القدس.. المعركة الأخيرة للريّس «أبو عمار»

عبد المجيد المسلمي
(عضو الجبهة الشعبية)

هل تريدون سيدي الرئيس أن تمشوا في جنازتي ؟؟؟هكذا أجاب الزعيم الراحل ياسر عرفات على مقترح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون في مفاوضات كامب دافيد 2 في شهر جويلية 2000 و الداعي إلى وضع الحرم الشريف تحت السيطرة الإسرائيلية و إنشاء معبد لليهود في ساحة المسجد الأقصى. ثم أردف «الريس» أبو عمار بكل برود و لكن بعزيمة و إصرار لن يلين: إنني ارفض التفريط و لو بشبر واحد في الحرم الشريف حتى و لو عرضتم علي استرجاع حيفا و يافا في مقابل ذلك.....و انتهى النقاش إلى ذلك الحد ورفعت الجلسة....

مؤامرة على القدس في كامب دافيد 2 
 لقد كانت القدس في قلب المعركة خلال  قمة كامب دافيد 2 التي شارك فيها الزعيم الراحل ياسر عرفات بين 11 و25 جويلية 2000 إلى جانب الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود براك. و قد اعتبر ابو عمار أن الأسبوعين اللذان  قضاهما في المفاوضات في كامب دافيد كانت أقسى عليه من حصار بيروت و القصف الذي تعرضت له لمدة تزيد عن الشهرين في صيف 1982. فإن اتفاقيات أوسلو والتي تم إمضاء مبادئها الأساسية في البيت الأبيض في13 سبتمبر 1993 كانت تفترض مرحلتين: الأولى تتضمن مرحلة انتقالية يتم فيها النقل التدريجي للسلطة على الضفة الغربية وقطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي إلى السلطة الفلسطينية، وتبدأ هذه المرحلة في ماي 1994 و تنتهي في شهر

ماي 1996 . أما المرحلة الثانية فتتضمن مفاوضات الحل النهائي والتي ستناقش فيه القضايا  النهائية و بصورة خاصة: القدس و اللاجئون والمستوطنات والحدود والمسائل الأمنية. و من المفترض حسب أجندة  أوسلو أن يبدأ التفاوض في قضايا الحل النهائي سنة 1996 لينتهي في سنة 1999.

لقد فشل مسار أوسلو نتيجة تعنت الكيان الصهيوني ورفضه تطبيق بنود المرحلة الأولى في اتفاق اوسلو و بصورة خاصة الإنسحاب من الأراضي التي تم الإتفاق عليها. و أمام الضغط الدولي المتزايد للاستجابة لاستحقاقات السلام في المنطقة أقنع إيهود براك الرئيس بيل كلينتون بضرورة الدعوة إلى قمة ثلاثية مغلقة بين ياسر عرفات وإيهود براك وبيل كلينتون  تمتد على فترة طويلة و يتمكن فيها هؤلاء الأطراف من توقيع اتفاق تاريخي ينهي صراعا تواصل على مدى قرن من الزمان.و قد صور له الأمر بمثابة الإنجاز التاريخي لبيل كلينتون على مسافة بضعة أسابيع من نهاية عهدته الثانية بالبيت الأبيض. و قد اقترح منتجع كامب دافيد لعقد هذه القمة من باب التبرك و الحال أنها شهدت إبرام أول اتفاقية سلام مع إسرائيل وقعها أنذاك الرئيس المصري الراحل أنور السادات وكان جيمي كارتار عراب الإتفاق.

أبو عمار يتصدى للمؤامرة
لقد وجد الزعيم الفلسطيني و وفده التفاوضي في كامب دافيد حلفا أمريكيا صهيونيا برئاسة كلينتون- براك يسعى بكل الوسائل لفرض خطة استسلامية و اتفاق نهائي على الفلسطينيين  لا يستجيب للحدود الدنيا لمطالب الشعب الفلسطيني و تطلعاته. و قد أجمع كل الملاحظين على أن المفاوضات لم تتقدم بصورة ملموسة في اللجان الأربع التي تم تشكيلها: القدس، اللاجؤون، المستوطنات ثم الحدود و المسائل الأمنية.. ففي ملف القدس، قدم الإسرائليون والأمريكيون فكرة مذهلة لم تتجرأ عليها كل الحكومات الإسرائيلية السابقة والمتمثلة في اقتسام السيادة على الحرم الشريف. و قد رفض الزعيم عرفات رفضا باتا هذه الفكرة لهذا أجاب عرفات على أحد مستشاري الرئيس كلينتون الذي اقترح السماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى إنني أرفض التفريط في أي شبر من الحرم الشريف حتى ولو كانت حيفا و يافا مقابلا لذلك. و اعتبر بعض الملاحظين أن القمة انتهت عند هذه النقطة. و في ما يخص المستوطنات، أراد الوفد الأمريكي الإسرائيلي ضم  كتل استعمارية يقطنها ما يقارب 250 ألف مستوطن بما من شأنه أن يوسع الأراضي الإسرائيلية ويطوق القدس الشرقية

بمساحات شاسعة من المستوطنات ويعزلها عن عمقها الفلسطيني. كما شكلت قضية اللاجئين عقبة رئيسية في هذه المفاوضات. ففي حين تمسك الوفد الفلسطيني بحق العودة استنادا إلى قرار مجلس الأمن عدد 194، رفض الإسرائيليون مبدأ حق العودة  رفضا باتا بل على العكس من ذلك طالبوا بالتعويض لليهود عن أملاكهم التي تركوها في البلدان العربية حينما اختاروا الهجرة إلى الأرض الموعودة. لقد وصفت الدوائر الأمريكية والإسرائيلية مقترحات إيهود براك  بأنها كانت سخية و حمل الريس كلينتون الزعيم أبو عمار مسؤولية انهيار المفاوضات. ويشير شارل اندرلان في كتابه « انكسار حلم»  والذي اعتمد على لقاءات بالأطراف التي تفاوضت في كامب دافيد بان الدولة التي اقترحها براك على الفلسطيينيين كانت ذات سيادة جد محدودة و بان إسرائيل كانت ستضم 9,5 ٪ من  أراضي الضفة الغربية و أن ضم 80 بالمائة من المستوطنات كان سيمزق أوصال الضفة الغربية.

 انتفاضة الأقصى
بحسب رأي كلوفيتس فإن الحرب هي مواصلة للتفاوض بأشكال أخرى. فعندما عجزت حكومة الكيان الصهيوني على فرض مخططها الاستسلامي بالتفاوض في كامب دافيد في صيف سنة 2000 عملت على فرضه بالقوة العسكرية. فأعطى إيهود براك الضوء الأخضر لأريال شارون لزيارة المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000، مما فجر شرارة الغضب الفلسطيني و أشعل انتفاضة الأقصى التي تواصل لهيبها لمدة سنوات و شكلت حالة نهوض ثوري وانتفاضة متفردة لا فقط في المنطقة العربية بل في سائر أنحاء العالم.

لقد حمّل الحلف الصهيوني الأمريكي فشل مفاوضات كامب دافيد للزعيم ياسر عرفات و اتخذ القرار بمحاصرته إعدادا لتصفيته الجسدية. لكن أبو عمار بقي شامخا كالجبل الذي تعجز عن زحزحته الرياح يلهم  الانتفاضة ويدعمها و يباركها و يرفض أي صفقات مهينة للقضاء عليها و بقي محاصرا في المقاطعة برام الله لمدة سنتين و مقره يتعرض للقصف من الاحتلال الصهيوني الغاشم. مرددا « يريدونني سجينا أو طريدا أقول لهم سأكون شهيدا شهيدا شهيدا....» وقد صدق الزعيم في قوله فمات ميتة الأبطال شهيدا محاصرا من طرف قوات الاحتلال الغاشم، ملهما أبناء الأمة العربية وجميع المكافحين ضد الاستعمار و الاستغلال في العالم

هكذا يعيد التاريخ نفسه. و يقرر الرئيس «ترامب» نقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية إلى القدس مستفزا مشاعر الملايين الذين سينتفضون رفضا لهذا القرار الصهيوني. وستبقى القدس جوهر الصراع مع العدو الصهيوني و حلفاءه الإمبرياليين وسيتصدى الشعب الفلسطيني من جديد لمثل هذه المؤامرات ولتبقى القدس أبدا عاصمة الدولة الفلسطينية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115