إسلام ديمقراطي أم انتحال صفة؟

بقلم: عادل اللطيفي (مؤرخ)
الإسلام الديمقراطي والمسلم الديمقراطي، مصطلحات جديدة بدأت تتحفنا بها قيادات النهضة وبخاصة رئيسها راشد الغنوشي من حين لآخر لتنضاف إلى جملة من المصطلحات الأخرى التي لا نعلم محتواها إلى اليوم مثل الفصل بين الدعوي والسياسي. ومن الواضح

بأن مصطلح الإسلام الديمقراطي يهدف إلى تعويض مصطلح الإسلام السياسي، الذي أصبح من الصعب حمل وزره نظرا لإحالاته الإخوانية وحتى الإرهابية، وذلك عبر تأكيد الانخراط في مسار الدمقرطة. ويعول الإسلاميون في تونس على مصدر استلهام المصطلح، أي الديمقراطية المسيحية في أوروبا، لإعطاء وجاهة للخطاب الجديد والإيحاء بالتخلي عن ماض لم يٌفصَح عنه. غير أن الاستنجاد بمصطلح الإسلام الديمقراطي يطرح بعض الأسئلة سواء حول طبيعة اللجوء، أي هل من باب التبني الفكري العميق أم من باب الحماية الظرفية، أو حول مصداقية المقارنة.

فاستعمال مصطلح الإسلام الديمقراطي اليوم يتعارض مع ما كتبه راشد الغنوشي في 24 أكتوبر 2013 على موقع الجزيرة حيث يقول: «إن الحركة الإسلامية المصطلح المفضل لدى الإسلاميين بديلا عما يسمى الإسلام السياسي ونعني بها جملة المناشط التي تدعو إلى الإسلام باعتباره كلمة الله الأخيرة إلى الناس ومنهاجا شاملا للحياة وخطابا للعالمين، هذا الإسلام تؤكد كل الدراسات الإحصائية أنه اليوم أكثر الديانات والمناهج الحياتية الأيديولوجية سرعة انتشار وتمدد واستقطاب للعقول والإرادات، وأن معتنقيه الأكثر استعدادا للتضحية بكل غال ونفيس من أجله وغيرة عليه والتزاما به». فمثل هذا التعريف يدمج النهضة في الحركة الإخوانية باعتبارها حركة دعوية سياسية ولا يترك مجالا لإدماجها في سياق السياسة الحديثة غير المؤسسة على مفهوم الحقيقة المطلقة الدينية. كما يزداد شكنا في مصداقية تبني المصطلح الجديد بالنظر إلى العلاقة الغامضة والمعقدة للنهضة بماضيها. إذ جرت العادة أن تتبنى مواقف وتوجهات جديدة لكن دون ذكر منطلق ذلك. فقد سبق وقيل بأن الحركة أصبحت سياسية لكن دون القول بأنها كانت حركة سياسية دينية. قيل أنه تم الفصل بين الدعوي والسياسي لكن دون أن يقال يوما بأنها حركة دعوية، مثلما قيل بأن ربطة العنق خطوة باتجاه الدولة دون أن نعلم هل كان الشيخ خارج الدولة أم لا؟ قبل أربع سنوات يتحدث الغنوشي عن الحركة الإسلامية واليوم عن الإسلام الديمقراطي، فكيف تم التحول؟

أما الجانب الثاني فيتمثل في مصداقية الاقتباس من الديمقراطية المسيحية والحال أن الفروق كبيرة والسياقات مختلفة. فالديمقراطية المسيحية لم تنبن على عقل معياري إسمه الشريعة والفقه، بل انبنت على تراث مسيحي معلمن، وبخاصة في ألمانيا اللوثرية، ترك الشأن العام للسياسة الوضعية. كما انبنت الديمقراطية المسيحية على فكرة علوية الدولة الوطنية وهويتها على الدين وليس على اعتبار الدولة والوطن من الدين وضمنه. إذ لا تتحدث الديمقراطية المسيحية عن أمة مسيحية في حين لم يتخلص الإسلاميون من مقولة الأمة الإسلامية ولو كيوتوبيا. من جهة أخرى لا تنادي الديمقراطية المسيحية باستعمال الكنائس كفضاءات للدعاية السياسية كما تتشدد النهضة في ذلك إلى اليوم في حالة المساجد. فالسماح بالدعاية السياسية في المساجد ينم عن رغبة في خلق فضاءات موازية لفضاءات السياسة المعهودة والمعدة لذلك. والأهم من ذلك حسب رأيي أن المسألة لا تنحصر في علاقة الإسلام بالديمقراطية كممارسة تقنية (تعدد أحزاب، صناديق اقتراع...) إذ لا يوجد دين مع الديمقراطية أو ضدها لأن مثل هذا السؤال مؤسس على نوع من الإسقاط التاريخي للحاضر على تجارب ماضية. فالدين تجربة تاريخية ولعب دورا كمنظومة شاملة ضمن الحضارة الزراعية ثم تحددت مجالاته باعتباره نشاطا اجتماعيا مستقلا في إطار العقلنة الشاملة للمجتمع الحديث. الموضوع غير ذلك وأعمق. وهو يتعلق بعلاقة المسلم الإسلامي وإيديولوجيته بالديمقراطية كشكل من أشكال التصرف العقلاني في إدارة الشأن البشري ضمن الدولة كأمة سياسية. أي أن إشكالية التأقلم مطروحة على الإسلامي كفاعل سياسي وليس على الإسلام كدين ولا على المسلم كمؤمن.

كما الإسلام السياسي اليوم، لم تكن المسيحية المعيارية سياسيا واجتماعيا، متأقلمة مع كل مظاهر الحداثة وبخاصة منها عقلنة مجال السياسة. لذلك كان استحضارها اليوم في السياسة في مستوى الأخلاق لا أكثر. في المقابل ما زال الإسلام السياسي يستحضر الإسلام في بعده المعياري ولعل أصدق تعبير عن ذلك هو مقولة الإسلام دين ودولة. فعوض تكرار الرقصات السيميائية في كل ظرف، على راشد الغنوشي وصحبه أن يجيبوا عن سؤال جوهري كي تتضح لنا الرؤية: هل أن الإسلام دين ودولة وما معنى ذلك؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115