Print this page

مزيدا من الطوباوية لمواجهة مصاعب: الوطن !

بقلم: حمادي بن جاء بالله
تقول الأساطير إن كبير آلهة اليونان زوس المستورد من ثقافة قدماء المصرين حيث كان يسمّى أوزيريس كما يقول هيرودوت,

وهب الملك «ميداس» –جزاء له على ما قدم من خدمات - القدرة على تحويل النحاس إلى ذهب. ومن أعجب ما لا يلام المرء على أن يعجب له «قدرة الأحزاب التونسية –وما أكثرها ! -على تحويل الذهب إلى نحاس». فليس ثمة ما يفسر- موضوعيا – سقوط تلك الاحزاب –وهي وطنية الهوية والعشق بلا منازع - في متاهات مفضية بطبعها إلى إفلاس الثورة وذهاب الوطن! ومن ثمة كان لقاؤها - ولو على كره وعلى غير ميعاد – مع الإسلام السياسي الذي لم يستطع حتى اليوم – مع الاسف الشديد - إقامة الدليل المقنع على التزامه –حق الالتزام – بقضايا الحرية وهموم الوطن. وليس أدل على ذلك من تراخيه وصمته الرسمي على مقترحات رئيس الجمهورية الهادفة في مجملها إلى تجاوز الحيف الذي لحق المرأة قرونا طويلة,

فضلا عن أنه لم يحسم أمره بعد ليرتقي إلى مستوى إدراك الفرق كبير بين «المأجور» و«المناضل» و بين المطالبين «بالتعويضات» العيني منها والنقدي حتى استنزاف قدرة الاقتصاد الوطني على النهوض من ناحية والمطالبين بالحق في «الشغل والحرية والكرامة الوطنية» حتى ولو كلفتهم تلك المطالب العالية «آلام أيوب» من ناحية أخرى ولنا في كتاب الأستاذ فتحي اليسير بعنوان «دولة الهواة: سنتان من حكم الترويكا في تونس» ما يكفي من المعلومات الموثقة والشواهد الأمينة عما تعرضت له تونس من تخريب متساوق الأبعاد على يدي من رفعناهم إلى حكمنا يومئذ. ومع ذلك فإن تونس الموجوعة الصابرة تتيح لهؤلاء جميعا اليوم فرصة نادرة لمحاسبة النفس «وإصلاح المسار» والتوبة النصوح.وهل يكون ذلك إلاّ بمصارحة الشعب –في أدنى التقدير - بما اقترف من آثام في حقه منذ قيام الثورة الوطنية ؟.

غير أن الأهم من ذلك فيما يتصل بتراخي الأحزاب الوطنية المعوّل عليها في عملية إنقاذ الوطن «أنه ليس أدل على ما نتهمها به من أن شباب مدرسة الجمهورية أهدى تونس ثورة لا سابقة لها في التاريخ الوطني» ولا في التاريخ العربي والإسلامي فإذا «بالأحزاب» توشك أن تحولها إلى «كابوس» يشقى به الفقير «ويغتم له الأقل فقرا» وتحار في فهم أسبابه الألباب. هل هو تنكيل من تلك الأحزاب بسيدة جميع نساء الأرض «تونس» وقد أرادوه –دون شك - برّا بها؟ أليس من البرّ ما يكون أضرّ من العقوق؟ وهل عقوق أشد من السكوت عن آلام الحرّة تخشى اليوم أن يتملّكها بغل غدا ؟
كيف لمن كان وطني الهوية والهوى من أحزاب تونس أن لا يؤرقه ما نحن مقبلون عليه من مغامرات مصيرية «هي خمسة أيام حسوما» فيها فصل المقال في مستقبل تونس - أرضا وشعبا وانجازات وقيما ورموزا وطموحات - في المدى القريب والمدى المتوسط في أقل تقدير: يوم الانتخابات المحلية ويوم الانتخابات الجهوية ويوم الانتخابات الإقليمية ويوم الانتخابات

التشريعية ويوم الانتخابات الرئاسية؟
وكيف لمن تفكّر في تلك الأيام أن لا يلعن ألف مرة ما عليه أحزابنا من انتفاخ ورمي «وتشرذم صبياني» وضيق أفق فكري ؟ ليس لي أن أقسم التونسيين الى «وطني» و«لاوطني» وليس من حقي أن أتهم أيا كان بالخيانة حتى من كان ولاؤه اليوم لغير تونس «لا لأن توجيه التهم جزائيا من خصائص القضاء وحده «ونحن في انتظار كلمته» ولكن – وهو المهم - لأن الواجب الأخلاقي والسياسي يحضني على ألاّ أيأس من عودة من تاهت به السبل إلى حضن الوطن. ولا يستثني العاقل من نعيم تلك التوبة المرتقبة «الاسلام السياسي» بجميع أطيافه «صقورا» و«حماما»، «معتدلين» و«متطرفين» و«محجّبات» و«منقبات». والحق أن الأهم من ذلك كله أن تونس اليوم أحرص ما تكون على أن تستعيد غدا بالانتخاب ما سرق منها بالأمس بالانتخاب حتى ولو كانت شكوكنا عليها من قبيل تلك التي لا يمكن دفعها.

وليس «أرزن» من التونسي حين يميز بين «الشرعية» و«القانونية» فيشك شكا لا دافع له في شرعية انتخابات 2011 و«يسلّم مع ذلك بنتائجها» ويخضع لما لزم عليها من قوانين وسلطات دليلا صادقا منه على رغبته في الديمقراطية الفعلية وإيمانا عميقا – وان لم ينظّره – بأن الحرية جوهر الوجود البشري، وأساس النظام الاجتماعي السليم وأقوم السبل إلى تحقيق التنمية الشاملة.

صحيح أن التونسي حاول تدارك الأمر باعتصام الرحيل وبحكمة الرباعي الوطني من ناحية و بانتخابات 2014 من ناحية أخرى. غير أن نتائج أخطائه كانت فادحة فلم يوفق على مغالبتها الا بعض التوفيق الذي لم يؤهله إلى إقامة حكم رشيد ينأى به عن «المحاصة» وهو ما زاد في مصاعب وجوده اليومي وضاعف أخطار غده الآتي.

لذلك يذهب بي التقدير اليوم إلى أن الواجب عامة وواجب الأحزاب الوطنية خاصة يقضي بإعانة التونسي على استرجاع كامل سيادته على مصيره في جميع المواعيد الانتخابية المقبلة. ومن شروط إمكان ذلك أن تكون تلك الأحزاب أكثر «طوباوية» أو قل أكثر «مثالية» وأبعد جسارة وأقل «واقعية» أو قل أقلّ سذاجة و رضى بالمتاح فتعمل –مهما كانت التضحيات والتنازلات-على تحقيق وحدة سياسية عالية أو – في الأقل – على بناء ائتلاف مدني انتخابي يضم شتات من لا ولاء لهم إلا لتونس ولتونس وحدها يكون آلتها إلى الفوز في جميع المواعيد الانتخابية المذكورة.

وإذ أدعو واعيا إلى ضرب من «الطوباوية» فلأنها عندي من متطلبات النأي بالذات عن سفساف الامور سلبا وهي من سمات علو الهمة وبعد النظر وصلابة الإرادة ايجابا. فالصغير السهل لصغار الناس وضعيفى الإرادة والكبير الصعب لعلية القوم كبار النفوس. واني على يقين راسخ أن إطارات الأحزاب الوطنية التونسية وقادتها على غاية من رهافة الحس السياسي، وأنهم لقادرون – في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا المعاصر - على نكران الذات وتجاوز الخلافات ورتق الفتق ولحم الشق حتى تكون لهم من أنفسهم أعظم قوة على حسر انتشار ثقافة الحقد وقهر «قوى المال الفاسد» وفضح دجل «فضائيات البيترو- دولار» ورد كيد «الاستعمار» الداخلي منه والخارجي.

ويقيني أن جميع المنظمات الوطنية - وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة التونسية على مواعيد مع التاريخ أهم بكثير من الفوز بجائزة نوبل مجددا . إنها مواعيد تونس الانتخابية التي عليها يتوقف مصير الديمقراطية وسلامة الوطن في الغد القريب .وانها حظوظ وافرة لم تجتمع من قبل لأية قيادة في تاريخ جميع تلك المنظمات . ومما يزيد الجميع فخرا التفافهم الأكيد حول قواتنا المسلحة الضامنة لأمننا وحريتنا والمساهمة الناجعة في حربنا ضد الفساد باعتباره من ضرورات حماية اقتصادنا.
ذلك أضعف الإيمان.وهو اليوم ادني الواجب نحو تونس ونحو ثورة شباب تونس من أجل «الشغل والحرية والكرامة الوطنية». وما ذلك بعزيز على جيل ربته مدرسة الجمهورية على الحرص على ان تبقى تونس حرة مستقلة ابد الدهر.

المشاركة في هذا المقال