Print this page

الأستاذ مصطفى الصخري في ذمة الله: من معاني الرحيل

هي مشيئة الله و قدرته. ما أراد فعل. رحل عنا بالأمس الأستاذ مصطفى الصخري تاركا في قلوب كل من عرفوه اللوعة و الحسرة مع الاقتناع التام بأحقية الموت و قدرة الخالق على فعل ما يريد. رحل عن دنيانا واحد من المستخلفين علي الأرض الذي جاءت اثأر حياته و مسيرته بيننا بعلامات صادقة

عن ذلك و عن غلبة الطيبة في سلوكه و تعامله مع من تقاطعت خطواته بخطواتهم.
الأستاذ مصطفى الصخري في ذمة الله... جاء الخبر في الساعات الأولى من الصباح ونزلت معانيه بكل ثقلها على المحكمة الابتدائية بتونس و هي تستقبل ساعتها التاسعة موعد افتتاح الجلسات. ذهول غير مسبوق خيم على المكان و حزن عميق سرى في ثنايا المكان ليملأ بمعانيه فضاء القاعات و قلوب الجميع، زملاءه أساسا من الجنسين الذين وجدوا أنفسهم في حين غفلة في صميم الخبر الحزين. كل الزملاء من المحامين شيبا أو شبابا وقفوا وقفة الأطفال على عتبة خبر الرحيل المباغت «لسي مصطفي».مباغت ؟ هي فقط تعبيرة صادقة في مقابل جلل المصاب.

من يعرفه ( و هؤلاء كثر) يجد صعوبة في مطابقة المسيرة مع الرجل ، كيف له ذلك و هو يقلب مسيرة هذا الشاب المولود في الحامة سنة 1960 الذي التحق بالمحاماة سنة 1989 له هذا الكم الهائل من المساهمات في عالم البحث القانوني و القضائي و هذا الحضور المتميز حقا في ميدان المحاماة . لعلها اصدق دليل على كل ذلك. عزم المرحوم قبل وفاته على إتمام رسالة الدكتوراه. لكن خطفته المنية قبل الانتهاء منها...

كل المحامين و القضاة و العاملين بصفة عامة داخل مرفق القضاء يعرفون الرجل بشكل مخصوص جدا. ذلك لأنه لم يكتف خلال حياته المهنية القصيرة و لكنها فسيحة جدا إلي درجة انك تجد نفسك عند تصفح ما تميز به الرجل من نشاط في اختصاصه مشدودا فعلا لغزارة الإنتاج الفكري المتعلق بمحال عمله كحقوقي و كمحام و كثافة الحضور و صدق السريرة. القليل جدا من أجيال المحامين حاليا ممن لم يتعرفوا على الرجل يكفيهم فقط الرجوع إلى المكتبة القانونية ليكتشفوا أن اسم مصطفى الصخري ليس بالغريب على المكان. كيف لا و الرجل له العديد من المؤلفات و المساهمات المنشورة والتي وإن تركزت على الجوانب الإجرائية في المادة القضائية والقانونية إلا أنها تناولت أيضا مواضيع علمية لها قيمة ثابتة. دليل وحيد علي ذلك : مجموعة المؤلفات التي تتناول الإجراءات و المجلات القانونية والتي سعى صاحبها على إثرائها بنتائج التطبيقات القضائية لها هي كلها دلائل علي الحضور المتميز لمصطفى الصخري. حضور ملموس منذ سنوات من خلال عرف استعمال القضاة والمحامين لهذه المؤلفات كمراجع للبحث و للعمل. الحضور سيستمر دون شك لان من ترك غرسا من هذا القبيل لا يرحل وإنما يبقى ما تركه بيننا من قبيل الصدقة الجارية لأننا نحسبه جميعا من العلم الذي ينفع الناس.

رحل عنا الأخ و الأستاذ و الباحث والجملة البشرية الصادقة مصطفى الصخري. عزاؤنا أن ذلك قدره و قدرنا. رحمه الله. لن ننساه و هل ينسي من كان ، بشهادة الجميع، مثالا للتواضع والطيبة و حسن العشرة؟

المشاركة في هذا المقال