هنيئا لكم بداعية عصره محمد شحرور

عندما بلغني خبر قدوم محمد شحرور إلى تونس صعقت..

وتدافعت في ذهني أسئلة تعيدني إلى مربّع ضيّق الحدود: من هي الجهة التي تكفّلت بدعوته؟ وما هو العلم الذي سينفع الناس به؟ وهل استشير اهل الذكر حتى يجدوا مبرّرا لدعوة شحرور؟ لم أخفكم أنّي ألقيت السؤال على من أراه جديرا بالإستشارة فإذا بالجميع يجهل قدوم شحرور، وإذا بالخبر اليقين يأتيني واضحا: استُقدم السيد شحرور من طرف جامعة تونس 1 وبالتنسيق مع معهد العالم العربي. عندئذ فهمت كلّ شيء، وأدركت أنّ المسؤولين بالمعهد يسعون إلى أن يرفعوا عنّا الجهل بالسهر على دعوة « علماء» ينيرون لنا الطريق، وخاصّة أنّنا نعيش في بلد لا يرقى إلى أن تنبني أسسه على مهارة علمائه، وأنّه بلد يعيش بالتسوّل مالا وعلما. ونظرا إلى أنّي أنتمي إلى طائفة لها من القدرة أن تدّعي بأنّ لديها زادا معرفيا، ينكره أبناء بلدها، وبما أنّنا نعيش في بلد « ما يضوي كان على البراني» فإنّي لا أقدر أن أترك لهؤلاء أن يقرّروا نيابة عنّا ويقيلوننا من مجال كنّا مسهمين وإن كان بنسبة قليلة في تحريك المجتمع، والنزول بقضايا اجتهادية تنفع الناس.

فمن لا يعرف السيد شحرور أقول في اقتضاب شديد: هو سوري وتكوينه هندسة معمارية، قيل إنّه سافر إلى الاتحاد السوفياتي وتلقّى هناك مبادئ الاجتهاد المعاصر في الإسلاميات، وبدأ نشاطه « الفكري» في التسعينات، لكن لم يجد صدى لعمله. هاجر إلى الخليج وبدأ يبحث لنفسه عن موطئ قدم، وأسعفه الحظ بأن تحصّل على جائزة الشيخ زايد في أبوظبي سنة 2017. ومنذ ذلك التاريخ تكوّنت ترسانة لها من المال الكثير حتى تسوّق لأفكاره وتنشرها.. وتصدّره القنوات الخليجية باعتباره رأس المجتهدين، حتى أنّ بعضهم نعته « بلوثر» المسلمين... وها نحن بحمده ننعم بشذى من هذه النعمة.

فتّحت الأبواب لشحرور بتونس، أبواب الجامعة التونسية والمكتبة الوطنية... مثلما فتّحت في 2012 للعريفي وغنيم... وسيقدّم بحول الله تعالى على أنّه منقذنا من مأزق المساواة في الميراث، وأنّه صاحب الكلمة الفصل، سيقدم عليكم وتحت إبطه صكّ النجاة، وقد يكون ذاك المحرّك الذي ابتدعه لقسمة الميراث، بتمويل خليجي طبعا.. لكن، أرى لزاما أن أذكر بعضا ممّا يصدّره شحرور من أفكار:

سيحلّ بيننا شحرور في ثوب تعرفونه جيدا، وهو شبيه بثوب عمرو خالد، والشبه بين الرجلين كبير سواء في تكوينهما الخارج عن الإسلاميات أو في طريقة اللباس، وخاصّة في كيفية الخطاب. وعلى هذا الأساس فإنّ نعت الرجل بالداعية هو الأقرب بالنسبة إليه.
أعلن شحرور منذ صدر كتابه الكتاب والقرآن بأنّه عاقد العزم على تثوير الفكر الإسلامي ، لكن بأيّة آليات؟ وتلك قضية عويصة.. فكلّ ما كتب وانطلاقا من هذا الكتاب إنّما هو « أخذ من كلّ شيء بطرف»، ولا يمكنك حصره البتّة بآليات مضبوطة نعوّل عليها في قراءة ما كتب. ولكم أمثلة على ذلك:

أعلن السيد شحرور أنّه سيقدّم مقاربة عصماء في المواريث، تحاور من قريب مشغل من يقاومون لأجل المساواة، ولعلّه لأجل ذلك استقدم إلى بلدنا، ويبشّر الطالبين والطالبات بأنّه أحدث محرّكا على الانترنات يتعهّد بتقسيم آلي للتركة، وهو محرّك مبنيّ على أساس الهندسة التحليلية والتحليل الرياضي، وعلى نظرية المجموعات في الرياضيات الحديثة. وباختصار فإنّ السيد شحرور يعتبر أنّ المتحوّل في الآية 11 من سورة النساء إنّما هي الأنثى والذكر تابع لها، وانطلاقا من هذه المقدّمة يعتبر أنّ قوله : «“للذكر مثل حظ الأنثيين” يشير إلى أن حصة الذكر تكون ضعف حصة الأنثى في حالة واحدة فقط هي وجود أنثيين مقابل ذكر واحد. أي أن هناك وجوداً موضوعياً لا افتراضياً لذكر وأنثيين. وهذا يعني في حقل المجموعات أن حصة الذكر تكون ضعف حصة الأنثى كلما كان عدد الإناث ضعف عدد الذكور: ذكر واحد + أنثيان، ذكران + 4 إناث، 3 ذكور + 6 إناث … وهكذا فماذا لو كان عدد الإناث أكبر من ضعف عدد الذكور، كأن نكون أمام حالة ذكر واحد + 3 إناث أو 4 أو 5 إلى ما لا نهاية من الناحية الرياضية؟

هنا يأتي الجواب الإلهي فيقول سبحانه: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ونلاحظ فيه أمرين: الأول تغير وتحول عدد الإناث، والثاني أن الذكر لم يحصل على ضعف حصة الأنثى. لأننا إن فرضنا تركة لأربعة أولاد (ذكر + 3 إناث)، لكانت حصة الذكر 33.33 % من التركة وحصة الأنثى 66.66/3 = 22.2 2% من التركة.» وهذه هي مقالته التي أسست المحرّك الثوري الحداثي. وانطلق الناس مستبشرين بالحدث العظيم، فإذا بهم صدموا بنتائج تدفعهم إلى التحسّر على نظام الإرث بنصف سهم الذكر. وإليكم نماذج من تساؤلات المستفتين، لكن أنبّه إلى أنّ السيد شحرور لا ينطق سوى مرّة واحدة في موقعه ويترك «لصحابته» التعليق والردّ على الناس: « دكتور: توفي رجل وترك ست بنات وشابا واحدا, ولم يترك وصية, فكانت حصة كل واحدة من البنات ثلث حصة أخيها.. المهم: واحدة منهن لم تعجبها حصتها بهذا النظام للتوزيع (المعاصر) وطالبت بالعودة للتقسيم التراثي ليكون نصيبها نصف حصة أخيها ( يعني أكبر من التقسيم الحديث ) ..فهل في ذلك شيء ؟؟ أعني : هل هو مسموح أم حرام ؟؟ وكان جواب السيد المكلّف بالردّ: مافي تحريم بالموضوع ..هي مجرد حدود وضعها الله. ونعم بامكانها التنازل».. وإذا بآخر يستنجد به « يرجى تعديل التطبيق .. باضافة الحد الادنى للزوجة ١٢ % مثلا .. يجب ان نسكر النسبة لتصل الى ١٠٠ % الملحدون يحاججوننا في ذلك». هذا بعض من الأمثلة ولكم أن تزوروا موقعه.

وللتذكير، فنحن لا نتجنّى على الرجل ولا ننكر قدومه إلى بلدنا، لكن ليس على أساس أنّنا نستقبل علما في رأسه نار، وأنّ بيده وحده وسيلة خروجنا من مأزق مفاهيمي/ قانوني في مسألة المواريث. فالقضية قضية التونسيين بالأساس، وإن وجد شعب يشاركنا فيها فهم جيراننا بالمغرب الشقيق، وكان من الأفضل أن تنظّم جلسات حوارية مركّزة مع من يشاركنا هذا الهاجس من المغاربة، عسى أن نهتدي إلى استراتيجيا مشتركة، أمّا أن نلتجئ بأوامر خارجية إلى استيراد أفكار لو كانت ناجحة لغيّرت المجتمعات التي تعيش فيها فهذا أمر لا نقبله، فلتونس نساء ورجال يمكن أن يفيدوا دولا عربية بتجاربهم وبعلمهم عسى أن تتقلّص الشقّة بينهم. وما قدوم شحرور في هذا الظرف بالذات سوى تمييع لقضيتنا وتهميش لمثقفي البلاد.
وختاما ، وحرصا منّا حتى لا نبدو مجحفين في موقفنا من السيد شحرور، أقول لسيّدي، الباحث عن تثوير في الفكر الإسلامي عليك أن تعطي للتراث حقّه كاملا، حتى لا ينبري في قادم الأيام من يرجعنا إلى المربع الأوّل المنادي بتحكيم الشريعة، ولا يكون هذا إلاّ إذا قطعنا مراحل معقّدة في قراءة النصوص قديمها قبل حديثها، وأن لا نهمل موقفا مهما بدا لك ثانويّا، فأنت يا سيدي تنكر حقّ غيرك ممّن ساهموا في قراءة التراث مثلما أنكرت مصنّفات قديمة خطيرة ، ولم تذكر في كتابك « نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – فقه المرأة» سوى الرازي، بينما جميعنا يعلم أنّ مفسّرين كثيرين صنّفوا في أحكام القرآن وكان لهم تأثير في مصنّفات الفقه التي لم تذكر منها ولو مصنّفا واحدا.هذه عقلية لا يتصّف بها سوى من يرى نفسه في مرتبة تنافس مرتبة النبوّة، وانّ قوله أشبه بالوحي.

يبدو أنّك سيدي تكتب بحسب الأهواء التي تعيش فيها ، ونحن تحرّرنا من هذه الضغوط في تونس، ولأجل ذلك لم تهاجم ولم تعنّف، لأنّك تتبع سياسة « لا يجوع الذئب ولا يغضب الراعي» ولعلّ أحسن مثال على ذلك مفهومك للمساواة إذا وضعناه في سياق مقالتك في الميراث عندما تستنتج « قوانين الإرث تحقق العدالة العامة (كمجموعات) وليس العدالة الخاصة.» ثمّ كيف ننزّل موقفك من إنكار أن تكون آية البدء في القتال منسوخة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اعتبار الزواج بالمشركة منسوخة، ص 230 ، من كتاب نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي. وماهو موقف من تحمّس لدعوتك إلى بلادنا عندما يعلم أنّك تعتبر تعدّد الزوجات» حلاّ لمشكلة إنسانية.. والمجتمع هو الذي يقرّر العمل بالتعدّدية.. فيستفتيهم في إقرار التعدّدية أو في إلغائها». بل وكيف لنا أن ندعو بالمساواة بين المرأة والرجل، وبمقاربتك «الثورية» في اعتبار قوامة المرأة على الرجل وفي الوقت نفسه تقرّ بأنّ عقدة الطلاق بيد الرجل.

أنصحك بالعدول عن هذه المسائل التي قد تحدث لك مشاكل ، وليست لك القدرة على مواجهتها. ولتعلم سيدي أنّنا بتونس بلغنا مرحلة المطالبة بالمساواة التامّة بين المرأة والرجل دون قيد أو شرط ، ولن نقبل أيّ تنازل يمسّ بإنسانية المرأة. وكان الله في عونك... وفي عوننا على تحمّل تخريجاتك وانتقاءاتك التي تناسب أهواءك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115