ليبيا شقيقة تونس...وهي معضلتها الإستراتيجية: متى تقطع الدبلوماسية التونسية مع السلبية و السذاجة ؟

انتصرت تونس في معركة بن قردان و باء الإرهابيون بالهزيمة و الخزي والعار. ولكن وكما يجمع الرأي العام فإننا كسبنا معركة و لكن الحرب ضد الإرهاب لا تزال طويلة و قاسية. وبرأينا فإن المعضلة الإستراتيجية التي تواجه بلادنا و يجب أن نتصدى لها هو غياب الدولة و

الفوضى التي تسود الشقيقة ليبيا منذ فترة طويلة حتى أصبحت بؤرة و مرتعا للإرهابيين والجريمة المنظمة. فجل العمليات الإرهابية التي شهدتها بلادنا انطلقت من ليبيا تدريبا وتسليحا وتخطيطا. وهو ما لا يعني أي اتهام للشعب الليبي الشقيق إذ ان الإرهابيين المتحصنين هناك هم من كل الجنسيات بما فيهم التونسيين. ويمكن التسليم بأنه إذا تواصل الإرهاب ضد بلادنا فإنه لا يمكن أن نحلم بتطور الاستثمار وتحسن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية مهما كانت السياسات و مهما كانت الحكومات.

ليبيا : دولة غائبة يعشش فيها الإرهاب
الميزة الأساسية للوضع الليبي هو غياب دولة مركزية بالمقومات المعروفة. فهنالك حكومتان واحدة في طرابلس وواحدة في بنغازي تتنازعان الشرعية ولكن لا أحد منهما يسيطر لا على المدينة و لا على أطرافها علاوة على الحظر الدولي على كليهما حول التمويل وبيع النفط والأسلحة. وفي باقي البلاد يسيطر هنا تنظيم داعش الارهابي وهناك تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في حين تسيطر في مناطق أخرى سلطات القبائل ولكل هذه المجموعات تمويلها الخاص وميليشياتها وأسلحتها.

وإن كانت الشقيقة ليبيا تعيش تاريخيا مرحلة ما قبل الدولة فإنها على المستوى الاقتصادي تعيش مرحلة ما قبل الرأسمالية. فالمجتمع الليبي لا يحتوي على الطبقات الإجتماعية الكلاسيكية (بورجوازية..طبقة عاملة..بورجوازية صغيرة) والتي بإمكانها تشكيل نسيج اجتماعي للدولة العصرية. ففي تونس ورغم هشاشة تلك الطبقات فإنها تمكنت من مرافقة وصيانة التحول الديمقراطي والحفاظ على الدولة التي تمثل وتضمن مصالح تلك الطبقات جميعا. وخلال فترة حكم القذافي وباعتبارها دولة نفطية فإن المجتمع الليبي كان يرتكز على بيروقراطية الدولة (أكثر من مليون موظف) تعيش من عائدات النفط وعلى أنشطة تجارية وفلاحية. فطبيعة المجتمع الليبي هي خليط هجين من العناصر الإقطاعية والقبلية دون بروز طبقة رأسمالية حقيقية. أما الطبقة العاملة فهي بالأساس عمالة أجنبية قادمة من تونس ومصر ومن إفريقيا.

خلاصة القول بأن سيرورة تشكل دولة ليبية بالمواصفات العصرية عملية طويلة و معقدة مما يجعل التحدي الإرهابي قائما لفترة طويلة.

تونس وحيدة.. في مواجهة الفوضى الليبية
عندما تلقي نظرة متفحصة على الخريطة الجغرافية والسياسية فإنك تستنتج بأن تونس تواجه الفوضى وحيدة ومعزولة. فالجزائر تفصلها عن ليبيا مئات الكيلومترات من الصحراء العازلة التي يصعب اختراقها من المجموعات الإرهابية وتسهل مراقبتها من طرف الجيش الجزائري وكذلك الحال بالنسبة للبلدان الإفريقية الواقعة جنوب ليبيا. أما الحدود المصرية فهي أيضا شبه مؤمنة حيث تبعد بنغازي عن الحدود المصرية حوالي 600 كلم و تعتبر المساحة الفاصلة بين مصر وليبيا أرضا غير مأهولة و خالية من القرى و السكان وهو ما يجعل الشقيقة مصر محصنة نسبيا ضد تسلل الإرهابيين. علاوة على ذلك فإن حكومة بنغازي (المحاذية لمصر) تعتبر قريبة من النظام المصري و تتمتع بدعمها المادي والسياسي . أما تونس فإن قراها ومدنها متاخمة و قريبة من القرى الليبية علاوة على الحدود الشاسعة والمنبسطة والتي يمكن اختراقها كما حدث في بنقردان. علاوة على أن حكومة  

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

طرابلس التي تسيطر على الأراضي المتاخمة لتونس بما فيها المعابر الحدودية ليست حازمة بما فيه الكفاية في مقاومة الإرهاب بل يتهم البعض من مكوناتها بتشجيع المنظمات المتشددة والإرهابية.
أما المجتمع الدولي الذي قوض الدولة في ليبيا فهو لا يبدو كثير الإنشغال بالوضع الليبي. إذ يتعاظم تركيزه على الوضع السوري حيث أن حلفاءه الكبار (إسرائيل والعربية السعودية وتركيا) أصبحوا منزعجين من الحرب الأهلية في سوريا (هجرة..إرهاب..نفوذ إيران وروسيا..) ويضغطون لتسوية الملف السوري. من جهة أخرى فإن فرنسا وأمريكا تدخلان خلال هذه السنة ( أمريكا) والسنة القادمة (فرنسا) غمار انتخابات ستجعل نخبها تركز لفترة طويلة على تلك الإستحقاقات. ويمكن القول أن إيطاليا هي البلد الأكثر تضررا من جراء الهجرة السرية القادمة من ليبيا ولكنها قد تختار الحل الأسهل وتسيج السواحل الليبية بالبوارج الحربية وأجهزة المراقبة وكفى الله الإيطاليين شر القتال.

الواجبات العاجلة لرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية
لقد اكتفت الدبلوماسية التونسية إلى حد الآن بنهج الحياد تجاه الوضع الليبي. و يتبجح البعض بأنه الخط الأصيل للدبلوماسية التونسية منذ العهد البورقيبي. أولا فإن تونس مثلا لم تكن محايدة تجاه الثورة الجزائرية بل وشاركت فيها بصورة نشيطة. وحسنا فعلت. وثانيا فإن تونس انخرطت في المعسكر الغربي رسميا منذ الستينات ضد المعسكر الشرقي. ثم إن الأوضاع تغيرت في العالم ووحدهم الأغبياء لا يغيرون أراءهم.

لقد وضعت الأمم المتحدة خريطة طريق مقبولة و معقولة (اتفاق الصخيرات) فشكلت مجلسا رئاسيا برئاسة فؤاد السراج وتشكلت حكومة وفاق وطني ما زالت تنتظر مصادقة برلمان طبرق عليها في انتظار دخولها إلى طرابلس لمباشرة أعمالها والإعداد لانتخابات عامة في ظرف سنتين. هذه الخطة بإمكانها أن توفر فرصة لبناء دولة عصرية في ليبيا تقاوم الإرهاب وتنهض بالمجتمع. ولكن تنفيذ هذه الخطة قد يتعرض إلى عراقيل أو قد يطول أو قد يفشل تماما.

لذلك فإنه على الديبلوماسية التونسية أن تتحرك بقوة لحشد دعم عربي ومن بلدان الجوار و دعم دولي من اجل تنفيذ هذه الخطة بالسرعة المطلوبة و إزالة العراقيل من أمامها وإنجاحها. فليبيا لن تستطيع القيام بذلك وحدها دون المساعدة السياسية والإقتصادية والعسكرية للمجتمع الدولي مع رفض التدخل العسكري الأجنبي الذي من شأنه أن يعفن الأوضاع ويعقدها. فعلى الديبلوماسية التونسية ان تتحرك على مستوى الداخل الليبي من اجل مساعدة الأشقاء على تجاوز أوضاعهم وعلى مستوى دول الجوار المعنية أكثر من غيرها بالوضع الليبي وعلى مستوى الدول الكبرى والأمم المتحدة. وقد يكون من الضروري بعث كتابة دولة بوزارة الخارجية مختصة بمتابعة الشأن الليبي ومستشارا خاصا في رئاسة الجمهورية مكلفا بهذا الشأن. وقد يكون من الضروري تشكيل وفد برلماني يجوب العالم و يفسر له بان دعم تونس لا يكون فقط بالدعم المالي والعسكري وإنما بمساعدة ليبيا على تجاوز أوضاعها. ويمكن أيضا تشكيل وفد شعبي (الرباعي الراعي للحوار الحائز على جائزة نوبل) يعاضد الوفد البرلماني. وعلى رئيس الدولة أن يأخذ عصا ترحاله و يجوب البلدان ليقنع دول الجوار والدول الكبرى بضرورة حل المشكل الليبي في أسرع وقت باعتباره ضرورة حيوية لتونس لأن أمن تونس من أمن ليبيا. وكما يقول المثل « أعن نفسك تعنك السماء»
. Aide toi le ciel t’aidera
بقلم عبد المجيد المسلمي ( عضو الجبهة الشعبية)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115