادي الجميع الى الدخول الى حزبها. حتى من غير المسلمين ، وهذا كلام بدأت تروج له من خلال عناصرها المؤثرة في الاعلام الذين باتوا ينادون بفتح الباب للجميع لايهام الجميع أن النهضة باتت شديدة الانفتاح .
ب - وأما الذين دخلوا الى حزب النهضة على أساس انها حزب ديني فما عليهم الا ان يختاروا الباب الدعويّ وما يتضمنه ويبطنه من تغطية لهذه الخيام الدعوية التي تفرّخ الفكر التكفيري والإيمان المتصلب الذي يؤصل الاٍرهاب في نفوس الشباب .

(5)

وللتذكير نقول :
- اثر الانتخابات التونسية الاولى 2011 التي تمت في شفافية وتحت مراقبة وطنية ودولية وبعد ان تدفق المال الأجنبي دون ضابط او حاجز او قانون، وبعد ان حصلت النهضة الاخوانية على المرتبة الاولى في انتخابات المجلس التأسيسي الذي كان الهدف منه كتابة دستور جديد ينسخ الدستور القديم أيّام الرئيسيْن الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي..
قال راشد الغنوشي في تصريح فيه شكر لله وحمده على النعمة :
« كان أقصى ما نريده هو دكان نعرض فيه بضاعتنا وإذا بِنَا نحصل على السوق كله»

(6)

هذا هو السوق السياسي الذي احتلت فيه النهضة مساحات واسعة مثل «سوبر ماركت « التي تجد فيه مواد التنظيف المنزلي في جناح غير جناح الشوكولاتة والمواد الغذائية ، او الإلكترونيات أو الخمور،
وتبدو مساحة النهضة واسعة قياسا بالمتاجر والدكاكين، والاكشاك السياسية الاخرى...
ولقد بدا للنهضة ان التوسع والانتشار ممكنان بعد القيام بعمليات اغراء سياسية للمجتمع السياسي العام حتى ينخرط في هذا الحزب الذي لا مزية له على الأحزاب الاخرى غير الطاعة للقائد الراشد ، فكل الخلافات داخل حركة النهضة لا يمكن لها ان تخرج الا من راس الشيخ المدبر الذي تنطلق منه الأفكار واليه يعود القول الفصل .

(7)

كيف يكون راشد لائكيا حين يقتضي الحال فصلَ الدين عن الدولة؟
وكيف يكون الغنوشي ملائكيا يدعو الى الطهر والعبادة في انتظار وصل الدين بالدولة ؟
ذلك هو السؤال ، وتلك هي النتيجة المعروفة عن مؤتمر النهضة العاشر .

(8)

وفي الرقم عشرة لهذا المؤتمر كيف ستكون قراءة العدد 10؟
- من اليمن الى اليسار ام العكس
- اي : هل السياسي سوف يساوي واحدا ، والديني يساوي صفرا ؟ ام العكس ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115