حديث الأنا: في عيد ميلادي... ماذا عساني أقول؟

احتفلت البارحة بعيد ميلادي. عمري اليوم تقريبا 67 سنة. لا أدري بالضبط متى ولدت. لا أحد يعلم. ما كان الناس وقتها حريصين على مثل هذه الشؤون. لا تهمّ وقتها التواريخ. المهمّ هو أن يكبر المولود ويعيش.

أحمد الله أنّي كبرت وعشت رغم ما كان في العيش من عسر كثير...

ليس من العادات أن أحتفل بيوم مولدي. لا أحد في العائلة الأولى يحتفل به. في القرية، لا أحد يذكره. لا أحد يحتفل به. في تلك السنين، كانت الهموم أخرى. كنّا نلهث لنعيش... تغيّر الزمن وها أنا أحتفل بعيد ميلادي. ها هو أخي الأكبر وقد رقّ، مع العمر، قلبه يهاتفني، يهنّئني بالعيد. هذه زوجتي ومحمّد وخديجة والبنيّة يتمنوّن لي صحّة وعافيّة. جاءتني التهاني من عديد القرّاء، من أصدقاء فرضيين. في ما أرى، تعطي الكتابة بعض الظهور. أعطتني الكتابة بعض الظهور. ربّما. قد يكون... أنا فرح بما كان لي من قرّاء يتابعون.أنصح الناس أن يكتبوا، أن يقولوا ما لهم من فكر، من هموم. في الكتابة يا اخوتي كينونة وظهور...
ماذا عساني أقول في يوم مولدي؟هل لي ما أضيف وانا اليوم في السبعين؟ لا، ليس لي حقيقة ما أقول.أنا اليوم متقاعد. انتهيت من الشغل ومن التدريس. انتهيت من تحدّيات الحياة وما كان من غايات وما كان من طموح.انتهيت من النساء وما فيهنّ من جمال ومن لذّات الوجود.انتهيت من الخمر وفي الخمر التحام مع الأنا وتجاوز للحدود.انتهيت من اليسار وما كان في اليسار من حلم ومن مثل... كلّ هذا انتهى. طويت الصفحة. لكن لا يعني أنّي ولّيّت ظهري عن الزمن وأنّي انتهيت. يجب أن أحيا رغم مرور العمر...

ماذا عساني أقول في يوم مولدي؟ في ما أعتقد، على الفرد من ذكر وأنثى ولا فرق عندي بين الذكر والانثى أن يحبّ الحياة ويعض عليها بكلّ ما أوتي من عنف وقوّة. حبّ الحياة ايمان وتقوى ومن كره الحياة كرهته وبئس المصير. يقولون انّ الدنيا فانيّة والآخرة خير وأبقى. أنا لا أعتقد. لأنّ الدنيا فانيّة، زائلة يجب العضّ عليها، كلّ يوم، كلّ ساعة. خلق الله الانسان ليحيا، لينعم، ليحبّ الحياة ويعشق ما في الوجود. فليغنم كلّ ما استطاع. ولينعم كلّ بالوجود ولنعشق بلا اعتدال وبلا حدود. الحبّ بأشكاله ومنافذه هو سرّ الحياة وكنه الوجود. علينا أن نحبّ ونعشق ما في الحياة من جمال، من فكر، من نهود، من خدود.... الحبّ في أرض الاسلام مرفوض، مكروه. فدع أرض الاسلام واترك المسلمين وعش في عالم الحبّ ما استطعت من سبيل...

ماذا عساني أن أضيف؟ يجب أن يعلم الناس أنّنا في تخلّف بليغ. أنّنا في جهل، في تبعثر كثير... للخروج ممّا نحن فيه من سوء، علينا أن ننزع ولو بالعنف ما سكن قلوبنا من منهج، من قيمة، من معتقد سحيق. يجب أن نغيّر ما بأنفسنا ونتّبع الأمم القويّة وما تأتيه من فكر ومن سلوك. في أمّة الغرب حداثة وحصافة واعمال عقل. في أرض العروبةجهالة وعنجهيّة وتديّن كليس. لننجو، يجب أن نترك الماضي والأعراب وننظر في ما يأتيه الغرب من سيرة ومن نظام ومن تفكير... يجب أن نمشي خلفهم في التعليم، في الصحّة، في القوانين، في ما يفعلون وفي ما يعتقدون. نحن اليوم في أرض المسلمين في أسفل السافلين فدعنا من أرض المسلمين ولندفع الى شمس الغرب وما فيها من عقلانيّة ومن منهجيّة ومن صواب سبيل... على يمين تونس ويسارها أرض تحترق، فيها فتن ونفاق وحروب. فلننظر الى الشمال وفي الشمال عقل ونظر وعيش كريم...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115