في الذكرى الستين لوفاته (1963-2023) كتاب حول مسيرة القائد النقابي والشيوعي حسن السعداوي

 

كتاب حسن السعدواي هو العنوان الخامس

ضمن سلسلة “منتدى التجديد” التي يديرها الأستاذ هشام سكيك والتي تصدرها دار النشر نيرفانا لصاحبها السيد حافظ بوجميل.
في هذا الكتاب الذي ألفه الصديق الحبيب رمضان وتولى تقديمه الأستاذ عبدالحميد الأرقش نجد متابعة لصيقة ومحاولة لاعادة تركيب لمسيرة المناضل الشيوعي والنقابي حسن السعداوي منذ صباه الى يوم وفاته في ظروف لا تزال غامضة، حيث لا تزال شكوك تحوم حول السردية الرسمية المتعلقة بظروف مفارقته الحياة في احدى مقرات الشرطة بتونس العاصمة يوم 13 فيفري 1963.
لم يكن من السهل على الحبيب رمضان إعادة رسم ملامح مسيرة هذا المناضل واصدار الكتاب في السنة الستين لمفارقته الحياة . كان على المؤلف المراوحة بين الجوانب الدقيقة و الذاتية من مسيرة حياته و الجوانب الموضوعية المتعلقة باسهامات حسن السعداوي في التاريخ العام للبلاد منذ مطلع عشرينات القرن الماضي زمن الاستعمار الفرنسي وصولا للسنوات الأولى التي عقبت استقلال البلاد.
يندرج الكتاب ضمن مسعى لاثراء دراسة التاريخ الوطني والاجتماعي في كل مستوياته وابعاده. هذا التأليف الجديد أصدره الاستاذ الحبيب رمضان في منتصف ديسمبر 2023 ضمن سلسلة منتدى التجديد، بعد أن سبق له اصدار كتاب في نفس السلسلة سنة 2022 حول مسيرة المناضل محمد حرمل وكتاباته، بالاشتراك مع الأستاذ رشيد مشارك.
جاء الكتاب في 293 صفحة واحتوى على اربعة أبواب وضمّ مقدمة للمؤرخ عبد الحميد الارقش الذي أشار من البداية إلى أنه قد «مرّت ستّون سنة على وفاة الزعيم النقابي والشيوعي حسن السعداوي مؤسّس الاتحاد النقابي لعملة القطر التونسي، ورغم طول الفترة فإن ذكراه باقية مترسّخة في جيل كامل من مناضلي الحركة الديمقراطية والتقدمية في تونس» (ص9). وفي ذلك تأكيد على أن كتابة تاريخ مسيرات الافراد يكون أحيانا بدافع البحث في العلاقة السببية بين ما يرسخ في الذاكرة من قصص وروايات بما خفي منها أو تأكيدها حتى يساهم المؤرخ في تقريب حياة الزعيم النقابي والشيوعي حسن السعداوي بما يمثله من علامة مميزة في تاريخنا الاجتماعي.
متابعة لمختلف مراحل مسيرة الزعيم حسن السعداوي
تضمن الكتاب أربعة أبواب رسم عبرها المؤلف مختلف مراحل حياة الرجل، فكان الباب الأول متعلقا ببداياته في الحياة وتكوينه الفكري وفي النضال السياسي ثم النقابي، وسلط الباب الثاني الضوء على نضاله النقابي خلال الفترة 1934 - 1943 وما عاناه فيها من اعتقال وسجن ببرج البوف مع بقية الزعماء الوطنيين والشيوعيين والنقابيين ثم في محتشد الڨطار ثم بسجن قسنطينة بالتراب الجزائري. ولعل ما حظي به من ثقة من الطبقة العاملة بتونس خلال حكم الجبهة الشعبية بفرنسا بداية من صائفة 1936 جعله في مقدمة المسؤوليين النقابيين الذين فاوضوا ممثلي حكومة الجبهة الشعبية بقيادة الاشتراكي ليون بلوم من أجل سحب المنافع الاجتماعية التي أقرتها حكومته بباريس على العمال بتونس، فكان إمضاء اتفاقية القصبة، التي اقرّت مكاسب هامة: 8 ساعات عمل/اليوم، العطلة خالصة الأجر، المنح العائلية، منع تشغيل الأطفال...
واهتم الباب الرابع بمسيرة حسن السعداوي كزعيم نقابي (1943 -1956) كان له دور هام وحيوي في المجال النقابي، خاصة بترأسه «الاتحاد النقابي لعملة القطر التونسي» منذ تأسيسه في سنة 1946 ونضاله الذي لم يتراجع من أجل توحيد العمل النقابي بتونس مع «الاتحاد العام التونسي للشغل» وما تحقّق من نضالات مشتركة بين المنظمتين، فكانت نضالات هامة في سبيل الطبقة العاملة التونسية من أجل الدفاع عن مصالحها الوطنية والمطلبية. ورغم أن التوحيد التنظيمي لم يتم، فإن السعداوي قبل حلّ منظمته في سنة 1956 - إثر الاستقلال - ودعا مناضليها إلى الالتحاق بالاتحاد العام الذي انخرط فيه السعداوي نفسه بصفة عامل بسيط في أحد مستشفيات العاصمة إلى وفاته في سنة 1963 .
ضد النسيان لكن مع الالتزام بمناهج الكتابة التاريخية
و قصد ابقاء مسيرة هذا الزعيم النقابي حية في حاضرنا، أفرد الكاتب الباب الأخير المعنون «ضدّ النسيان» ليعرض ضمنه كل ما تم القيام به من أجل المحافظة على اسم الزعيم حسن السعداوي في ذاكرة التونسيين وضمن تاريخهم الاجتماعي والسياسي المعاصر ورد الاعتبار لنضالاته وتثمين تضحياته. وقد ركز الكاتب بالخصوص على ثلاثة أطراف ساهمت في هذا المسعى إلى جانب مساع أخرى مهمّة. فذكّر في البداية بـ «الدور الهام الذي قامت به الجامعة التونسية الحريصة دوما ومنذ تأسيسها في الستينات على استقلاليتها والتزامها بالقيم الأكاديمية تجاه كل الأطراف سواء في السلطة أو غيرها حرصا منها على احترام طبيعة دور البحث العلمي وخصوصياته بعيدا عن أهواء السلطة وضغوطاتها والتجاذبات باختلاف أطرافها وأغراضها. ولأن غاية المؤرخين معرفة الحقيقة التاريخية ولا غيرها فقد حضي تاريخي الحركتين النقابية والشيوعية بتونس باهتمام المؤرخين ضمن دراسة مختلف مراحل التاريخ الوطني وإشكالياته وتعقيداته وتم الوقوف على دور حسن السعداوي في الحركة النقابية بتونس وملابسات نشأة الاتحاد النقابي لعملة القطر التونسي الذي كان يقوده وبيان انتصاراته واخفاقاته وأسبابها وتداعياتها...» (ص222)، إضافة إلى مبادرات رفاقه في الحزب الشيوعي (ثم حركة التجديد ثم المسار الديمقراطي الاجتماعي) للتعريف به وتثمين نضالاته واستخلاص الدروس منها وخاصة عبر صفحات جريدة «الطريق الجديد» منذ صدورها في خريف 1981.
وركز الكاتب أيضا على المبادرة المتميّزة وقيمتها الرمزية التي قام بها الاتحاد العام التونسي للشغل في 28 فيفري 2015 بتكريم السعداوي لأول مرة «وهو اعتراف بالجميل لما قدمه هذا الرجل للحركة العمالية في تونس» كما قال السيد حسين العباسي، الأمين العام للاتحاد(ص 226)، ثم أردفها بمبادرة أخرى في 25 مارس 2016 تمثّلت في تدشين «المركز الثقافي حسن السعداوي» (9 نهج اليونان) بمقر «الاتحاد النقابي لعملة القطر التونسي» حيث كان مكتب رئيسه السعداوي قبل حلّه. وختم الكاتب مؤلفه بملاحق مهمّة سواء من حيث قيمة النصوص المضمّنة فيه أو ألبوم الصور التي تؤرخ للرجل ولتجربة مهمّة من تجارب الحركة النقابية التونسية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
لقد توخى الكاتب أسلوبا متيسرا في الكتابة وهو لاشك مدرك أن كتابه موجّه لعموم القراء من مختلف فئات المجتمع وخاصة الشباب والنقابيين، إضافة إلى حرصه على التوثيق ممّا يجعل الكتاب يزخر بالعديد من المصادر والمراجع المهمة التي سيستفيد منها بلا شك الباحثون والطلبة في هذا المجال. ووعيا بما قد يعتري سرديات الذاكرة من نزوع للتضخيم بعدما قد تكون تعرضت له من نسيان، حرص الحبيب رمضان على احترام اللحظات العاطفية لمناهج الكتابة التاريخية من اخضاع المصادر على اختلافها وتنوعها الى ضرورات التثبت والمكافحة .
ولعل الكاتب قد أصاب في قوله في خاتمة مؤلفه «إن الحديث عن السعداوي لن ينقطع، كما لن ينتهي الكلام عن غيره من المناضلات والمناضلين النقابيين والسياسيين وغيرهم من الأجيال المتعاقبة، ممن قدّموا الكثير لهذا الوطن وضحوّا بكل عزيز لديهم لأجل حرية شعبهم وكرامته وسعادته من الأجيال المتعاقبة. ولن يكفّ النظر أيضا في الحركة النقابية التونسية لعراقة تاريخها وثراء تجاربها وتنوّع روافدها، وهي جزء لا يتجزّأ من التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي التونسي الذي يطبع هويتنا التونسية وذاتيتنا».(ص230).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115