لماذا عجز العرب في الدفاع على غزة ؟

لماذا تركت الحصان وحيدا ؟

الى اين تاخذني يا ابي ..

الى جهة الريح يا ولدي ..

وهما يخرجان من السهل ـحيث

اقام جنود بونابرت تلا لرصدِ

الظلال عل سورعكا القديم

يقول اب لابنه ّ: لا تخف ..لا

تخف من ازير الرصاص ! تلتصق

بالتراب لتنجو ! سننجو ونعلو على

جبل في الشمال ، ونرجع حين

يعود الجنود الى اهلهم في البعيد

لماذا تركت الحصان وحيدا ؟

لكي يؤنس البيت يا ولدي ..

محمود درويش

لماذا عجز العرب في دفاعهم عن غزة وايقاف هذه الحرب المدمرة على الشعب الفلسطيني ؟ لم لم يقدروا على الاقل على كسر الحصار ومد المساعدات الانسنانية للشعب الفلسطيني وحمايته من التجويع الذي يتعرض له يوميا ؟ كيف نفسر هذا العجز المخجل للأنظمة العربية بالرغم من التعبئة الكبيرة التي عرفتها اغلب البلدان العربية ووقوف شعوبها الى جانب الشعب الفلسطيني ؟

لماذا تركنا الفلسطينيين وحيدين امام هذا العدوان ؟ سؤال يطرحه الكثيرون في المنطقة العربية وخارجها لمحاولة فهم هذا الفشل وإيجاد جواب حول هذا الخضوع الرسمي العربي؟

القمة العربية الاسلامية، رد العرب على العدوان

لقد اقتصر الرد العربي الرسمي على قمة يتيمة انعقدت بالرياض في 11 نوفمبر 2024 وضمت الى جانب البلدان العربية الدول الاسلامية .وقد اصدرت هذه القمة المشتركة جملة من القرارات تطرقت لعديد القضايا ومن ضمنها الدعوة الى كسر الحصار وفرض ادخال قوافل مساعدات انسانية عربية واسلامية ودولية تشمل الغذاء والدواء والوقود الى القطاع بشكل فوري .

كما قررت القمة تقديم الدعم الكافي لمصر لتتخذ كل الخطوات الضرورية لمواجهة تبعات العدوان على غزة .كما طالب مشروع القرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ببدء التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الاراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية .إلا ان هذه القرارات بقيت حبرا على ورق كغيرها من القرارات العديدة للمؤسسات العربية الرسمية ليبقى الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة الترسانة العسكرية الاسرائيلية .

ويبقى السؤال قائما لم عجز الموقف الرسمي العربي عن الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني والعمل على وقف العدوان او على الاقل على رفع الحصار عن غزة.

الحرب ومسار تفكك النظام العربي

لفهم العجز العربي اليوم في هذه المواجهة لابد من العودة الى اسبابه الهيكلية والعميقة. ولا يمكن الاقتصار على بعض القراءات الآنية .فهذا الغياب يشكل حدثا بارزا باعتبار انه للمرة الاولى لا تنخرط البلدان العربية والنظام الرسمي العربي بشكل مباشر او غير مباشر في المواجهة مع اسرائيل .فرغم الهزيمة في 1948 كانت الجيوش العربية حاضرة وشاركت في المواجهات مع العصابات المسلحة في فلسطين .وقد عرفت هذه الحرب مشاركة الكثير من المتطوعين القادمين من عديد البلدان العربية.

و انتهت هذه الحرب بهزيمة تحولت الى نكبة مع تهجير اعداد كبيرة من الشعب الفلسطيني الى بلدان الجوار تحت تهديد العصابات المسلحة .كما شاركت الانظمة العربية من جديد في مواجهة جديدة سنة 1967 مع اسرائيل انتهت بهزيمة كبيرة ومخزية للأنظمة العربية وكانت هذه الهزيمة وراء توسع اسرائيل واحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وسيناء والجولان .وستكون الجيوش العربية حاضرة في الحرب الثالثة سنة 1973 والتي حققت اولى الانتصارات العربية على اسرائيل .

بعدها كانت حرب وحصار بيروت ولئن لم تشارك البلدان العربية في المواجهة المباشرة الا ان اغلبها وقف الى جانب منظمة التحرير ثم فتحت ابوابها لاحتضان القيادات الفلسطينية ومقاتلي الثورة اثر خروجهم من بيروت .

في هذا المسار التاريخي للمواجهات بين اسرائيل والعرب تعتبر هذه الحرب المواجهة الاولى الطويلة الامد التي لم تعرف مشاركة مباشرة للنظام الرسمي العربي .وفي رأيي فإن هذا الغياب والعجز العربي نتاج لمسار تاريخي طويل ادى الى تفكك النظام العربي الذي حاولت الانظمة بناءه مع الدولة الوطنية اثر مسار التحرر الوطني من الاستعمار .

ويبرز هذا التفكك وانحلال النظام العربي في اربعة مستويات مختلفة .المستوى هو السياسي حيث عرفت اغلب البلدان العربية ازمة الدولة الوطنية القوية وانهيار العقد الاجتماعي الذي ساهم في بناء مشروعيتها خلال عقود طويلة .فقد قايضت الانظمة العربية من خلال هذا العقد شعوبها وقدمت لها الرفاه والرخاء الاجتماعي مقابل فرض هيمنتها على الفضاء السياسي.الا ان الازمات الاقتصادية لم تمكن الدول العربية من المحافظة على عناصر هذا العقد ما عدا الدول البترولية. للمحافظة على الاستقرار في غياب الرفاه اتجهت اغلب هذه الدول الى الاستبداد والتشدد لتدخل اغلب البلدان في نفق الانغلاق السياسي والأزمات .

ويهم الجانب الثاني انحلال المجال الاقتصادي وهشاشة التنمية والتي بقيت سجينة الانظمة الريعية الموروثة من الاستعمار .اما الجانب الثالث فيعود الى المجال الاجتماعي حيث عرفت اغلب البلدان العربية التهميش والفقر وعدم التوازن الاجتماعي.وستشكل هذه الامراض والمخاطر الاجتماعية وقودا للثورات التي ستاتي وستشتمل في العديد من البلدان العربية.اما الجانب الرابع فيعود الى ضعف المؤسسات العربية والتي عجزت عن بناء التعاون الاقليمي والمساهمة في التكامل في كل المجالات .

القت هذه العوامل الكبرى وعملت في صمت على نخر النظام العربي وساهمت في تفككه وانهياره وكان العجز امام اسرائيل في احد اشنع الحروب نتيجة مباشرة لهذا الانهيار والتفكك . الى جانب هذا المسار التاريخي لهذا الانهيار لابد لنا من الوقوف على بعض نتائج الثورات العربية في البلدان العربية .

الانحلال ومآلات الثورات العربية

كان للثورات العربية انعكاس كبير على النظام العربي وقد ساهمت في تسريع حالة التفكك والانخرام التي وصل اليها النظام العربي منذ سنوات .ونجد هذه الانعكاسات على عديد المستويات منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ففي نسق التعاون الاقليمي في المجال السياسي كانت ثورات الربيع العربي وراء الزلزال جراء التحركات الاحتجاجية والمظاهرات والاعتصامات التي زعزعت اركان اغلب الدول العربية وساهمت في اضعاف المؤسسات الشرعية والدول.وقد تحولت هذه التحركات في بعض البلدان مثل سوريا واليمن وليبيا والسودان الى حروب طاحنة هدمت اركان الدولة وأنهت سيطرتها على المجتمع .

وفي عديد البلدان الاخرى كانت هذه الثورات وراء حالة من عدم الاستقرار السياسي التي تواصلت انعكاساتها واكتوت بشظاياها الى حد اليوم الكثير من الاقطار العربية .

كما كانت لهذه الثورات انعكاسات اقتصادية ومالية كبيرة .فقد دخلت العديد من البلدان العربية مرحلة من النمو الهش مما سبب انخرام توازناتها المالية والتزايد الكبير في مديونيتها مما وضع عددا منها في ازمات مالية خانقة اثرت على قدرتها على احترام التزاماتها المالية الكبرى .

ولم تقف انعكاسات الثورات العربية على المجالات السياسية والاقتصادية بل امتدت كذلك الى المجال الاجتماعي حيث عرفت اغلب البلدان العربية تزايد البطالة والتهميش الاجتماعي وعدم المساواة .وقد ساهم هذا الوضع الاجتماعي المتفجر في التأثير على الوضع السياسي وعدم الاستقرار الذي تعيشه البلدان العربية.كما كانت هذه الثورات وراء تأجيج الخلافات بين البلدان العربية مما اثر سلبا على التعاون الاقليمي والتكامل الاقتصادي العربي .

ان قصور النظام الرسمي العربي وعجزه عن تقديم دعم حقيقي ومؤثر للشعب الفلسطيني اثناء هذه الحرب يعود بصفة اساسية الى حالة التفكك والضعف التي دخلها منذ بداية الالفية .وقد زادت ثورات الربيع العربي من هذا الانخرام وسرعت في وتيرته مما جعل الفلسطينيين يواجهون وحيدين اسرائيل في هذه الحرب .الى جانب هذا التفكك او ازمة النظام العربي او كنتيجة له لابد ان نشير الى الاتفاقات الابراهيمية والتي ساهمت في هذا العجز .

الاتفاقات الابراهيمية وفشل تصور نهاية الصراع العربي الاسرائيلي

الى جانب تفكك وانهيار النظام العربي لابد من اضافة اتفاقات السلام الابراهيمية التي امضتها اسرائيل مع اربع دول عربية وهي الامارات والبحرين والمغرب والسودان تحت المظلة الامريكية والتي ساهمت في تذبذب الموقف العربي والعجز الذي اصابه في السنوات الاخيرة خاصة مع رفض بلدان عربية اخرى الانخراط في هذا المسار .

الى جانب الانعكاسات السياسية لهذه الاتفاقات كانت لها انعاسات عملية حيث ادخلت هذه البلدان في علاقات تعاون وثيقة مع اسرائيل في عديد المجالات ومن ضمنها العسكري والأمني والتكنولوجي والاقتصادي .

وقد اثبتت الحرب الاخيرة عدم واقعية المشروع الاسرائيلي المدعوم من الادارة الامريكية والذي يشير الى ان السلام مع الفلسطينيين والاعتراف بالحقوق الفلسطينية غير ضروري وان السلام في المنطقة يمر عبر اتفاقات سلام منفردة مع اغلب الدول العربية بما يؤدي الى تطبيع العلاقات معها .ولئن ساهمت هذه الاتفاقات في العجز العربي الا انها اثبتت قصور النظرة التي قادتها وفشلها في تحقيق سلام عادل وشامل دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .

ساهمت هذه الاوضاع من التفكك والانخرام وعدم الاستقرار في عجز النظام الرسمي العربي عن اخذ موقف حازم في دعم الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانب غزة في هذه الحرب المدمرة

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115