في الثورة على الثقافة الدينية الصلبة .. لماذا لا يباح زواج المسلمة من غير المسلم شرعا وقانونا ؟

حين نتأمّل إحصائيات اعتناق الإسلام في دار الإفتاء التونسية الواردة في النشرية الفصلية الأخيرة «فتاوى تونسية» صفحة 23 نجد أنّ عدد معتنقي الإسلام ببلادنا في الأشهر الأخيرة شهر ماي وجوان وجويلية وأوت 2016 من الرجال 242 ومن النساء 27..


هذه الأرقام تدفعنا للتساؤل هل فعلا اقتنع كلّ هؤلاء الرجال -242- بالإسلام كدين بديل عن دينهم فاعتنقوه باختيارهم أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون «مسرحية» إيمانية عبر الإمضاء على وثيقة الاعتناق بعيدا عن الإيمان الفعلي وتخفي وراءها الرغبة في التزوّج بتونسية مسلمة بما أن الشرع والقانون يمنعان التونسية المسلمة من التزوّج بالأجنبي الكتابي . ومن خلال الحالات التي عرفتها فأغلب الرجال ممن اعتنقوا «الإسلام الصوري» باعتباره وسيلة للحصول على الوثيقة الرسمية وبها يكتمل ملف وثائق عقد القران الرسمي ..

هذه الوضعية تجعلنا نتساءل عن المبررات التي اعتمدت لتحريم هذه الزيجة - إن كان فعلا قد حرّمها صراحة – وتجعلنا نفتح أمام الجهات الإفتائية والقضائية أبواب نقاش مطلوب فيه تجاوز الثقافة الدينية المهيمنة بتشدّدها ويعتمد فكرا تحليليا نيّرا وجرأة دون التقوقع في القوالب المتكلّسة للحسم في هذا المبحث ..

نحن إزاء مسألة معقدّة جدا فقد وجدنا أنفسنا أمام انتقادات جمّة تأتينا من هنا وهناك فمن جهة ندّعي تفتّح الإسلام وعدم إكراهه للناس على تغيير دينهم ومن جهة ندّعي منح الإسلام لحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في جوانب عدّة

بيد أن هذه الإدعاءات حسب البعض تتعارض مع منع المرأة من حقّها من الزواج بكتابي فكأنّه إكراه غير مباشر على تغيير الدين وكأنّه استنقاص للمرأة وحرمانها من حقّها في الزواج والارتباط بمن تشاء.

القانون التونسي في عقود زواج المسلمة بالكتابي «ساذج»

نحن إزاء مسألة معقّدة لوجود رأيين قانونيين متناقضين:
1 - الجزم بكون المشرّع التونسي التزم أحكام الشريعة الإسلامية ومنع بالتالي زواج المسلمة بغير المسلم وزواج المسلم بغير الكتابية؛ ويكون تكريس هذا الرأي عبر منشور وزير العدل التونسي المؤرخ في 5 نوفمبر 1973 الذي يمنع ضباط الحالة المدنية وعدول الإشهاد من إبرام عقود زواج مسلمات بغير المسلمين.
2 - القول بأن التشريع التونسي مدني لا يميّز بين الأفراد بحسب معتقداتهم وهو يقبل بالتالي بالزواج المختلط باعتبار معيار حريّة المعتقد.فخلو مجلّة الأحوال الشخصية التونسية من أي إشارة صريحة إلى اختلاف الديانة كمانع من موانع الزواج التي حددها الفصل 14 منها على وجه الحصر ومن هنا فهم فقهاء القضاء وشرّاح القانون بعدم جواز زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير الكتابية. ويضيف أصحاب هذا الموقف أن هذا المنع القانوني فيه من السذاجة الشئ الكثير بما أنّ إمكانية إبرام عقد زواج المسلمة التونسية بغير المسلم خارج البلاد التونسية واردة وممكنة وقانونية وإدراج زواجهما لاحقا بدفاتر الحالة المدنية بتونس دون حاجة لأن يعلن الزوج إسلامه أمام مفتي الديار التونسية ودون حاجته للاستظهار بوثيقة اعتناق الإسلام كما يفرض ذلك منشور وزير العدل.

آيات الزواج بغير المسلمين تحتاج لقراءة جديدة
الثابت أن الآية القرآنية التي تفصل القول في مسألة زواج المسلمين بغيرهم هي الآية 221 من سورة البقرة :
« وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلائِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ».
هذه الآية قد تحتاج إلى إعادة القراءة من جهات عدّة :

1 - هل هي آية ناسخة أو منسوخة ؟ وما هي علاقتها بالآية 5 من سورة المائدة ؟ فقد اختلف في قوله تعالى: «اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين» المائدة: 5.

هل هي مخصصة لعموم آية سورة البقرة وإمّا ناسخة لها، لأن نزول سورة المائدة متأخّر عن نزول سورة البقرة،؟ وإما أن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب.؟
2 - نزولها في ظرفية تاريخية بالمدينة يتعايش فيها المسلمون مع غيرهم من اليهود والمسيحيين دون نسيان وجود المهاجرين بعيدا عن أقربائهم من أهل مكة فربما رغب بعضهم في تزوج المشركات أو رغب بعض المشركين في تزوج نساء مسلمات فجاء هذا التحريم حتّى يكثر عدد المسلمين ولا يضعف شتاتهم وبالتالي فالأحكام الواردة فيها خاصة بتلك الحالة ولم يعد هنالك موجب لهذا المنع .
3 - التأمّل في تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور لهذه الآية إذ يقول حرفيا «ونص هذه الآية تحريم تزوج المسلم المرأةَ المشركة وتحريم تزويج المسلمة الرجلَ المشركَ فهي صريحة في ذلك، وأما تزوج المسلم المرأة الكتابية وتزويج المسلمة الرجلَ الكتابي فالآية ساكتة عنه، لأن لفظ المشرك لقب لا مفهوم له إلاّ إذا جَرى على موصوف..»

وتتبادر لنا هنا عديد الاستفهامات منها :
• لماذا سكتت الآية عن تزويج المسلمة بالرجلَ الكتابي؟
• ما معنى كلمة المشرك وما الفرق بينه وبين الكتابي ؟
4 - إذا اتفقنا كون المشرك هو من لا يعترف بوجود إله البتّة أو من يدين بتعدد آلهة مع الله سبحانه، فهذا يختلف عن أهلُ الكتاب وهم الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه ولكنهم أنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالتالي فالآية لا تتعلّق بأهل الكتاب بقدر تعلّقها بالمشركين سواء كانوا رجالا أو نساء.
5 - ما عليه جمهور العلماء بجواز تزوّج المسلم الكتابية دون المشركة والمجوسية وعلى هذا الأئمة الأربعة والأوزاعي والثوري، لا يمكن أن يحول دون إجماعهم على جواز «تزويج المسلمة من الكتابي» بما أنهّ لا نص عليه واجتهدوا في الصورة الأولى فما المانع من الإجتهاد في الحالة الثانية ورغم ذلك منعه جميع المسلمين استناداً إلى تبريرات قد تكون واهية لا يمكن قبولها كمسلّمات لا تناقش ومن تلك التبريرات ما ذكره ابن عاشور بقوله:
«فأباح الله تعالى للمسلم أن يتزوج الكتابية ولم يبح تزوج المسلمة من الكتابي اعتداداً بقوة تأثير الرجل على امرأته، فالمسلم يؤمن بأنبياء الكتابية وبصحة دينها قبل النسخ فيوشك أن يكون ذلك جالباً إياها إلى الإسلام، لأنها أضعف منه جانباً وأما الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة ولا برسولها فيوشك أن يجرها إلى دينه، لذلك السبب وهذا كان يجيب به شيخنا الأستاذ سالم بو حاجب عن وجه إباحة تزوج الكتابية ومنع تزوج الكتابي المسلمة..»

وما يسقط هذا التبرير كون المرأة اليوم بتعليمها وشغلها واستقلالها المادي أصبحت كائنا مؤثرا أكثر من الرجل فإذا تمّ منع زواج المسلمة من الكتابي حتّى لا يؤثّر عليها ويستجلبها لدينه فمن باب أولى و أحرى اليوم أن نقوّي وندعّم هذا الزواج لأنّه دون شك سبيل لدخول هؤلاء من الكتابيين للإسلام لقوّة شخصية المرأة المسلمة ولا نخشى عليها من الانسياق كما يظنّ ..

6 - وإذا تأمّلنا النهي الإلهي الوارد في قوله «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» يفهم تحريم لتزويج المسلمة من المشرك، فإن كان المشرك محمولاً على ظاهره في لسان الشرع فالآية لم تتعرض لحكم تزويج المسلمة من الكافر الكتابي فيكون دليل تحريم ذلك غير صريح قد يكون الإجماعَ أو القياس أو مستند إلى دليل تلقاه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر بينهم، وإما مستند إلى تظافر الأدلة الشرعية ..فغياب النصّ الصريح يحيل إلى الإجتهاد والاختلاف وهما بابان مفتوحان للاختيار بين هذا وذاك ..
07 - ثمّة من اعتبر المنع جامعا للمرأة والرجل من أهل الكتاب فقالوا أهل الكتاب صاروا مشركين لقول اليهود عزير ابن الله ولقول النصارى المسيح ابن الله وأبوة الإله تقتضي ألوهية الابن، وإلى هذا المعنى جنح عبد الله بن عمر ففي «الموطأ» عنه «لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى».. ولكن هذا مسلك ضعيف جداً، لأن إدخال أهل الكتاب في معنى المشركين بعيد عن الاصطلاح الشرعي،
8 - ثمّة من علماء الإسلام من كره تزوّج الكتابية وهو قول مالك وقال النووي في المنهاج 3/ 187 «ويحرم نكاح من لا كتاب لها... وتحل كتابية، لكن تكره حربية». وهذا يجعلنا نقف حيارى أمام تعدّد التصوّرات في هذه الاشكالية .
09 - ما قاله الإمام مالك في المدونة الكبرى ج: 4 ص: 301 «ألا ترى أن المسلمة لا يجوز أن ينكحها النصراني أو اليهودي على حال وهي إذا كانت نصرانية تحت نصراني فأسلمت إن الزوج أملك بها ما كانت في عدتها ولو أن نصرانيا ابتدأ نكاح مسلمة كان النكاح باطلا». يعدّ قولا صريحا باعتماد الحكمة من ذلك كون المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى وعيسى عليهم السلام. وبكل الكتب بما فيها التوراة والإنجيل. بينما لا يؤمن أهل الكتاب إلا برسلهم وكتبهم. وقد أجاز الإسلام لزوجة المسلم الكتابية أن تذهب إلى أماكن عبادتها كالكنيسة والمعبد، بينما لا يجيز هؤلاء الكتابيين للمسلمة ـ لو تزوجوها ـ أن تذهب للمسجد وتظهر شعائر الإسلام...فهذا التبرير لا يمكن أن يكون سليما فالقوانين الحديثة والعقليات الجديدة والوعي الراهن يجعل الأمر متبادلا ومشتركا فالمعلوم أن الكتابيون يتفهمون ويتركون للمرأة حريّة اعتقادها دون ازعاجها ..والصورة التي اتخذتها العلاقة بين المرأة والرجل اليوم غير صورة الماضي التي عمرها أكثر من 14 قرنا .
10 - ونختم بما جاء في فتاوى الأزهر الشريف «صحيح أن الإسلام يجيز زواج المسلم من غير المسلمة - مسيحية أو يهودية - ولا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم، وللوهلة الأولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة، ولكن إذا عرف السبب الحقيقي لذلك انتفى العجب، وزال وَهْمُ انعدام المساواة، فهناك وجهة نظر إسلامية في هذا الصدد توضح الحكمة في ذلك، وكل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف. »

الزواج في الإسلام يقوم على «المودة والرحمة» والسكن النفسي، ويحرص الإسلام على أن تُبنى الأسرة على أسس سليمة تضمن الاستمرار للعلاقة الزوجية، والإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة، ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعاً جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، وإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له - من وجهة النظر

الإسلامية - أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها، والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد.
وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار، أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام، ولا يعترف به، بل يعتبره نبيّاً زائفاً وَيُصَدِّق - في العادة - كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع....» ومن يقرأ هذا التبرير يناقشه من جوانب عديدة بمنظار عصري وعقلي .

الشجاعة مطلوبة للخوض في هذه القضية
نحتاج اليوم لكثير من الشجاعة – سواء من القضاة وخاصة من أهل الاختصاص الشرعي ومؤسسات الدولة -لتناول عدة قضايا دينية لأن ثقافتنا الدينية ثقيلة برواسب محنّطة تجاوزتها في غالب الأحيان الأحداث ومراجعة خفاياها ومناقشة مضامينها حتى نعيش واقعنا برؤية شاملة متناغمة مع التشابك القوي بين الجميع في كلّ بقاع الدنيا افتراضيا وحقيقيا في إطار من القيم الإنسانية الجامعة من حريّة ومساواة وحقوق الإنسان وفهم جديد للإسلام ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115