أيها المشرّعون

عصام العياري

 كم تمنيت لو كان النقاش الْيَوْمَ في تونس حول الفن والإبداع، حول مكانة الثقافة في مجتمع ما بعد الثورة،

حول الدور التثقيفي للفنان، هاويا كان أو محترفا، في مجتمع فقد الاتصال تماما بالفن في زمن لم تعد فيه الثقافة والذكاء البشري يُغنيان من جوع. انه زمن التلفاز والمسلسلات والبلاتوهات التي تؤسس للبلادة الذهنية والبلاهة بشتى أنواعها تقدمها قنوات المجاري ولا تحفظ فيها كرامة الفنان التي تزعمون الدفاع عنها بهذا القانون الجائر لكن تجري الرياح بما لا يشتهي الفنان الهاوي الذي تصبون عليه الْيَوْمَ جام غضبكم.

ها نحن الْيَوْمَ في خضم الحنين إلى الماضي، إلى منظومة الأمن والأمان يحيى هنا الإنسان نناقش وضعية الفنان من الناحية البوليسية البحتة. يعني نلتجئ للبوليس لمعالجة ظاهرة الإرهاب وظاهرة الجريمة الكبرى وظاهرة الفساد والْيَوْمَ ظاهرة تردي وضعية الفنان المحترف
أقرأ مشروع القانون الجديد و أرى حديثا عن بطاقة التعريف و خطية مالية و عقوبة سجنية في حال الامتناع عن دفع الخطية وتقنين الإبداع...ألخ يتملكني الرعب و الألم و خيبة الأمل لأني أرى في نفس الوقت مع صدور مشروع القانون رجوعا رهيبا إلى المنظومة النوفمبرية : وزراء بن علي-البوليس الأكبر- في كل مكان ، منظرو ديكتاتوريته يصولون ويجولون في كل مكان يحثّون السياسيين والبرلمانيين والناس العاديين على الرجوع إلى زمن الأمن والأمان.

أنا ممثل مسرحي هاو لا أريد أن أقيد نفسي ببطاقة التعريف أو الاحتراف. لم أطلب في حياتي مليما واحدا من الوزارة للدعم. أرى نفسي الْيَوْمَ أمثل خطرا على الفنانين المحترفين. كيف لا وأنا أقضي جل وقت الفراغ على الركح أشارك في المسرحيات وأتلقى شكر وذم النقاد طيلة مسيرتي المسرحية الصغيرة التي بدأت عام 2004 .
أكتب المسرحيات لنفسي وأدعو أصدقائي المخرجين الهاوين ليعينوني على إنتاج المسرحيات وعرضها للعموم ونحصل بعض المال لكي ندعم بأنفسنا إنتاجاتنا وندفع تكاليف عروضنا هكذا أصبحنا في عيون هذا القانون سبب العلة ومكمن الداء كله.
مرحى إذا بهذا القانون الذي يشفي الغليل.

غدا سيأتي شرطي الثقافة إلى المسرح ويراني على الركح بعد أن حصل من الواشين ما يفيد بِأني ممثل لا يحمل بطاقة احتراف وسيقوم بواجبه الوطني وينزلني من على الركح لكني سأقاوم لأني لم أتعود الاستسلام بسهولة وسيضطر الشرطي لاستعمال العنف الشرعي ليقتادني إلى أحد المخافر ويفرح بي.
هل أدفع خطية الخمسة آلاف دينار لتفادي العنف الشرعي لأمننا الجمهوري؟

هل أرفض الدفع حتى يُزج بي في السجن وأصبح ذاك الفنان المقاوم الذي بقي وصمة عار الثورة التونسية؟
أم أترك عملي ومسماري المرشوق في الحائط والذي حماني طيلة السنين من مخاطر الخصاصة ثم أتقدم بمطلب في بطاقة الاحتراف؟

ما لا يفهمه هذا القانون أني اخترت أن أكون فنانا هاويا حتى أكون فنانا حرا، أُقدم فنا كما أرى أنا لا كما يرى صاحب الدعم في وزارة الثقافة أو كما يرى صاحب رأس المال الذي يرغمني بطريقة أو بأخرى على فعل الفن المربح فن التجارة والمال و الأعمال فن العائد على الاستثمار لعل هذا القانون الجديد لا يفهم معنى الحرية أصلا.
يا خيبتي في وطني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115