الهياكل القضائية بصوت واحد: «قانون المجلس الأعلى للقضاء مخيّب للآمال ولن يتمّ إخضاع القضاة للأمر الواقع» ...

بعد أن قضى أكثر من سنة بين أروقة مجلس نواب الشعب في رحلة برلمانية مطولة تخللتها عديد العثرات تم أمس الخميس 28 افريل الجاري الحسم في مسألة مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء إذ قام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بختمه بعد أن أحالته على أنظاره الهيئة الوقتية لمراقبة

دستورية القوانين التي لم تتمكن من اتخاذ القرار هذه المرة لعدم حصول الأغلبية المطلقة ،رحلة وضعت لها نهاية على المستوى التشريعي ليصبح المشروع المذكور قانونا نافذا ما إن يصدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ولكن يبدو أنها بداية موجة جديدة من الاحتقان والتحركات المنتظرة من أهل الاختصاص أي القضاة والهياكل الراجعين لها بالنظر.

تم اقتراح مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء من قبل الحكومة الممثلة في وزارة العدل باعتبارها وزارة الإشراف في 12 مارس 2015 لتنطلق من هنا مسيرة هذه الوثيقة بين لجنة التشريع العام والجلسة العامة والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين لينتهي بها المطاف لدى رئيس الجمهورية الذي رأى أن يتشاور مع ثلة من رجالات القانون قبل اتخاذ قرار الختم وهي ممارسة وصفت بالمحمودة لأنها اعتمدت آلية الإصغاء لأهل المعرفة.

سنة من العثرات والثغرات
8 جوان 2015 تاريخ أول مصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء أراده القضاة أن يكون إشارة انطلاق مسار السلطة القضائية الدائمة ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفنهم إذ سجلوا عديد الخروقات والاخلالات التي جعلتهم يعبرون عن استيائهم ورفضهم له ، موقف عززه عدد من النواب الذين تقدموا بطعن لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي قبلته وأقرت بعدم دستورية قانون المجلس الأعلى للقضاء وإعادته إلى لجنة التشريع العام لتعديل تسعة من فصوله وبعد إنهاء أعماله إحالته مرة أخرى على الجلسة العامة ولكن عاد أليها مجددا لتجد اللجنة نفسها أمام ما يسمى بالخلل الإجرائي ، ولتفاديه رأت أن تعرض المشروع على رئاسة الحكومة لتتبناه حتى تتضح الرؤية .المفاجأة كانت في موقف هيئة مراقبة الدستورية التي أقرت للمرة الثانية بعدم دستورية المشروع ولكن هذه المرة على مستوى الإجراءات بعد المصادقة عليه ثانية في 13 نوفمبر 2015، قرار لم يكن منتظرا وهو ما احدث منعرجا خطيرا في مسار إرساء قانون المجلس الأعلى للقضاء وجعل لجنة التشريع العام في حيرة من أمرها وأعادت ترتيب أوراقها من جديد واتخذت قرارا برمي الكرة في ملعب الجلسة العامة التي كانت سيدة نفسها واختارت أن تعتمد مشروع قانون الحكومة المعروض في 12 مارس 2015 مع تعديل بعض نقاطه وتمت المصادقة عليه في 23 مارس 2016 دون أي صوت محتفظ أو رافض.

مصادقة ثالثة ولكن
المصادقة الثالثة بدورها لم تكن خالية من ردود أفعال أهل القطاع الذين عبروا مرة أخرى عن رفضهم للمشروع فمنهم من خير الاحتجاج ومنهم من خير التريث والتأمل في انتظار استكمال الوثيقة لمسارها المعهود وما سيسفر عنه قرار هيئة مراقبة دستورية القوانين، هذه الأخيرة وفي الوقت الذي ينتظر فيه الهياكل القضائية إقرارها بعدم دستورية القانون للمرة الثالثة باعتبار عدد الاخلالات على حد تعبيرهم فإنها رأت أن تحيل الأمر إلى رئيس الجمهورية باعتبار أعضائهم انقسموا إلى نصفين الأول مع عدم الدستورية والثاني مع وهو مشهد في حد ذاته اعتبره القضاة دليلا على أن القانون تشوبه شائبة.قرار رئاسة الجمهورية يبدو أن تعليله مصادقة نواب المجلس على هذا المشروع بأغلبية مطلقة دون أي محتفظ أو رافض لتكون الولادة القيصرية لقانون طال انتظاره ولكن المولود يبدو أنه غير مرغوب فيه من قبل أهله وذويه.

آجال دستورية في مهب الريح
منذ أن انطلقت أشغال البرلمان في مناقشة مشروع قانون لمجلس الأعلى للقضاء السنة الماضية كثر الحديث عن الآجال الدستورية لإرساء المؤسسات القضائية الدائمة من مجلس ومحكمة دستورية فرغم تأمل السلطة السياسية في عدم خرقها إلا أن مخاوف العديد من القضاة كانت في محلها حيث تم تجاوز الأجل الدستوري الأول وهو 26 ماي 2015 وبما أن العلاقة سببية بين المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية فقد تم بذلك خرق الآجال الثانية والمحددة يوم 26 أكتوبر 2015 لأن المحكمة الدستورية لا يمكن إرساؤها على ارض الواقع إلا بعد إرساء المجلس،

«تشتت القضاة سبب في الأزمة»
أزمة إرساء المجلس الأعلى للقضاء انطلقت منذ البداية لتزداد حدة كلما تقدمت الأشغال داخل قبة باردو وتحديدا في لجنة التشريع العام التي اتهمت بأنها صاغت مشروعا جديدا وضربت بمشروع الحكومة عرض الحائط، أزمة كان من المفترض أن تواجه بجدار صلب من القضاة بتوحد هياكلهم المهنية قولا وفعلا ولكن ما لاحظناه وما اقره أيضا البعض من أهل الدار هو توحد المواقف برفض المشروع ولكن التحركات فردية ففي الوقت الذي دعت فيه نقابة القضاة إلى لم الشمل من خلال إنشاء تنسيقية عامة لأن التشتت ساهم في سهولة اختراق القضاة من قبل السلطة السياسية على حد تعبير رئيسها فيصل البوسليمي في مناسبة سابقة فإن جمعية القضاة خيرت أن تخوض المعركة بمفردها وتسير في طريق الاحتجاج علما وان اتحاد القضاة الإداريين وضع يده في يد النقابة وهذا ما يطرح جملة من التساؤلات حول حقيقة العلاقة بين الهياكل المهنية للقطاع ومتى تكون يدا واحدة وكلمة واحدة وصفا واحدا؟
نقابة القضاة

«تواطؤ مؤسساتي على المجلس»
أوضح رئيس نقابة القضاة التونسيين فيصل البوسليمي أنّ كلّ المؤسسات ومن بينها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين قد تواطأت على قانون المجلس الأعلى للقضاء، مشيرا إلى انّه لم يسبق في تاريخ فقه القضاء ان يتخذ قرار مثل ذلك الذي بررت به الهيئة الوقتية عدم وصلها إلى قرار بخصوص مشروع القانون المذكور. واعتبر أنّ قرار الهيئة كان ناتجا عن تجاوزها للآجال القانونية التي تمّ التنصيص عليها صلب الفصل 21 من القانون المحدث للهيئة، علما وانه تمّ تحديدها بـ10 أيام قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة أسبوع لا غير، كما أنّها لما تقم إلاّ بتعطيل صدور قانون المجلس الأعلى للقضاء على حدّ قوله.
هذا وشدّد محدثنا على أنّ القضاة والشعب التونسي بصفة عامّة قد خسر رسميّا معركة تكريس سلطة قضائية مستقلة بعيدة عن الضغوطات السياسية، مشيرا الى انّ القانون الحالي لا يستجيب لتطلعات القضاة.
واوضح البوسليمي بانّ الهيئة الإدارية لنقابة القضاة ستجتمع خلال الايام القليلة المقبلة لتحديد موقفها تجاه قانون المجلس الاعلى للقضاء.

جمعية القضاة التونسيين
«رئيس الجمهورية خيب أمالنا»
اعتبر نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين في تصريح لـ«المغرب» تولي رئيس الجمهورية ختم مشروع قانون الأساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء، رغم مخالفته الواضحة والصريحة لأحكام الدستور التونسي، بمثابة خيبة الأمل لكلّ القضاة. موضحا بانّ الجمعيّة كانت قد حذّرت في أكثر من مناسبة من امكانية تمرير المشروع المذكور على صيغته الحالية، نظرا لما شابه من خروقات وتجاوزات والخطورة التي يمثلها على مستقبل القضاء ومدى استقلاليته على حدّ تعبيره.
واكّد بانّ الجمعية ستتولى عقد اجتماع لتداول المسالة مع كافة الأعضاء لتحديد المواقف والإجراءات التي ستقوم بها في نضالها من اجل تكريس سلطة قضائية مستقلة، وستعلن عن خططها خلال الايام القليلة المقبلة.

وأفاد محدّثنا بانّ الجمعية كانت قد دعت مؤخرا رئيس الجمهورية إلى ردّ مشروع القانون إلى مجلس نواب الشعب طبق مقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014» لإعادة التداول فيه قصد تنقيته من كل الشوائب التي أحاطت بإجراءات المصادقة عليه شكلا ومضمونا بالنظر لأهمية هذا القانون المصيرية في تركيز سلطة قضائية مستقلة حامية للحقوق والحريات معدلة في نظام الفصل بين السلط والتوازن بينها، ولدفع شبهة عدم الدستورية التي ستظل عالقة بهذا القانون والتي يتوجب استبعادها لأثره الحاسم في سلامة التمشي من عدمه نحو بناء المؤسسات المستقلة لإحدى سلط الدولة الثلاث على حدّ تعبيرها. كما سبق وان نبهت جمعية القضاة من خطورة خيارات تؤسس لموقع هش لمجلس أعلى للقضاء متلبس بشبهات عدم الدستورية ومن تداعيات ذلك على استقرار المجلس بما سيعيق حتما كل دور فاعل له في إجراء الإصلاحات الكفيلة بضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله ودعم حقوق المتقاضين وتطوير قواعد سير العدالة والرّفع من النّجاعة القضائيّة بعيدا عن هيمنة السلطة التنفيذية.

أستاذ قانون دستوري
«القضاء المستقل خير من الف دستور»
اوضح استاذ القانون الدستوري قيس سعيد انّ قرار ختم قانون المجلس الاعلى للقضاء كان سياسيا، حيث اختار رئيس الجمهورية عدم الالتجاء الى هذا الحقّ، دون الالتجاء الى حقّ الردّ او ما يسمى بالـ»فيتو»، لاسباب هو الذي قدّرها ومن بينها ان اسباب المداولة، التي ستكون للمرة الرابعة على التوالي، وانّ القانون اخذ حظه من النقاش فضلا على انّ الهيئة المؤقتة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين لم تعلن عن موقفها.

واعتبر بانه رغم اختلاف الآراء تجاه قانون المجلس الأعلى للقضاء وتباينها الاّ رئيس الجمهورية اتخذ قرارا بختمه امس الخميس نظرا لان الآجال لا تسمح له بالمزيد من الوقت. من جهة هنالك أجال قد فاتت أساسا بخصوص تركيز المؤسسات الدستورية ومن جهة أخرى فقد سبق وان نظرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في قانون الحال مرتين اثنين في حين لم تتوصل في المرة الثالثة إلى حلّ.

وأشار مخاطبنا إلى القضية الأساسية اليوم تتمثل في صراع بين السلطة السياسية والسلطة القضائية ولا يمكن اختصارها في مسائل إجرائية علما وان تونس لم تشهد مسارا تشريعيا كالذي شهده المسار التشريعي لمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء على حدّ تعبيره.

واعتبر سعيّد بأنّ الركيزة الاولى في دولة القانون هي القضاء المستقل لان القضاء هو الملجأ وقضاء مستقل خير من الف دستور على حدّ تعبيره، مؤكدا انّ قانون المجلس الأعلى للقضاء بصيغته الحالية تشوبه العديد من النقائص. وداعا سعيد القضاة الى الاستئناس بالتجربة البريطانية واثبات استقلاليتهم، مشيرا الى انّ النصّ ليس وحده الضامن لاستقلال القضاء ولكن القضاة يستطيعون فرض استقلاليتهم واستقلال السلطة التي ينتمون اليها.

جمعية القضاة الشبان
«سنقاطع انتخابات المجلس»
أكد رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي انّ هنالك اتصالا حاليا بكلّ الهياكل الممثلة للقضاء من اجل توحيد الموقف، مشيرا الى انّ الوقت حان للتصدي الى كلّ ما من شانه ان يمسّ من استقلالية القضاة والمرفق القضائي بصفة عامّة. وتمسك محدّثنا بعدم دستورية قانون المجلس الأعلى للقضاء، مؤكدا انّ كلّ الهياكل رغم اختلاف أرائها وتوجهاتها بما فيهم الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي قد اجمعوا على عدم دستورية هذا القانون وحذّروا من مسالة تمريره بالصيغة الحالية لما يمثله من خطورة على السلطة القضائية.
وافاد المسعودي بانّ القضاة لن يقبلوا تنفيذ قانون المجلس الأعلى للقضاء بالصيغة التي ختمها رئيس الجمهورية، مشيرا الى انّ القضاة هم المسؤولون على رسم طريقهم وتحديد مصيرهم بانفسهم ولن يقبلوا ان يتمّ إخضاعهم إلى الامر الواقع. واعتبر المسعودي بانّ الجمعية ترفض تنفيذ هذا المشروع جملة وتفصيلا، موضحا بأن اكثر من نصف تركيبة المجلس من قضاة وفي صورة تمسكهم برفض التنفيذ وعدم تقديم ترشحاتهم للغرض فان القانون سيظلّ آنذاك مجرّد حبر على ورق. وشدّد محدّثنا على أنّ جمعية المحامين الشبّان ترفض رفضا مطلقا تنفيذ هذا القانون، وانّ القانون المذكور سيظلّ حبرا على ورق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115