في انتظار قرار مجلس الدولة الفرنسي: تواصل منع «البوركيني» على الشواطئ الفرنسية

تدافعت الأخبار في المدة الوجيزة الفارطة لتتعلق بموضوع واحد أصبح الشغل الشاغل للعديد من مواقع التواصل الاجتماعي. مشهد واحد كان تتويجا لذلك إذ تظهر الصور المتداولة على هذه المواقع تحلق رجال شرطة فرنسيين بأحد الشواطئ (و الذي ذكر البعض أنه تابع لمدينة نيس)

وتوليهم إجبار امرأة جالسة على الرمال علي خلع « البوركيني « تطبيقا للتشريع الجديد الذي يحظر ارتداء هذا النوع من اللباس على شواطئ المدن الفرنسية.
الموضوع إذن متعلق بتنفيذ هذا القانون المثير للجدل و الذي ألهب التعاليق و التحاليل بخصوصه منذ بداية سريانه. المشهد الذي اكتسح الشاشات في وقت وجيز يظهر خضوع المرأة و هي بصدد نزع اللباس الذي كانت ترديه تحت رقابة أعوان الأمن الصارمة. كان المشهد لا يتعلق بفرنسا أو ببلد اروبي أخر و إنما يوحي بأننا في زمن آخر و كوكب أخر..

لكن و بعيدا عن هذه «الوقائع» و طرق التعامل الأمني مع موضوع البوركيني يطرح هذا الملف العديد من الإشكالات القانونية الدقيقة إضافة إلى انعكاسات ذلك على المستوي الاجتماعي تحديدا.

من الواضع انه أريد للجدل حول البوركيني أن يأخذ هذا البعد الإعلامي المدوي فنحن بصدد أمر محدود أصبح ظاهرة أو بالاحري أريد له أن يصبح كذلك. الجدل على اللباس تحديدا «الإسلامي «منه ليس بالجديد في فرنسا و لعل أحسن استدلال على ذلك ما تعلق بالخمار منذ أكثر من عشرين سنة بفرنسا و وقع التداول في الأعوام الأخيرة بخصوص النقاب. موضوع شبيه من حيث الرمزية و الدلالات يفرض نفسه اليوم و يطرح ذات التحديات الاجتماعية و السياسية و الأخلاقية أيضا. تولت بعض المدن الفرنسية تبني قرار منع لباس البوركيني وانطلقت مثلما هو الحال في مدينة نيس في تنفيذه مستعينة بذلك بالقوة العامة. تم رفع الأمر أمام المحاكم ولقد أقرت هذا الموقف المحكمة الإدارية بنيس معتمدة لتأسيس حكمها على فكرة عامة مفادها انه مهما كان الدين أو الاعتبار الديني، الشواطئ لا تمثل أماكن مناسبة للتعبير عن القناعات و الانتماءات الدينية ، معني ذلك أن « الشواطئ لا يمكن تحويلها إلى مكان تعبد» منتهية إلى ربط ذلك بوجوب تحديد حرية اللباس و بالتالي فرض منع البوركيني. السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الإطار يتعلق بمعرفة هل أن موقف المحكمة المؤيد لقرار المنع و الذي هو سليم من أي مأخذ ؟

الإشكال في قضية الحال وبقطع النظر عن منطقية التأسيس الفقه قضائي للقرار إننا بصدد مبدإ عام وقع خرقه بشكل جلي. لا يوجد نص في فرنسا يمنع أي شكل من أشكال اللباس مما يعني أن المبدأ في فرنسا هو الحرية أي الإباحة. الأصل في الأمور ترتيبا على ذلك أن اللباس و شكله هما مجال لا منع فيه. هل أن قرار محكمة نيس الإدارية قد جانب الصواب ( القانوني) عندما اتخذ موقف الرفض بناء على أسانيد اعتبرها البعض أنها تقترب أكثر إلى التقييم الاخلاقوي من التأويل القانوني المحايد . الإجابة ربما يجب انتظارها خلال الأيام القادمة حيث سيتولى مجلس الدولة في فرنسا النظر في التماس قدمته رابطة حقوق الإنسان ضد هذا القرار لمحكمة نيس.سيمثل القرار الذي سوف يقع اتخاذه في هذا الخصوص «سابقة» قضائية الأمر الذي سوف يجعل منه دون شك المرجعية في هذا الإطار .
في انتظار ذلك يبقي المجال مفتوحا كما تبقى صورة شاطئ نيس علامة من العلامات الجلية للاختلافات داخل المجتمع الفرنسي ( و العديد من الدول أيضا) بخصوص كل ما له علاقة بالحريات الفردية و المبادئ القانونية والتأويل القضائي و الاجتماعي لها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115