منبــر: هيئة الحقيقة والكرامة: سد الشغور أم ترميم النصاب القانوني للرئيسة ؟

لا يكاد الأمر يتعلق بهيئة الحقيقة والكرامة إلا وتحدث زوبعة لتصبح حديث العام والخاص. وآخر محطة كانت بمناسبة سقوط قائمة المرشحين لسد الشغور في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب يوم 20 جوان 2017 بعد حصولها على 72 من جملة 77 المطلوبين لتمريرها.

ويرجع سبب سقوط القائمة إلى انسحاب كل الكتل النيابية من التصويت عدى كتلي النداء والنهضة لما اعتبروه خرق اللجنة الخاصة المكلفة لمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 53 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.
حيث حدد الفصل المذكور طريقتين لعمل اللجنة في اختيار قائمة أسماء المرشحين:

1ـ التوافق على كل الأسماء في قائمة واحدة ترفع للجلسة العامة للتصويت عليها بأغلبية الحاضرين على أن لا تقل عن الثلث

2 ـ في حالة عدم الاتفاق على كل أ سماء القائمة ترفع ملفات المرشحين المستوفين للشروط للجلسة العامة للتصويت عليها بأغلبية 3/5 من أصوات النواب في دورتين وإن تعذر فبالأغلبية المطلقة ويختار المجلس الحاصلين على أكثر الأصوات
كما كشفت التصريحات المتقاطعة لأعضاء اللجنة أنه وقع الاتفاق على اسمين من القائمة المحالة في حين مر الثالث بالتصويت وهي صورة مخالفة للقانون المنظم الذي يعطي اللجنة الحق في ضبط قائمة إلا في حالة التوافق على كل الأسماء ولا يفترض أن تعتمد اللجنة المكلفة التوافق والتصويت في نفس الوقت.
نذكر أن التصويت ورفع الأيدي هي القوة الضاربة لرئيسة الهيئة لتفعل ما تشاء وكيفما تشاء, فهل استأنست اللجنة بطريقة عمل الرئيسة حتى اعتمدتها ؟
وحقنا أن نتساءل عن قيمة النصوص القانونية والضوابط الدستورية إذا أمكن تجاوزها بالتصويت على مخالفتها ؟؟؟؟؟
سد الشغور أم ترميم النصاب القانوني لرئيسة الهيئة ؟

1ـ تشكو هيئة الحقيقة والكرامة حاليا من فقدان النصاب القانوني [ الشرط الأساسي لانعقاد جلسة عامة عادية ] نتيجة إقدام الرئيسة على إعفاء عضوين دفعة واحدة بتاريخ 14 أكتوبر 2016 دون أن تفكر لحظة في تداعيات هذا القرار على عمل الهيئة وسمعتها وعلى شرعية قراراتها وعلى أعمال مجلس نواب الشعب وعلى الضحايا وعلى مسار العدالة الانتقالية برمته,.
أخذت الرئيسة قرارها, وبعد ذلك الطوفان. المهم أن تمارس الرئيسة نصيبها من الاستبداد والتسلط وتخرج ذلك في خطاب التصدي لبوليس بن علي والوقوف في وجه أعداء الثورة والدولة العميقة ثم تستمتع بما تكتبه عنها بعض المواقع المأجورة بوصفها امرأة حديدية وشجاعة, دون الانتباه أن هذه الممارسات هي في الحقيقة مصادرة لهيئة مستقلة واختزال لمسار كامل لا تقدر الرئيسة ولا حماتها على احتوائه .

2 ـ لم تكن الرئيسة لتقدم على قرار بهذا الحجم وهذه التداعيات لو لم يكن لها ضوء أخضر من الجهات الداعمة .

3 ـ ربما أعتقد الداعمون أن هذه أخطاء وعثرات يمكن تجاوزها تحت ذريعة نقص التجربة واعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات أو أنهم قدروا أن [ الليقة تجيب ] و [ دز تخطف ].
ولضمان الحبكة والتغطية السياسية وتوفير الحماية تخرج أصوات بعينها للدفاع عن الخطر المحدق بمسار العدالة الإنتقالية والخوف على حقوق ضحايا الاستبداد والتهديد بشبح رجوع المنظومة القديمة في كل مرة تكون قرارات رئيسة الهيئة محل جدل. لكن بمجرد أن تغيب رئيسة الهيئة من الصورة حتى يدخل حقوق الضحايا ومسار العدالة الانتقالية طي النسيان إلى حين تفجير جديد تحدثه الرئيسة.
مع أن المطلوب كان عكس ذلك تماما.
كان على المدافعين عن مسار العدالة الانتقالية والضحايا التوقف والسؤال إن كان هناك فعلا أمر غير طبيعي يحدث في الهيئة؟ كان عليهم ممارسة ما يتمتعون به سلطة معنوية للضغط الأدبي على رئيسة الهيئة لتحسين أدائها والحد من سياسة الهروب إلى الأمام. لقد فوتوا على أنفسهم تحمل مسؤولياتهم.

4 ـ إن كل ما قمنا به وسنقوم به أملاه علينا واجبنا وخوفنا أن تستولي رئيسة الهيئة على مسار العدالة الانتقالية لتوجيهه إلى حيث تريد أخذه إليه باعتبار هيئة الحقيقة والكرامة هو نصيبها الشرعي والمستحق لشخصها من مؤسسات الثورة. وهو تخوف لمسناه وعبرنا عن خشيتنا منه أشهرا قليلة بعد رئاستها. وفعلا تعاملت الرئيسة مع أعضاء مجلس الهيئة على قاعدة من ليس معي فهو عدوي.
ولا نعتبر أنفسنا حالة مختلفة عن الأعضاء المستقيلين سوى بالطريقة التي وقعت إزاحتنا بها. مع فارق واحد هو أن اعفاءنا تم بالقوة والتحدي للقانون وللقضاء وللداخل والخارج.

5 ـ لذلك نلفت نظر نواب مجلس الشعب أن تكييف تمرير قائمة الثلاثة أسماء تحت عنوان سد الشغور هو جزء من الحماية المقدسة لنصيب الرئيسة من مؤسسات الثورة. لأن التكييف الحقيقي لعمل اللجنة البرلمانية هو ترميم النصاب القانوني للرئيسة للتغطية على استيلائها على هيئة مستقلة ودعمها المطلق للتصرف في تركة العدالة الانتقالية التي جاءت من نصيبها. والدليل هو أنه لو مرت قائمة 20 جوان 2017 لبقيت الهيئة ب 12 عضوا بدل 15 كما ينص القانون. فلا يعقل أن تبقى الهيئة تشكو الشغور لو وقع سد الشغور؟؟؟؟

6 ـ إن مجلس نواب الشعب بما هو سلطة أصلية أرفع من أن يسقط في هذا التأويل الضيق وأسمى من أن يصبح أداة لسد الثقوب التي تحدثها رئيسة الهيئة بطريقة إدارتها الفردية وقراراتها المتسرعة والمتشنجة التي تضر بسمعة الهيئة وكل الأطراف المتداخلة والنأي بالمجلس التشريعي عن هذا الحرج الذي دفعته إليه. وهو تكييف يبارك تصرفات رئيسة الهيئة ويعطيها الضوء الأخضر لمزيد الاستفراد بالرأي والهروب إلى الأمام. الأمر يتعلق ببساطة بنجدة رئيسة الهيئة لترميم النصاب القانوني الذي تعمدت إحداثه وأقدمت عليه ولم تراع في ذلك أية محاذير إعتمادا على ما تتمتع به من حاضنة سياسية في خدمتها وتحت طلبها عند أية أزمة

7 ـ كما نذكر أن مسار العدالة الانتقالية ليس وقفا أو حبسا – من أحباس – السيدة رئيسة الهيئة وليس نصيبها من مؤسسات الثورة وعليها ان تتحمل مسؤولية كل التجاوزات التي تقوم بها , بل هو مسار منظم بقانون كان ويجب أن يبقى مشروع كل التونسيين.
وبصفتنا أعضاء منتخبين, فلن نتنازل عن عضويتنا لمجرد تحقيق رغبة الرئيسة في تطهير الهيئة من الأعضاء الذين لا يرفعون أيديهم بشكل آلي لإنجاز العدالة الانتقالية بطريقتها الخاصة وفي نسختنها التي لا يعرفها غيرها.
مسار العدالة مضمن بقانون أساسي تحت عدد 53 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 لا غير وقواعد عمل الهيئة منشورة في الرائد الرسمي تحت عنوان القانون الداخلي لهيئة الحقيقة والكرامة لا غير وصلاحيات رئيسة الهيئة محددة في المرجعين المذكورين ولن يتسعوا بالمساندة السياسية والغطاء الحزبي أو بالتصويت ورفع الأيدي.
8 ـ لقد قمنا بما يتوجب علينا القيام به بما يتلاءم مع ضمائرنا ووفاء للقسم الذي أديناه . ولا زلنا نؤمن بقدرتنا على تقديم الإضافة النوعية لإنجاز المهام التي وقع انتخابنا من اجلها ولدينا الثقة والكفاءة والمقدرة على المساهمة في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في الجزء الذي خوله لنا قانون العدالة الانتقالية
وإننا ندعو مجلس نواب الشعب أن يدافع على مبدأ علوية القانون المضمن بالدستور ويتمسك بتوفير الظروف الملائمة لإنجاح مسار العدالة الانتقالية وأولها التشديد على احترام هيئة الحقيقة والكرامة للتعهدات المحمولة عليها والتزام رئيسة الهيئة بالصلاحيات المنصوص عليها في القانون عدد 53 والقانون الداخلي للهيئة.
كما نهيب بكل الأحزاب والكتل البرلمانية ومنظمات المجتمع المدني وضحايا الاستبداد للالتفاف حول ما بقي من مسار العدالة الانتقالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان والضغط باتجاه تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها خدمة لتونس من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية ونظام جمهوري يحقق المصالحة بين المواطن ومؤسسات دولته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115