مسلسل «المغرب» الصيفي نحن والفايسبوك هل يمكن أن تكون الصحافة التونسية بديلا عن الفايسبوك ؟

بقلم:الصادق الحمامي
سلسلة من المقالات الاسبوعية تستكشف علاقة التونسيين بالميديا الاجتماعية بشكل عام وبالفايسبوك على وجه الخصوص. يتناول الكاتب في هذه المقالات مسائل متعددة على غرار أسباب شعبية الفايسبوك ومكانته المتعاظمة في حياتنا الاجتماعية

وتأثيره على الحياة السياسية وعلاقته بظاهرة الإرهاب ومسائل تنظيمه أو تعديله (على غرار الميديا السمعية البصرية) ومصير المثقف والصحافة والميديا في عصر الفايسبوك.
ليس موضوع اهتمامنا في هذا المقال الخامس من سلسلة «نحن والفايسبوك» رصد نتائج الفايسبوك والميديا الاجتماعية على الصحافة والميديا في المطلق، ذلك أننا سنسعى هنا في إلى معالجة هذه الإشكالية الأساسية في السياق التونسي المخصوص. فنادرا ما يقع التفكير في تأثيرات الميديا الاجتماعية على الصحافة وقطاع الميديا التونسية حتى في الأوساط المهنية، رغم أهمية الرهان كما سنبين ذلك ورغم بعض الاهتمام العفوي الذي نراه هنا وهناك عند بعض المهنيين أو المهتمين بقطاع الميديا. فهذه الإشكالية تختزل على نحو ما كل المسائل التي تطرقنا إليها إلى الآن وعندها تتقاطع إشكاليات تنظيم الفايسبوك والمجال العمومي والانتقال الديمقراطي في بلادنا.

• الفايسبوك كاشف أزمات الميديا التونسية
رغم الحريّات السياسية الجديدة المتاحة ورغم الأطر التشريعية القانونية الجديدة المتناغمة مع المعايير الدولية والتعدد الكمّي في الصحف والإذاعات والتلفزيونات فإن قطاع الميديا يعيش في تونس أزمة هيكلية حادة وشاملة ونسقيّة (systémique): احتضار الصحافة المكتوبة المتواصل (غلق العديد من الصحف وتراجع المبيعات...) ومحدودية التنوع وجودة البرامج والأزمات التي تعاني منها العديد من المؤسسات وطرد الصحفيين في المجال السمعي البصري. ولهذه الأزمة الحادة والشاملة والنسقيّة أسباب عديدة : محدودية السوق الإشهارية وهشاشة التنظيمات والنماذج الاقتصادية (مصادر التمويل). لكن لهذه الأزمة أيضا علاقة بتحولات البيئة الثقافية ومنها تعاظم استخدام الميديا الرقمية بشكل عام والميديا الاجتماعية بشكل خاص والإعراض عن قراءة الصحف خاصة لدى الشباب وتراجع أشكال استهلاك الإذاعة والتلفزيون التقليدية. وسيؤدي هذا الانقطاع التدريجي بين الميديا التقليدية وفئات الشباب إلى نتائج وخيمة على مستقبل الصحافة.

ويمكن أيضا تفسير هذه الأزمة الشاملة والنسقيّة بالقدرات المحدودة للميديا والصحافة على الابتكار والتجديد في المضامين والبرامج وإدماج الميديا الرقمية في مختلف مراحل الإنتاج الصحفي: في قاعة الأخبار والتحقيق الميداني وفي أساليب السرد الصحفي.... مما يجعلها أيضا أزمة عرض وليست أزمة طلب فقط. ويبدو جليا أن الميديا تونسية ذات قدرة محدودة تنظيميا على التأقلم مع تحولات هذه البيئة في مستوى تنظيمها ومضامينها وعلاقتها مع الجمهور. فقد كشفت الميديا الرقمية والاجتماعية عن «أعطاب» الميديا التونسية. أما المؤسسات التي استشعرت خطورة الفايسبوك والميديا الاجتماعية بشكل عام على مصيرها فيه فتبقى محدودة جدا.

• كيف يهدد الفايسبوك الميديا التونسية ؟
يقضّي فئات من التونسيين أوقات طويلة على الفايسبوك (في البيت والعمل....) منخرطين في المحادثات اليومية أو يكتفون بالإطلاع على ما ينشره الآخرون «الأصدقاء» وصفحات الفايسبوك من فيديوهات وصور... كما أن جزءا كبيرا من المضامين الإخبارية التي يستهلكها التونسيون يجدونها في صفحات أصدقائهم ويعبر عن هذه الممارسة بمصطلح (UDC : user-distributed content) أي أن الفايسبوك يتحوّل بتعبير آخر إلى وسيط بين مواقع الميديا وجمهورها (التهديد الأوّل). فجزء متعاظم من جمهور المواقع يأتي عبر الفايسبوك (في مقابل النفاذ المباشر) يقدّره المهنيون في تونس بأكثر من النصف، مما يستوجب على الميديا التونسية الاستثمار في الحضور على منصات الميديا الاجتماعية الذي يقتضي موارد بشرية ومالية مكلفة لا تتوفر عند كل المؤسّسات.

كما يهدد الفايسبوك النموذج الاقتصادي للميديا التونسية أي قدرتها على استقطاب الإشهار (التهديد الثاني).لكن هذا التهديد الذي يمثله الفايسبوك ليس خاصا بالميديا التونسية لأنه عالمي. ففي فرنسا استحوذ فايسوك وغوغل بنسبة تكاد تكون كاملة على النمو في مجال الإشهار الرقمي على الإنترنت وفي الميديا الاجتماعية خاصة. وتسعى الميديا الفرنسية في هذا الإطار إلى التصدي إلى هذا الخطر الداهم الذي يهدد حسب المهنيين تنوع الميديا الفرنسية خاصة في سياق تنامي الإشهار في الإنترنت على حساب التلفزيون وسائر الميديا التقليدية مما دفع بعض المؤسسات إلى إقامة تحالفات على غرار مؤسستي لوموند ولوفيغارو رغم اختلافهما التحريري1 وأطلقت هيئات المنافسة في ألمانيا وفرنسا تحقيقا في الإشهار الرقمي في سياق التوقّي من سيطرة شركتي غوغل وفايسبوك على سوق الإشهار الرقمي, وهذا المثال يؤكد أن أنشطة شركات الإنترنت والميديا الاجتماعية يمكن أن تخضع إلى منظومات التنظيم (التعديل) الوطنية.

هكذا إذا أرادت المؤسسات الاقتصادية التونسية التوجه إلى الشباب التونسي فقد أرادت أن توظف تدريجيا في إستراتيجياتها الإشهارية في السنوات المقبلة الميديا التقليدية التي لا يستهلكها الشباب كالصحافة المكتوبة أو التي يستهلكها بشكل غير منتظم كالإذاعة والتلفزيون. فالفايسبوك يسعى إلى أن يتحوّل إلى من موقع إلى بيئة يقوم فيها المستخدم بكل أنواع الأنشطة دون الانتقال إلى المواقع الخارجية. وفي هذا الإطار تسعى بعض مؤسسات الميديا التونسية خاصة في مجال الإذاعة والتلفزيون إلى تطوير تقنيات الفايسبوك لتعزيز علاقتها مع الجمهور كاستخدام تقنية الفايسبوك المباشر Facebook Direct لنقل البرامج الإذاعية أو إستراتيجية ما يسمّى التلفزيون الاجتماعي social TV التي تتمثل في التسويق للبرامج التلفزيونية قبل بثها وإدارة التفاعل مع المشاهدين أثناءها وبعدها

أما التهديد الثالث فيتعلق بتأثير الفايسبوك في النموذج التحريري للصحافة التونسية أي بتعبير آخر طبيعة المضامين والأنواع الصحفية وأساليب الكتابة. وفي هذا الإطار فإن تأثير الفايسبوك يتمثل في تفضيل الميديا وخاصة المواقع والصحافة الرقمية المضامين الإخبارية التي يمكن صياغتها بشكل سريع للبقاء في سباق التنافس في الفايسبوك، وتبجيل الأخبار المثيرة للحصول على أكبر عدد ممكن من الزيارات للموقع واعتماد العناوين الطريفة، فأصبحنا نسمع في غرف الأخبار أن المقالات الطويلة تزعج الناس الذين لا يقرؤونها لأنهم يفضلون المقالات القصيرة (بعدد الكلمات).

ويمكن للفايسبوك أن يعزز الطابع التسجيلي للصحافة التونسية (التهديد الرابع) الذي تتحول فيه إلى منظومة يستخدمها الفاعلون السياسيون من أحزاب وشخصيات سياسية ومؤسسات حكومية وفاعلين المجتمع المدني لإيصال مواقفهم (التدوينات الفايسبوكية) إلى المجتمع. فالصحفيون يستخدمون الفايسبوك كمصدر للإخبار والمعلومات عبر متابعة السياسيين وإعادة نشر تدويناتهم ورصد نشاطهم، فتختزل أدوار الصحفي في الوساطة في حدّها الأدنى. ويمكن تفسير اعتماد الميديا التونسية وخاصة الصحافة الرقمية على المصادر المؤسسية (بما فيها صفحات الفايسبوك) بشكل عام بمحدودية قدرتها على النزول إلى الميدان وتطوير أنواع صحفية تفسيرية واستكشافية، مما يفسر اعتماد الصحافة على التصريحات عبر الهاتف والبلاغات الصحفية أو استطلاعات الرأي ونقل الندوات الصحفية... والتدوينات الفايسبوكية. ويمثل هذا الارتباط بالمصادر الرسمية والمؤسسية وبالفاعلين السياسيين وجها من أوجه محدودية استقلالية الصحافة الذي لا ننتبه إليه دائما.

ومن نتائج محدودية الطواقم الصحفية في الميديا التونسية تعاظم استخدام مواد ينشرها الناس كشهود عيان على أحداث ووقائع وخاصة من خلال الفيديوهات (التهديد الخامس). وإذا كان هذا النوع من الاستخدام معمولا به في الميديا العالمية فإن الصحافة التونسية لا تتوفر لديها دائما الموارد للتدقيق في المعلومات التي تستقيها من الفايسبوك فتقع، دون أن تبحث عن ذلك أحيانا، في فخ إعادة نشر الإشاعات والأخبار الزائفة والتصريحات الكاذبة. ويؤدي هذا الأمر إلى اهتزاز الثقة في الصحافة. وهناك أمثلة عديدة عن هذه الأخطاء الجسيمة. فنحن نتذكر جميعا كيف استعادت بعض المواقع معلومات تصدر في مواقع ساخرة على غرار موقع2 Lerpresse والفيديو المفبرك عن تصريحات الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي أو الصورة المفبركة المنسوبة للجزيرة والتي علّق عليها وزير البيئة عند عرضها في برنامج إخباري. ومن الأمثلة الأخرى الطريفة الإعلان عن حادث قطار في منطقة برج السدرية من ولاية بن عروس أعلنت عنه العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية قبل أن يصدر تكذيبا صادر عن الوالي ثم التتبع القضائي لمروجي الإشاعة.

ويمثل الفايسبوك كذلك مجالا خطرا بالنسبة للصحفيين لا فقط لأنه مجال الإشاعات التي يعيدون نشرها قبل التأكد منها والتحقيق فيها بل أيضا لأنه يهدد التزامهم بالأخلاقيات الصحفية وهيبتهم في المجتمع (التهديد السادس ) عندما ينخرطون في الصراع الإيديولوجي أو الاتصال العدائي (الشتم والتجريح... ) والتعبير عن آرائهم الشخصية والتعليق على الأحداث بطريقة لا تحترم فيها المعايير المهنية أو إعادة نشر أخبار زائفة. وفي هذا الإطار نجد في بعض المواثيق التحريرية (موزاييك أفم، التلفزة التونسية....) تأكيدا على أن الصحفي يلتزم في حضوره في الميديا الاجتماعية بالأخلاقيات الصحفية. ونجد هذا التأكيد في كل المواثيق التحريرية لمؤسسات الميديا العالمية لأن الأدوار التي يقوم بها الصحفي باعتبارها فاعلا اجتماعيا تقتضي أخلاقيات ونواميس سلوك مخصوصة.

• كيف يحيي الفايسبوك الوظائف التاريخية والتقليدية للصحافة ؟
أنجر عن استخدام الميديا الاجتماعية في سياق التنافس السياسي والصراع الإيديولوجي وتنامي اليمين المتطرف والشعبوي التلاعب بالإخبار بل بالوقائع وانتشار الرؤى التآمرية complotisme بل وأحيانا نفي الوقائع أصلا ونكران حدوثها (يعبر عنه بـ denialisme ). وأنتشر هذا النوع من الإستراتيجيات في تونس خاصة في الأحداث الإرهابية، عندما يدعي بعض «نشطاء الفايسبوك» أنهم يملكون حقائق بديلة وأن الوقائع التي نراها هي كاذبة.

وفي هذا الإطار أنتشر مصطلح «حقبة ما بعد الحقيقية» post truth era والذي يحيل على تعاظم أهمية الآراء على حساب الوقائع وانتشار التلاعب بها بل واختلاق وقائع بديلة. ومن الأمثلة الشهيرة إدعاء ترمب أن باراك أوباما ولد في كينيا. وفي تونس لاحظنا أيضا مثل هذه الأمثلة عن اختلاق وقائع لا وجود لها أو لا تقوم على مؤيدات حسية وعقلانية : «تونس تسبح فوق بحيرة من البترول» أو «قاعدة عسكرية أمريكية للتنصّت على الجزائر»..... هكذا يعيش الناس في «فقاعات معرفية» ينظرون إلى العالم من خلالها معتقدين أن واقعا خفيا لا نراه تحجبه عن الميديا والسلطة القوى المهيمنة..
ومثلت الانتخابات الأمريكية الأخيرة والاستفتاء على خروج بريطانيا أو بقائها في الاتحاد الأوروبي مجالا لملاحظة أخطار الفايسبوك على المسار السياسي الانتخابي وإمكانات التلاعب بإرادة الناخبين مما دفع البعض إلى التساؤل عن «الأسباب التي دفعت الكذابين إلى إفتكاك السلطة»3. فتشكّل رهان جديد بالنسبة إلى الميديا في المجتمع الديمقراطي هو أن تكون بديلا عن إستراتيجيات التضليل والدعاية والأخبار الزائفة التي أصبحت منتشرة في الفايسبوك والميديا الاجتماعية والتي تمثّل خطرا حقيقيا على الحياة الديمقراطية التي تقوم على الأقل في صيغتها المثلى على إرادة المواطنين التي يجب أن تتشكل بحرية، إذ لا معنى لمواطنين يعبرون عن إرادات تشكلت بواسطة التضليل والتلاعب ولهذا السبب تخضع الميديا السمعية البصرية إلى عملية التنظيم أو التعديل في حين تخضع الصحافة إلى عملية التنظيم الذاتي.

وأمام خطر الأخبار الزائفة وإستراتيجيات التضليل طوّرت عديد مؤسسات الميديا مبادرات في مجال ما يسمّى التحقق من الوقائع factcheking ما يجعل منها بديلا للميديا الاجتماعية. وأطلقت جريدة لوموند موقع les décodeurs يقوم بالتأكّد من تصريحات السياسيين ومن المعلومات غير المؤكدة المتداولة في الميديا الاجتماعية لمساعدة القراء على فهم الأحداث بواسطة التفسير وإدراجها في سياقها وإعطائها خلفية. وفي فرنسا كذلك تم إطلاق منصة cross check وهي منصة تجمع 37 ميديا فرنسية متحالفة للتصدي للمعلومات والأخبار الزائفة التي يمكن أن تؤثر في مسار نتائج الانتخابات الفرنسية الماضية. ودعم هذه المبادرة مشروع First Draft الذي طوره غوغل منذ سبتمبر 2016 بالتعاون مع عدد كبير من كمؤسسات الميديا العالمية ومؤسسات أكاديمية متخصصة في الصحافة لتطوير قدرة الصحفيين على التحقيق والتثبت من المعلومات واستخدام تطبيقات الميديا الاجتماعية بل إن شركات الفايسبوك انتبهت إلى خطر الأخبار الوهمية fakenews وأطلقت عدة آليات لمواجهة الأخبار الزائفة ومنها خاصة غلق الحسابات الوهمية.

• ما الحلّ ؟ أو كيف تكون الصحافة التونسية بديلا عن الفايسبوك ؟
إذا كان الفايسبوك، بما انه مجال تزدهر فيه الأخبار الوهمية والرؤى التآمرية والتلاعب بالوقائع والحملات التظليلية والدعائية والحسابات الوهمية والصفحات التي تختفي وراءها قوى سياسية وأيديولوجية، يمثل خطرا على الديمقراطيات العريقة والراسخة فما بالك بأخطاره على ديمقراطية ناشئة كالديمقراطية التونسية لا تزال في طور التشكل. وفي هذا الإطار تناولنا في المقال السابق نتائج الفايسبوك على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وبيّنا أنه بقدر ما ساهم في توسيع المجال العمومي وإظهار تنوع المجتمع التونسي وإتاحة أدوات التعبئة الاجتماعية للمواطنين بقدر ما ساهم أيضا في تفتيت المجال العمومي وسجن التونسيين في فضاءات فكرية وإيديولوجية ضيقة ومنسجمة لا تقبل الاختلاف كما انه شجع على نشر الإشاعات والاتصال العدائي الهستيري.

وستشهد بلادنا في السنتين المقبلتين انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية سيكون فيها الصراع أيضا محموما حول مصادر الأخبار وسيستخدم فيها بعض القوى السياسية وبعض «النشطاء الفايسبوكيين» كل أنواع حملات التشهير والتضليل والاستقطاب. إن السؤال الذي على المهنيين طرحه على أنفسهم يتصل بالأدوار التي عليهم آداؤها حتى تكون الصحافة بديلا عن الفايسبوك مؤسسة تقوم بأدوارها في إخبار الناخبين.

يحتاج المجتمع التونسي، إذا قبلنا بفكرة أنه يطمح إلى أن يكون مجتمعا ديمقراطيا، إلى الصحافة باعتبارها مؤسسة من مؤسسات الديمقراطية ذات وظيفة مخصوصة توفر للتونسيين أخبارا موثوقا بها يتابعون بفضلها أحداث الحياة السياسية ومضامين تفسيرية لفهم هذه الأحداث ويفهمون بها عالمهم الاجتماعي. ويبدو جليا أن الفايسبوك لا يمكن أن يقوم بالأدوار التي تقوم بها الميديا التقليدية والصحافة المهنية خاصة في مجتمع كالمجتمع التونسي الذي تزدهر فيه الصراعات الإيديولوجية وتنخرط فيه بعض مؤسسات الميديا وحتى الصحفيين في الاستقطاب السياسي وحيث يصدق المواطنون ما يشاهدونه ويقرؤونه في الفايسبوك من معلومات بلا مصدر موثوق به.

إن هذه الأخبار الموثوق بها والمضامين التفسيرية لا تأتي مما يسمّى صحافة المواطن ولا يمكن أن ينتجها «نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي» ذلك لأن المضامين الإخبارية والتفسيرية (تقارير، تحقيقات، استقصاء...) لها تكلفة اقتصادية عالية في مستوى البحث عنها وجمعها ومعالجتها ونشرها وتوزيعها ولأن الأخبار كذلك ليست المعلومات (البعض بما في ذلك الصحفيين يخلطون بين المعلومات والأخبار) التي يجب أن تخضع إلى عمليات متعددة حتى تصبح أخبارا وهذه التكلفة مرتبطة بمؤسسات وبكفاءات صحفية أي بموارد بشرية ، إضافة إلى أن الصحافة تخضع إلى المساءلة والتنظيم الذاتي.

وفي هذا الإطار فإن إصلاح الميديا التونسية العمومية والخاصة على السواء يمثل حاجة ملحة في سياق تنامي أدوار الميديا الاجتماعية في المجال العمومي وفي ممارسات استقاء الأخبار التونسيين. إن مصير صير الديمقراطية التونسية الناشئة مرتبط كذلك بجهود بتأهيل الصحافة حتى يمكن تصبح قادرة على إخبار التونسيين بطريقة جيدة ومهنية. وعلى هذا النحو يجب أن تصبح مسألة أدوار الصحافة في مواجهة الفايسبوك على وجه التحديد مشغلا أساسيا لدى المهنيين لأن الفايسبوك لا يهدد الوجود الاقتصادي للميديا فقط ولكن أيضا وظيفة الصحافة كمؤسسة من مؤسسات الديمقراطية ملتزمة بالقانون بتمثيل التنوع السياسي (كراسات الشروط الصادرة عن الهايكا) في سياق الاستقطاب السياسي والإيديولوجي.
وفي هذا الإطار فإن المبادرات التي نراها في عدة دول ديمقراطية تبقى غائبة، سواء كانت هذه المبادرات تأتي من المهنة أو من المجتمع. وهنا لا بدّ من القول بأن «التدوينات الفاسبوكية» التي تنتقد أداء الصحفيين وجودة الصحافة يجب أن لا تحجب عنا ضرورة المبادرات الفعلية التي يجب أن تأتي كذلك من الأوساط الأكاديمية أو من المواطنين أنفسهم للتصدي إلى انتشار المعلومات الكاذبة والأخبار الفاسدة.

------------
• الصادق الحمامي: أستاذ محاضر بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، له عدة مؤلفات في مجال الميديا والاتصال منها : «الميديا الجديدة»، منشورات جامعة منوبة 2012 والإعلام التونسي أفق جديد، دار بارسبكتيف للنشر 2012
الموقع : sadokhammami.com/ar

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115