سنة قضائية استثنائية وأخرى قادمة عنوانها «الضبابية»: توتر «المناخ العام» و معركة متواصلة بين قصر قرطاج وقصر العدالة

• إحالة إعلاميين وسياسيين وأمنيين...، ملفات «ثقيلة» في انتظار الحسم
• قرارات ،إعفاءات وساحة قضائية على صفيح ساخن

بعد ستة أشهر من انطلاق مسار 25 جويلية المرحلة الذي شهد تجميد أعمال البرلمان وإصدار المرسوم عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد قرارات تتعلق بمرفق العدالة تحت عنوان «تطهير القضاء» خلّفت جدلا كبيرا وأزمة بين قصر قرطاج وقصر العدالة ظلت متواصلة إلى حد اليوم وقد تكون أعمق خلال السنة القادمة لأن الطريق إلى حلحلتها لا زال مجهولا ونظرا لاختلاف المواقف لا زال الحال على ما هو عليه.
مدّ وزجر تعيش على وقعه الساحة القضائية منذ منتصف سنة 2021 وتواصل على امتداد السنة المنقضية، أبواب الحوار مغلقة بين رئاسة الجمهورية وزارة العدل من جهة والهياكل المهنية للقضاة من جهة أخرى والنتيجة احتقان واستنكار وغضب واحتجاجات.
البداية بحلّ المجلس...
أولى المفاجآت التي فجّرها رئيس الجمهورية قيس سعيّد كانت بتاريخ 6 فيفري الماضي عندما وجّه رسالة من مقر وزارة الداخلية إلى المجلس الأعلى للقضاء قائلا «من هذه الساعة يعتبر نفسه من الماضي» ليتم غلق أبوابه ووضعه تحت الحراسة الأمنية ،في 12 من نفس الشهر المرسوم عدد 11 الذي تم بمقتضاه إرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، قرار أثار جدلا كبيرا في الساحة القضائية فالكلّ اعتبره تعسّفا على مكسب من مكاسب القضاء حتى أؤلائك الذين كانوا ينتقدون في المجلس باستمرار وفي طريقة تعامله مع عديد الملفات وسياسة التعتيم التي كان ينتهجها،وقد وصفوا المجلس المؤقت بــ»الغير الشرعي».
إعفاء 57 قاضيا وقاضية
بعد ثلاثة أشهر وفي الوقت الذي كانت فيه الساحة القضائية على وقع المفاجأة الأولى اصدر الرئيس سعيّد في غرة جوان 2022 أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء 57 قاضيا وقاضية تعلقت بهم شبهات جرائم فساد مالي وإداري وأخرى إرهابية وفق ما أعلنه رئيس الجمهورية خلال مجلس وزاري، قرار قامت له الدنيا ولم تقعد إلى اليوم فقد ثارت ثائرة أهل الدار وقررت الهياكل المهنية أن تتحد وتكون تنسيقية مشتركة انطلقت بتنفيذ إضراب عن العمل بكافة المحاكم على امتداد شهر كامل كتعبير منها على الرفض القاطع لذلك القرار آملين أن يتم التراجع عنه أو ربما مراجعته ولكن الإجابة كانت اقتطاع من الأجور لكل القضاة الذين شاركوا في الإضراب باعتباره أمر يعطل سير العمل طبقا للفصل 9 من المرسوم عدد 11 الذي يقول» يُحجّر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي مُنظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم.»، كما قامت وزار العدل بصرف مستحقات القضاة المعفيين، لتحتدّ الأزمة أكثر فأكثر وينظم القضاة «يوم غضب»رافضين فيه ما أسموه فرض سياسة الأمر الواقع، ثم دخل عدد من القضاة المعنيين بأمر الإعفاء في إضراب عن الطعام ومع كلّ تلك التحركات باب الحوار بقي مغلقا.
القضاء الإداري وجهتهم
بعد الاحتجاجات الميدانية قرر القضاة المعفيون اللجوء إلى القضاء الإداري حيث تقدموا بطعون في قرارات إعفائهم وبعد أن نظر فيها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية اصدر في أوت المنقضي قراره بإيقاف تنفيذ 49 إعفاءا ورفض البقية باعتبارهم محل تتبعات جزائية، قرار أعاد الأمل بعض الشيء ولكن السلطة التنفيذية كان لها رأي آخر وأجابت عن رفضها لتلك الأحكام الباتة بإيداع ميئات الشكايات ضدّ هؤلاء القضاة موزعة بين القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي المالي والمحاكم العادية من اجل تهم خطيرة، وقد تم فتح أبحاثا تحقيقية وهناك أكثر من 12 مطلبا في رفع الحصانة على طاولة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء العدلي سينظر فيها بتاريخ 24 جانفي المقبل.
حركة قضائية عدلية في الرفوف
بعد أن فقد الأمل في وزارة العدل كجهة تنفيذية أولى للأحكام الإدارية كان جميع القضاة عامة والمعنيين بقرارات إيقاف التنفيذ خاصة ينتظرون إنصافهم في الحركة القضائية من خلال إعادة إدماجهم من قبل المجلس الأعلى المؤقت للقضاء العدلي سواء في خططهم السابقة أو في غيرها، المجلس أنهى أعماله في مناسبة أولى وأحال الحركة على رئاسة الجمهورية التي مارست حق الاعتراض عليها طبقا للقانون وأعادها إلى المجلس لتعديلها، فكان الأمر كذلك ولكن إلى اليوم لم ترى هذه الحركة النور ولا يعلم أحد بفحواها باستثناء المجلس ورئيس الجمهورية، والنتيجة شغورات بالجملة ساهمت في تعطيل سير العمل بالمحاكم وهي سابقة الأولى من نوعها في تاريخ القضاء التونسي بالرغم من أن سعيّد قد أمضى الحركة في الصنف المالي والإداري.
القادم غامض
بعد سنة قضائية استثنائية بجميع المقاييس وفي ظلّ تواصل الأزمة بين «القصرين» الاحتقان التي يعيش على وقعها مرفق العدالة وغياب أي بوادر انفراج ، وحالة جميعها مؤشرات تجعل من السنة المقبلة على المستوى القضائي مجهولة المسار ويحيط بها الغموض حول كيف ستنتهي، فهل سيفتح باب الحوار؟ أم ستزداد الأزمة حدّة وتكون سنة جديدة على صفيح ساخن؟.
ملفات قضائية من الحجم «الثقيل» ضدّ قيادات من حركة النهضة
على ساحة المحاكم والملفات القضائية ، برزت خلال السنة القضائية المنقضية العديد من الملفات «الثقيلة» كملف «التسفير إلى بؤر التوتر « المتعهد به حاليا قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب. ملف الحال شمل أكثر من 80 متهما من بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وحمادي الجبالي والحبيب اللوز ومحمد فريخة ونورالدين الخادمي.
وقد تولى قاضي التحقيق المتعهد إصدار بطاقات إيداع بالسجن ضدّ عدد من الأشخاص في ملف الحال من بينهم سيف الدين الرايس وفتحي البلدي ومحرز الزواري وأخرهم كان علي العريض وما تزال الأبحاث جارية.
كما باشر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب كذلك ما بات يعرف بملف «جوازات السفر» المحال فيه نورالدين البحيري وحمّادي الجبالي ومن المنتظر ان يتولى قاضي التحقيق الاستماع الى البحيري يوم 4 جانفي المقبل.
كما باشر قطب مكافحة الإرهاب قضية أخرى في علاقة بـ«جمعية نماء» شملت الأبحاث فيها أكثر من 30 مظنونا فيهم من بينهم سياسيون وإعلاميون ومدونون وهياكل إدارية. وكانت النيابة العمومية قد أذنت في مرحلة أولى بالاحتفاظ بكل من رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي ورجل الأعمال عادل الدعداع ثمّ تمّ الإفراج عنهما وما تزال الأبحاث متواصلة، علما وانّ راشد الغنوشي قد شملته كذلك في ملف الحال. وكان البنك المركزي قد جمّد في قضية الحال الأرصدة المالية لـ10 أشخاص من بينهم راشد الغنوشي.
ملفات «انستالينغو» والرحلة القضائية
تعتبر ملفات «انستالينغو» من أهم الملفات التي شدّت الرأي العامّ خاصة أمام التهم الموجهة للمظنون فيهم وقائمة الأشخاص الذين شملتهم الأبحاث.
ملف «انستالينغو 1» شملت الأبحاث فيه 6 أشخاص وجهت إليهم تهما تعلقت بـ»الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة و حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، ذلك إضافة إلى المؤامرة الواقعة لارتكاب احد الاعتداءات ضدّ امن الدولة الداخلي وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة». وقد تمّ مؤخرا الإفراج عن أخر موقوف في قضية الحال نظرا لانتهاء الآجال القانونية للإيقاف، وما يزال الملف أمام قاضي التحقيق.
أمّا ملف «انستالينغو 2» فقد شمل 34 شخصا صدرت في شأن 14 منهم بطاقات إيداع بالسجن (من بينهم 11 بطاقة نافذة). وجهت إليهم تهما تعلقت بـ«بغسيل الأموال في إطار وفاق واستغلال التسهيلات التي خوّلتها خصائص الوظيف والنشاط المهني والاجتماعي والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مواجهة بعضهم بعضا وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي وارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة والاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وذلك بمحاولة المسّ من سلامة التراب التونسي». وقد شمل الملف إعلاميين وأمنيين وسياسيين...وما تزال الأبحاث جارية إلى حدّ كتابة الأسطر.
أما الملف الأخير فهو منشور حاليا لدى قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي. وقد شمل مجموعة من الشركات في علاقة بشركة «انستالينغو» وفتح في شأنهم بحث تحقيقي من أجل شبهات تبييض أموال.
حفظ تهم «تضارب المصالح» في حق إلياس الفخفاخ
قضية تضارب المصالح المرفوعة ضدّ الياس الفخفاخ اثناء تقلده منصب رئاسة الحكومة، والتي اثارت جدلا واسعا خلال سنة 2020 انتهت باستقالة المعني بالامر. فقد قررت دائرة الاتهام في 11 ماي الفارط حفظ جميع التهم الموجهة اليه والمتعلقة أساسا بـ«تعمّد تقديم تصريح مغلوط لاخفاء حقيقة مكاسبه ومصالح ومكاسب قرينه وعدم تكليف الغير بالتصرف في حصص واسهم وإدارة شركات خاصة يمتلك رأس مالها كليا وجزئيا في اجل أقصاه شهران من تاريخ التعيين والإثراء غير المشروع».

نورة الهدار وفتحية سعادة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115