الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومنوال التنمية البديل الاعتراف والتأسيس والتموقع

بقلم : لطفي بن عيسى (منسق المبادرة التشريعية للإتحاد العام التونسي للشغل) 

ستعرض قريبا على أنظار مجلس نواب الشعب مبادرة تشريعية تتعلق بتأسيس قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أطلقها الإتحاد العام التونسي للشغل منذ سنتين في إطار مقاربة تشاركية شملت المكونات الأساسية للمجتمع المدني والاقتصاد الاجتماعي والشبكات المختصة في المجال والوزارات المعنية بالقطاع. وتتمثل المبادرة في مشروع قانون أساسي أعده فريق من الخبراء بتكليف من قيادة الاتحاد وبدعم من منظمة العمل الدولية سيدرج في الأسابيع القادمة ضمن جدول أعمال جلسة عمل وزارية للنظر فيه قبل إحالته إلى المجلس النيابي.
بعد الاعتراف السياسي بالدور التنموي لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني نحن اليوم بصدد تأسيسه القانوني بدءا بسن قانون أساسي مرجعي للقطاع ثم من خلال مراجعة الترتيبات الخصوصية لكل مكون من مكوناته وذلك تمهيدا لتموقعه الاستراتيجي كقطاع قائم بذاته ضمن منوال التنمية البديل إلى جانب القطاعين العام والخاص.

• نشأة فكرة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
إذا رجعنا إلى العهود القديمة أو العصر الوسيط سنجد أنماطا تقليدية متعددة للنشاط التعاوني في كل المجتمعات الإنسانية بما في ذلك المجتمع التونسي حيث كانت المعونة أو التويزة تجسم نمطا متداولا للعمل التعاوني في بلدان شمال إفريقيا القائم على الانتماء العشائري خاصة في مواسم الحرث والحصاد و جني الزيتون وغيرها من الأشغال والأعمال التضامنية.
في العصر الحديث اقترن بروز القطاع التعاوني وتناميه بولادة الثورة الصناعية والتحولات التي أحدثتها على مستوى التركيبة الاجتماعية حيث انتقلنا من نظام إنتاج زراعي إقطاعي إلى نظام إنتاج صناعي رأسمالي خلق طبقة اجتماعية جديدة هي الطبقة العاملة التي كان عليها أن تواجه أوضاعا سمتها الأساسية الفقر والهشاشة بفعل الاستغلال الفاحش لقوة عملها والأزمات الدورية التي بات يشهدها النظام الرأسمالي.

ميدانيا تشكلت الجمعيات التعاونية وتعاضديات الإنتاج والاستهلاك لغاية تخفيف الأضرار الاجتماعية التي لحقت بالفئات الكادحة وذلك من خلال توفير ما تحتاجه من الغذاء والعلاج والسكن وغيرها من الحاجيات الأساسية لإعادة إنتاج قوة عملها بأسعار في متناولها.

فكريا ظهر جيل من المنظرين لمدن فاضلة (سان سيمون Saint Simon وفوريي Fourrier وكابيه Cabet وأوين «Owen» هندست في شكل مجموعات تضامنية منغلقة ومنفصلة تماما عن محيطها الاجتماعي الرأسمالي تجمع بين العمل والسكن والاستهلاك والثقافة غير أنها لم تعمر طويلا وكانت محل نقد صارم من قبل منظري الاشتراكية العلمية ماركس ورفيق دربه أنجلس صاحب المؤلف الشهير «الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية».

ثم كان ربيع الشعوب الأوروبية مع اندلاع ثورات سنة 1848 الاجتماعية في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر وغيرها من البلدان الأوروبية وبعدها الحرب العالمية الأولى (حيث تضاعف عدد المتعاضدين من خلال انتشار تعاضديات الاستهلاك المدعومة من الدولة كالمخابز والعطريات) وكذلك الثورات والتجارب الاشتراكية في القرن الماضي وقد وفرت كلها مناخا ملائما لتطوير منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى المفهومي والمؤسساتي والتشريعي.

وفي الفترة الأخيرة ساهمت أزمات الرأسمالية العالمية في تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية (التسريح المكثف للعمال والأجراء) والبيئية والمناخية (الإنتاج والاستهلاك المشطين والمستنفدين لموارد كوكبنا المحدودة) في مجتمعاتنا بشكل مأساوي وذلك من خلال ارتفاع حاد في معدلات البطالة (خاصة لدى الشباب المتعلم) وزعزعة المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتوسع الخطير للاقتصاد الموازي والتهريب وتزايد الفقر والإقصاء لدى الفئات الكادحة وتدهور الظروف المعيشية للطبقة الوسطى التي باتت رقعتها الاجتماعية تتقلص يوما بعد يوم .

والفضل الوحيد لهذه الأزمات أنها كشفت فاعلا جديدا في المجال الاقتصادي يسمى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وساعدت على الاعتراف به كقطاع قائم بذاته وكنمط خاص لملكية وسائل الإنتاج الذي صمد بفضل التزامه الصارم بمبادئه الأساسية الكونية التي وضعها اثنان وعشرون رائدا في مجال الاقتصاد الاجتماعي منذ سنة 1844 في مدينة «روكدايل» بانقلترا والتي أصبحت المرجع الأساسي للاتحاد الدولي للتعاضد وبفضل إضافته النوعية في المجال التنموي في مستوى الإنتاج والتوزيع والاستهلاك كما في مجالي الحوكمة والتمويل.

توسعت منظومة الاقتصاد الاجتماعي التي تصنف مكوناتها وفق صبغتها القانونية (تعاضديات وتعاونيات وجمعيات الخ) لتشمل الاقتصاد التضامني الذي تراعى فيه الغاية الاجتماعية لنشاط المؤسسة بقطع النظرعن صبغتها القانونية كالتجارة المنصفة (commerce équitable) مثلا التي تتعاطاها بعض الشركات التجارية.

- الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في العالم
يبلغ مناب قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قرابة 10٪ من الناتج الداخلي الخام في بلدان الإتحاد الأوروبي حيث تحدث سنويا واحدة من أربع مؤسسات تحت هذا العنوان.
في بلدان أخرى تأسس هذا القطاع بمسميات مغايرة مرتبطة بهوياتها الثقافية ك :
«الإقتصاد الشعبي» (économie populaire)في بلدان أمريكا اللاتينية (البرازيل وبوليفيا وغيرها من البلدان) أين يطرح كبديل للرأسمالية .
«النشاط غير الربحي» (not profit activities) في البلدان الأنغلوسكسونية (الولايات المتحدة الأمريكية وزيلندا الجديدة واستراليا) حيث يعرف كنشاط اقتصادي سلعي في خدمة هدف اجتماعي ويركز على عائدات الاستثمار الاجتماعي (retour sur investissement social) وليس المالي وهو يعمل بمنطق السوق ولكنه يخصص الأرباح التجارية التي يحققها لتنمية مشاريع ذات صبغة اجتماعية.
ريادة الأعمال الإجتماعية (entreprenariat social) الذي يوفق بين الحاجيات الاجتماعية والبيئية والمردودية الإقتصادية وذلك بناء على تجربة الإقتراض الصغير التي خاضها رجل الإقتصاد والأعمال البنغالي محمد يونس من خلال تجربة «غرامين بنك».

- الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس
في تونس لازم النشاط التعاوني تاريخيا النضال النقابي منذ البداية مع تجربة محمد علي الحامي (1924) حيث تأسست تعاضديات الاستهلاك تزامنا مع تكوين النقابات بل طبعت أفكار الاقتصاد التعاوني برنامج الإتحاد العام التونسي للشغل الإقتصادي والإجتماعي الذي صيغ في الخمسينات من القرن الماضي والذي شكل إحداث نسيج تعاضدي وتعاوني مسنود ببنك الشعب أحد ترجماته الميدانية آنذاك.
غير أن تجربة التعاضد في الستينات رافقها اقتصاد موجه قائم على سياسة تسلطية ضاربة عرض الحائط أحد أهم أركان العمل التعاوني ألا وهو الانخراط الطوعي والاستقلالية التي نسفها احتكار الدولة وتغول الجهاز الإداري البيروقراطي.
بعد خمس سنوات من الاستقلال استبدلت الدولة السياسة الليبرالية باقتصاد الدولة من خلال اعتماد مخطط عشري للتنمية (1962 - 1971) شرعت بمقتضاه في تأميم الأراضي التي كانت بيد المستعمر (800  ألف هكتار) وتحويلها إلى ضيعات تعاضدية تابعة للدولة.
وقد أدى المسار التعاضدي الاجباري إلى اندماج 90 ٪ من القطاع الفلاحي في النظام التعاوني. وفي سنة 1969 بات القطاع العمومي يغطي كامل النشاط التجاري (الجملة والتفصيل) وقسطا هاما من القطاع الصناعي وكذلك تقريبا كامل قطاع الخدمات. و كانت منظومة التعاضد قد شملت 4.7 مليون هكتار مقسمة بين 1994 وحدة تعاضدية لم يتبق منها في أوائل سنة 1971 بعد انهيار النظام التعاضدي سوى 358 وحدة تغطي 700 ألف هكتار.
اليوم يجدد الإتحاد العام التونسي للشغل انخراطه في منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على ضوء قراءة نقدية للتجارب الماضية والالتزام بالمبادئ الكونية التي تأسس عليها وذلك من خلال إطلاق مبادرة تشريعية وتأسيسية للقطاع بعد كسب معركة الاعتراف به حكوميا وذلك بالتنصيص عليه كرافد للتنمية ضمن المخطط الخماسي 2016 - 2020 وانجاز وزارة التنمية والتعاون الدولي دراسة إستراتيجية حول القطاع فضلا عن اهتمام المنظمات الدولية المتزايد وحرصها على النهوض به في بلادنا.

- تشخيص واقع مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
سبقت صياغة مشروع القانون الأساسي عملية تشخيص لواقع المكونات الأساسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني (الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية وتعاضديات الإنتاج ومجامع التنمية والتعاونيات والجمعيات) وكذلك عملية جرد نقدي لكامل النصوص القانونية والترتيبية التي تنظم نشاطها وإعداد دراسة مقارنة للتشاريع الأجنبية للاستئناس بها وكذلك تقديم تصورات لكيفية هيكلته و تمويله.

- الهياكل المهنية الفلاحية
يتميزالقطاع الفلاحي بتجزئة كبيرة للأرض حيث أن قرابة 90 ٪ من المزارع لا تتجاوز مساحتها 20 هكتار في حين أن المزارع التي تغطي مساحتها 100 هكتار فأكثر لا تتجاوز نسبتها 1 ٪ من جملة المزارع. ولا يقع استعمال سوى 10 ٪ من الجرارات بصفة جماعية كما أن نصف الجرارات وآلات الحصاد تجاوز عمرها 10 سنوات. زد على ذلك ضعف عنصر التأطير ومرافقة المستثمرين ومحدودية استعمال تقنيات الإنتاج الحديثة وعدم ملاءمة مسالك التوزيع وغياب تثمين المنتجات الفلاحية والتدخل المباشر لسلط الإشراف وانخرام التصرف المالي وعدم احترام الإجراءات الترتيبية ومحدودية الحوافز والتعقيدات الإدارية عند الانتصاب وتشتت الفلاحين وضعف إمكانياتهم وهوما فتح الباب أمام الاحتكار والمضاربات.
تنحصر الهياكل المهنية الفلاحية اليوم أساسا في صنفين إثنين هما الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية المهتمة بالجانب الإقتصادي والتجاري ومجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصيد البحري التي تعنى بالتصرف في الموارد الطبيعية (خاصة المائية) تضاف إليهما ما تبقى من الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي المنتصبة في الأراضي الدولية.
توجد اليوم 234 شركة تعاونية للخدمات الفلاحية ناشطة منها 220 أساسية و14 مركزية و لها 27.000 منخرط يمثلون نسبة 6 ٪ فقط من جملة الفلاحين وتتمركز بنسبة 70 ٪ على الشريط الساحلي و40 ٪ منها مختصة في نشاط جمع الحليب وتشغل 4210 عون أجيركما أن نصف الشركات التعاونية تفتقد لمحاسبة ولا تجدد مجلس إدارتها و84 ٪ من الفلاحين لا يتجاوز مستواهم التعليمي المدرسة الابتدائية فيما بلغ حجم التداين لديهم مستويات لا تطاق.
أما مجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصيد البحري فعددها 2900 وحدة تشغل 3880 أجير (ليس لها نشاط ربحي بمقتضى القانون).
أخيرا لا يتجاوز عدد الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي 18 وحدة وتشغل 700 أجيرفقط .

- التعاونيات
بلغ عددها 41 تعاونية : - 13 في القطاع العام (التعليم ، الثقافة ، النقل، الصحة، الفلاحة ، الخ ). - 17 في القطاع شبه العمومي (مؤسسات عمومية ذات صبغة إدارية وغير إدارية) - 11 في القطاع الخاص (المتقاعدين والصحفيين والبنوك إلخ)
يخضع هذا القطاع لتشاريع قديمة : الأمر العلي لسنة 1954 وقراران لسنتي 1961 و 1984. وقد تم إعداد مشروع جديد لمجلة التعاونيات من قبل الهيئة العامة للتأمين سنة 2015 لم يحط بتأييد واسع. هذا ويشكو القطاع نقائص عدة تتعلق أهمها بــ:
- التشريع : غياب التناغم بين الإطار التشريعي للتعاونيات والنصوص القانونية اللاحقة على غرار القانون الجديد للتأمين على المرض .
- التنظيم : عدم احترام دورية انعقاد الجلسات العامة وغياب أنظمة داخلية تحدد شروط وإجراءات تطبيق القوانين الأساسية للتعاونيات وكذلك لجنة مراقبة حسابات جدية.
- التصرف : إخضاع كل التعاونيات المتفاوتة الميزانيات لنفس النظام المالي (مسك دفتر مداخيل ومصاريف) وغياب كل من موازنات تعكس الوضعية الحقيقية للتعاونيات (ممتلكاتها من العقارات والمساهمات) وقواعد وإجراءات تتعلق بإبرام الصفقات ودليل إجراءات خاص بالتعاونيات.
- التسيير : غياب الكفاءات والخبرة في خصوص المكلفين بالتسيير الإداري والمالي والوثائق المحاسبية المثبتة لمداخيل ومصاريف بعض التعاونيات و شروط توظيف أموال التعاونية واستثمارها لدى البنوك.
- الرقابة : ضعف الرقابة الداخلية وعدم احترام الآجال المحددة لإحالة التقارير والموازنات المالية إلى سلط الإشراف وضعف مستوى العقوبات لردع التجاوزات.
- الجمعيات
تضاعف عدد الجمعيات ليزيد اليوم عن 19 ألف جمعية منها 280 جمعية مسندة للقروض الصغيرة تسمى الجمعيات التنموية والتي توسع نطاق نشاطها إلى عنصر التأمين شرط أن يكون الحد الأدنى من رأس المال 150 ألف دينار لكل جمعية تنموية لتمكينها من مواصلة أنشطتها الأمر الذي يعرض وجودها للخطر.

• الخلاصة العامة
يشكل تشتت النصوص المنظمة لمختلف مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وقدم البعض منها وغياب التناغم بينها العائق الأساسي أمام إقلاع هذا القطاع في بلادنا والذي لا يتجاوز إسهامه في الناتج الداخلي الخام نسبة 1٪ ما يؤكد الحاجة الملحة لوضع إطار تشريعي مرجعي يعرف بمبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني و بمكوناته ويوفرله الهيكلة الملائمة و آليات التمويل الناجعة.

مشروع القانون المؤسس للاقتصاد الاجتماعي والتضامني: الأحكام الأساسية
- التعريف بالإقتصاد الإجتماعي والتضامني وبمبادئه وأهدافه
- التعريف والمبادئ : الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو سبيل للتنمية المستدامة والمدمجة، الملائمة لكل مجالات الأنشطة الإنسانية، قوامه الحرية والكرامة والعدالة والتضامن، يشمل الذوات المعنوية التي تمارس أنشطة اقتصادية واجتماعية تستجيب لحاجيات ومصالح مشتركة ومجتمعية دون أن تكون غايتها الأساسية توزيع الأرباح ويقوم بالأساس على مبادئ أولوية الإنسان وقيمة العمل على رأس المال والمصلحة المشتركة على المصلحة الفردية ومدنية الدولة والمواطنة وعدم التمييز على أسس جنسية أو دينية أو فئوية وحرية الانخراط والانسحاب والاستقلالية والاندماج والحوكمة الرشيدة القائمة على مبادئ الشفافية والنجاعة والمسؤولية بما يضمن الجدوى الاقتصادية والمنفعة الاجتماعية والتسيير الديمقراطي باعتماد قاعدة صوت واحد للشّخص الواحد والتداول على التسيير وإعادة استثمار الجزء الأكبر من الأرباح الصافية وعدم قابلية الاحتياطات الوجوبية للقسمة أو التوزيع.
- الأهداف : تحقيق التوازن بين متطلبات الجدوى الاقتصادية وقيم التضامن الاجتماعي وتكريس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وتحقيق النمو المندمج والمدمج لفائدة كافة الفئات و تحقيق التنمية المستدامة والعادلة القائمة على التوازن بين الجهات والنهوض بالتشغيل في القطاعات التقليدية والمستحدثة عبر تنمية أنشطة مبتكرة، مع توفير العمل اللائق وتنمية قدرات المرأة والشباب وتفعيل طاقاتهم وتوسيع إسهامهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهيكلة الاقتصاد غير المنظّم والمحافظة على البيئة والثروات الطبيعية وترشيد استغلالها وتحسين جودة الحياة وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي والمحافظة على القطاع العام ودعمه .

- مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
يصنف مشروع القانون الأساسي مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى صنفين :
- المكونات المنصوص عليها وجوبا بحكم طبيعة نشاطها : التعاونيات و شركات التأمين ذات الصبغة التعاونية والشركات التعاونية للخدمات الفلاحية والتعاضديات و الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي ومؤسسات التمويل الصغير المكونة في شكل جمعياتي ومجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصّيد البحري و تجمّع المصالح الاقتصادية وتعاضديات العمّال و مؤسسات العمّال ومؤسسات العمل الاجتماعي والمؤسسات والهيئات الناشطة في مجال الإحاطة الاجتماعية
- وبصفة اختيارية الشركات التجارية التي تستجيب لشرطي الغاية الاجتماعية للنشاط وإعادة استثمار الأرباح في حدود الثلثين على الأقل في مجال موضوعها الاجتماعي باستثناء الشركات التجارية الناشطة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل وهي مرافق أساسية في عهدة الدولة.

- هيكلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
لغاية وضع حد لتشتت القطاع ينص مشروع القانون على تشبيك كل مكوناته ضمن هيئة مركزية وهيئات جهوية منتخبة لها صفة الممثل الشرعي والمخاطب الكفء لدى السلطات العمومية والأطراف الاجتماعية والمنظمات الدولية كما يحدث إطارا تشاوري حول السياسات العمومية المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وبهدف متابعة تطور القطاع وتقييم مساهمته في الناتج الداخلي الخام تنص أحكامه على بعث مرصد وطني للغرض.

- المكتب الوطني للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمكاتب الجهوية
يتولى المكتب الوطني تمثيل قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والعمل على تنميته على المستوى الوطني ويتركب من الجلسة العامة ومجلس الإدارة و الكتابة العامة.
نفس المهام موكولة للهيئات الجهوية على مستوى محلي.
المجلس الأعلى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني
هو إطار وطني للتشاور والحوار من أجل تطوير مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتأهيلها يتولى المساهمة في وضع مخطط خماسي للنهوض بهذا القطاع وتحفيز انخراط الشباب فيه ودعم مشاركة المرأة في تسيير مؤسساته وتعزيز مقومات العمل اللائق داخلها فضلا عن التعريف به في إطار المؤسسات التعليمية العمومية.

- المرصد الوطني للاقتصاد الاجتماعي والتضامني
يتابع تطور قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى الوطني ويعد الدراسات عن واقعه ويساعد على أخذ القرارات المتعلقة به ويمسك قاعدة البيانات والمعلومات الخاصة به.
ولن تكتمل الهيكلة إلا بمبادرة الدولة ببعث هيكل حكومي أفقي يشمل الوزارات والمصالح المعنية بقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني توكل له مهمة وضع السياسات العمومية الخاصة بالقطاع ومتابعتها مع الأطراف المعنية.
• آليات تمويل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
لغاية تنفيذ سياساتها العمومية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد الدولة على عدد من البنوك والصناديق العمومية كما ينتفع القطاع الخاص بخدمات ما لا يقل عن 15 بنكا مقيم وغير مقيم لتمويل استثماراته فيما تفتقد مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لذراع مالي يراعي خصوصياتها ويضمن لها استقلاليتها ما ساعد على تردي حالتها. وبناء على ذلك ينص مشروع القانون الأساسي على جملة من الإجراءات الإستراتيجية والآنية ستوفر لهذا القطاع الآليات الناجعة والأدوات الملائمة لتأسيسه والنهوض بأوضاعه.
- التمويل الذاتي القار: تقتطع المؤسسات نسبة 15 % من أرباحها الصافية في شكل مدخرات وجوبية إلى أن تبلغ نسبة 50 % من رأس مالها كحد أدنى يضمن ديمومتها زمن الأزمات ولا توزع أكثر من 35 % من نفس الأرباح ويقع إعادة استثمار الجزء المتبقي في المؤسسة (للتشغيل والتوسيع وتحسين الجودة والتكوين الخ) .
- الذراع المالي الإستراتيجي : يحدث بنك تعاوني (في أجل 3 سنوات) تكون مؤسّسات الاقتصاد الاجتماعي والتّضامني المساهم الرئيسي في رأس ماله وحريفه الأساسي لغاية توفير التمويلات الضرورية للقطاع وبشروط ميسرة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي للمشروع إلى جانب مردوديته.
- الإجراءات الآنية والظرفية : في الأثناء تفتح بالمؤسسات البنكية ولدى صندوق الودائع والأمانات خطوط تمويل خاصة بمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كما تمنح لها امتيازات مالية وجبائية خصوصية إلى أن تحقق إقلاعها وتخصّص لها نسبة من الطلبات العموميّة.

• موقع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في منوال التنمية البديل
بعد ما عرفنا بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وضبطنا مكوناته وتصورنا هيكلته وحددنا أدوات تمويله المستقل يبقى لنا أن نتساءل عن الموقع الذي يمكن أن يحتله مستقبلا في الاقتصاد التونسي هل هو مجرد قطاع إصلاحي وترميمي (secteur réparateur) يشكل متنفسا للنظام الرأسمالي التابع خاصة زمن الأزمات الحادة كما يسعى البعض إلى حصره فيه أم هو مرشح لأن يكون جزءا فاعلا ضمن منوال التنمية البديل وقاعدة ارتكاز للدولة الديمقراطية الوطنية الاجتماعية المنشودة.
جوابا نقول أن المسألة تتعلق بصراع بين خيارات إيديولوجية متعارضة : مرجعية اشتراكية وديمقراطية تعطي الأولوية للإنسان والعمل على رأس المال وللمصلحة العامة على المنفعة الخاصة مقابل مرجعية رأسمالية ليبرالية فئوية جشعة تسبق مصلحة رأس المال الخاصة على المنفعة العامة .

كما تتعلق بمقاربات إستراتيجية متباينة : إما أن تلعب الدولة والمؤسسات العمومية دور القاطرة في العمل التنموي لكن شريطة تخلصها من عوائقها الهيكلية وإعادة الاعتبار لديها لقيمتي العمل والمردودية الاقتصادية والاعتماد كذلك على قطاع خاص متشبع بثقافة الاستثمار و المسؤولية الاجتماعية وغيور على سيادة الوطن وأخيرا على قطاع تعاوني له إسهامات مميزة في المجال التنموي والتشغيلي وإما أن تتراجع الدولة عن دورها الاستثماري والاجتماعي وتترك المجال للقطاع الموازي المستفيد من تأخر القطاع الخاص وترسخ التبعية للخارج من خلال مزيد التداين والخضوع لشروط الدوائر المالية العالمية المجحفة.
أما التأثير في هذا الاتجاه أو الآخر فهو رهين موازين القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتحركة والمتقلبة في بلادنا.
راهنا يتموقع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في ثلاث نقاط تقاطع أساسية :
السوق حيث يمكنه مزاحمة القطاع الخاص بآلياته الخصوصية في القطاعات التنافسية فضلا عن فتح أفق رحبة للمنخرطين حاليا في الاقتصاد الموازي
المجتمع المدني حيث يشارك الحركات الاجتماعية والنقابية والمواطنية قضاياها الاجتماعية والبيئية.
سياسات الدولة حيث يشاركها برامجها وأهدافها التنموية والاجتماعية ضمن منظومة الجماعات المحلية وفي إطار سياسة تعاقدية مستقبلية مع السلطات الجهوية والبلدية المنتخبة.
______
(°) خبير في المالية العمومية. مستشار سابق لدى الاتحاد الوطني للتعاونيات (2007-2013). شارك في تنظيم التظاهرة المتوسطية «ربيع الالتزام التضامني «ماد أس « بتونس (2013). عضو مجلس إدارة الجمعية المتوسطية للاقتصاد الاجتماعي والتضامنيMED ESS (باريس). عضو المكتب التنفيذي للشبكة التونسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني PLATESS (تونس). مستشار لدى IESMED (برشلونة) مكلف بمهمة تكوين الفاعلين المركزيين الجزائريين الساهرين على هيكلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالجزائر في إطار برنامج حكومي مدعوم من الاتحاد الأوروبي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115