محمد صالح بن عيسى أستاذ القانون العام ووزير العدل الأسبق لـ«المغرب»: «المحكمة الدستورية تاهت في الصراعات السياسية وهناك استخفاف بهذه المؤسسة الهامة»

فشل أعضاء مجلس نواب الشعب مرة أخرى في تخطي عقبة انتخاب ما تبقى من أعضاء المحكمة الدستورية،فشل يبعث برسالة خيبة جديدة للرأى العام عامة ولقطاع القضاء

بصفة خاصة الذين انتظروا ولا يزالون تركيز هذه الهيئة القضائية التي من المفترض طبقا لما نصّ عليه القانون المنظم لها أن تكون مستقلة،ولكن في خضم هذه التجاذبات والتوافقات الهشة التي تضمحل مع كلّ جلسة عامة هل ستكون المحكمة الدستورية مستقلة من حيث التركيبة؟،خاصة مع إخفاق المجلس للمرة الثالثة على التوالي في الخروج من هذه الأزمة التي أصبحت تتعمق شيئا فشيئا وتتجه نحو منعرج خطير وطريق شبه مسدود. في هذا السياق تحدثنا مع السيد محمد صالح بن عيسى الوزير الأسبق للعدل وأستاذ القانون العام الذي أرجع هذا الفشل إلى الصراع بين الأحزاب الممثلة داخل البرلمان لاختيار المقربين لديها و هو ما يتعارض مع روح القانون ومع المبادئ و الغايات التي تبعث على أساسها المحاكم الدستورية وفق تعبيره.
ينص القانون الأساسي عدد 50 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 على أن المحكمة الدستورية تتكون من 12 عضوا يتم انتخابهم بالتساوي من قبل كلّ من مجلس نواب الشعب،المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية (كلّ جهة تنتخب 4 أعضاء)،اليوم المسار متعثر في الدرجة الأولى من السلم في مرحلة التركيز بعد أن تمت المصادقة على التشريع المنظم لهذا الهيكل القضائي منذ أكثر من سنتين.

بداية رحلة الفشل
استغرق النواب أو بالأحرى الكتل النيابية وقتا طويلا لبناء التوافقات التي ستبنى عليها عملية التصويت والانتخابات لأعضاء المحكمة الدستورية ولكن هذه التوافقات سرعانما هوت ما إن انطلقت أولى الجلسات العامة بتاريخ 14 مارس المنقضي ليثبت بالكاشف أنها كانت اتفاقات مغشوشة ليتواصل الفشل في مناسبتين قبل إعادة فتح باب الترشحات من جديد علّه يكون المخرج من هذا الطريق المظلم ولكن شيئا لم يتغير لتؤكد الجلسة العامة الأخيرة التي عقدت بتاريخ 24 جويلية الجاري أن الحسابات السياسية تأتي قبل مصلحة البلاد والعباد،في هذا السياق علّق محمد صالح بن عيسى أستاذ القانون العام ووزير العدل الأسبق في تصريح لــ«المغرب» فقال «المحكمة الدستورية تاهت في الصراعات السياسية و المبادرة التشريعية تهدف لتجاوز حاجز أغلبية الثلثين و هي تشكل ضمانة هامة لتحقيق شروط الحياد و الاستقلالية والكفاءة.! و هو ما ينم عن استخفاف الطبقة السياسية الحاكمة بهذه المؤسسة الهامة».مع تواصل البحث عن طريق التوافقات التي أصبحت شبه مستحيلة يبقى قدر المحكمة الدستورية الانتظار في نفق شبه مظلم علّه يأتي بالفرج لتخرج منه إلى النور وبذلك يفسح المجال لبقية الأطراف لانتخاب نصيبهم في تركيبة هذه الهيئة القضائية.

هل تكون المبادرة التشريعية الورقة الأخيرة؟
بعد فشل الكتل النيابية في التوافق الذي أدى إلى فشل انتخاب الأعضاء الأربعة من المحكمة الدستورية تدخّلت الحكومة وقامت بإعداد مبادرة تشريعية تتمثل في مشروع قانون أساسي لتغيير الأغلبية المستوجبة لانتخاب أعضاء المحكمة المذكورة ،هذه المبادرة أحيلت على لجنة التشريع العام وتمت مناقشتها ولكنها وضعت في الرفوف ولم تتم إحالتها على الجلسة العامة للتصويت،الأمر الذي يفتح الباب للتساؤل لماذا أعدت هذه الوثيقة إن لم يتم استعمالها في حلّ الإشكال؟فهل تركت كورقة أخيرة للحسم بدل التوافقات؟،أسئلة ستظهر الاجابة عنها قريبا،وهنا رأى محمد صالح بن عيسى الذي تقلد سابقا منصب عميد لكلية العلوم القانونية و السياسية والاجتماعية بتونس أن الحلّ يكمن في ضرورة الناي بالمحكمة الدستورية عن الصراعات و التجاذبات السياسية في اختيار الأعضاء لكي نضمن فيهم شروط الكفاءة والحياد والاستقلالية والنزاهة بما يمكن من تطبيق سليم للدستور.وقال ايضا «لا بد من الإبقاء على القانون الحالي و إعادة فتح الترشحات مجددا مع نشر السير الذاتية للمترشحين التي تتوفر فيهم الشروط القانونية لضمان الشفافية في اختيارهم .أما عن إمكانية اللجوء إلى ترشحات فردية عبر ملفات ويتم الاختيار طبقا لشروط توضع مسبقا والابتعاد عن الترشيحات وبالتالي عن تسييس المسألة كما ذهب اليه البعض فقال بن عيسى « الشروط ضبطت في القانون ولا يمكن بالتالي المساس بها، المعضلة تكمن في أن الكتل تسعى، قبل المرور إلى الجلسة العامة ، إلى التوافق أي في الحقيقة إلى الترضيات السياسية المتبادلة وذلك بإسقاط أسماء والإبقاء على أسماء أخرى وهو ما يتناقض كليا مع شروط الكفاءة و الحياد و الاستقلالية و النزاهة،و في تقديري لا يمكن التوصل إلى الحل بدون التحرر من الحسابات السياسية و إلاّ سنرجع إلى محكمة دستورية على شاكلة المجلس الدستوري سابقا من حيث التركيبة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115