على خلفية أحداث محكمة بن عروس: الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تعاين «المتضرّر» وهذا ما جاء في تقريرها

لا تزال واقعة المحكمة الابتدائية ببن عروس تلقي بظلالها على الساحة الوطنية خاصة مع اختلاف الروايات

وتعدّد المواقف منها من ساند النقابيين الأمنيين الذين تجمهروا أمام المحكمة احتجاجا على إيقاف زملائهم من قبل وكيل الجمهورية بشبهة ممارسة التعذيب على أحد الموقوفين وهو عامر البلعزي المتهم في قضيتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي،في المقابل عبرّت منظمات حقوقية وهياكل قضائية وغيرها عن استنكارها لما وقع وأن المشهد الذي رسم مؤخرا سيسيء إلى صورة تونس في الخارج وفي الداخل،الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بدورها كانت على الخطّ إذ تحوّلت لمعاينة «الموقوف» من اجل الوقوف على حقيقة ما وقع وقد أصدرت تقريرا في الغرض.
وللتذكير فإن قلم التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس قد أفرج عن جميع المشتبه بهم من الأمنيين وعرضهم على القيس ،وذلك بعد سماعهم وإجراء المكافحات القانونية اللازمة،من جهة أخرى فقد صدر تقرير الطب الشرعي الذي اثبت وجود أثار تعذيب على أماكن مختلفة من جسم «المتضرّر».

«تهديد المبدأ الدستوري»
اعتبرت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أن التصريحات والتحركات والإجراءات القضائية التي تلت الأحداث في علاقة بتعهد السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس بملف موضوعه شبهة تعذيب أحد المواطنين المشتبه به في قضية حق عام، تهدّد المبدأ الدستوري للفصل 23 الذي ينص صراحة على أن «تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادّي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم.» وللوقوف على حقيقة ما حدث تنقلت السيدة مبارك عضو بالهيئة المذكورة على عين المكان وذلك بعد إشعار تلقته هذه الأخيرة مفاده»تعرّض مواطن محتفظ به لشبهة اعتداء بالعنف المادّي والمعنوي على معنى الفصل 101 مكرّر من المجلة الجزائية، من قبل بعض الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين بفرقة الشرطة العدلية بحمام الأنف، ممّا سبّب له أضرارا بدنية على مستوى اليد، بالإضافة إلى تعريته بالكامل داخل مقرات الأمن. وهو في تلك الساعة في حالة تقديم للنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس.»

«تعليمات بمنع العضو من دخول غرفة الإيقاف»
واجه عضو الهيئة الموفد إلى مقر ابتدائية بن عروس منعا في البداية من مقابلة «المتضرر» حيث تم إبلاغه من قبل رئيس مركز الشرطة بالمحكمة بعدم إمكان ذلك بناء على تعليمات شفاهية من النيابة العمومية وبناء على ذلك توجّه عضو الهيئة مباشرة إلى السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة، الذي استقبله في مكتبه لمدّة حوالي نصف ساعة. وبعد تقديم الصفة وموضوع الزيارة أبدى السيد وكيل الجمهورية استحسانه لوجود الهيئة التي تعمل على تفعيل حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والقضاء على التعذيب والوقاية منه، إلا أنه تمسك بمنع العضو من الدخول إلى غرف الإيقاف بالمحكمة باعتبارها، حسب تقديره، ليست مكان احتجاز،وأمام تمسكّ العضو بضرورة إجراء المقابلة وبأن غرف الإيقاف بالمحاكم تندرج ضمن أماكن الاحتجاز التي يحق للهيئة الدخول إليها بحسب نص صريح منطوق الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 43 لسنة 2013 المتعلق بالهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب، معلما السيد وكيل الجمهورية بأن هذا الرفض غير قانوني وأنه سينتظر انتهاء أعمال سماع المتضرّر من قبل مساعد وكيل الجمهورية ولن يغادر المحكمة قبل القيام بأعمال التقصي كاملة وحسب المعايير الدولية.
مع الساعة الخامسة مساء و45 دقيقة، طلب السيد مساعد وكيل الجمهورية مقابلة عضو الهيئة وأعلمه أنه سيتعهد بجدّية بموضوع التعذيب في حق المتضرّر المحتمل، وأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة حول الانتهاكات التي تعرّض لها، مشيرا إلى أنه سبق وأن نبّه على نفس فرقة الشرطة العدلية بحمّام الأنف بعدم الاعتداء على الأشخاص المتهمين، مؤكدا على ضرورة التقيد في التعامل معهم في إطار القانون بما يتماشى واحترام كرامتهم وذواتهم البشرية.كما أكد من جهة أخرى أنه سيصدر التساخير الطبية اللازمة وفي أسرع وقت لضمان حقوقه وحمايتها،وفي ختام اللقاء أعطى وكيل الجمهورية تعليماته بمقابلة المحتفظ به وسماعه ومعاينة آثار العنف عليه وإجراء ما يلزم في إطار اختصاص الهيئة في مقر المحكمة.

هذا ما قاله «المتضرّر»
بعد أخذ ورد تمكن عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب من مقابلة الموقوف و بسماعه بصفة انفرادية ودون حضور شهود، صرّح بأقواله التي وقع تلقيها شفاهيّا ودوّنها عضو الهيئة وصادق المعني بالأمر على مضمونها ووافق على أن تستعملها الهيئة صلب تقاريرها المنشورة وغير المنشورة وقال حول الواقعة من بدايتها “ بتاريخ يوم الخميس 22 فيفري 2018 حوالي السّاعة العاشرة ليلا حضرت إلى منزلي حوالي تسع سيارات أمنية مختلفة النوع والحجم بها الكثير من الأعوان واقتحموا منزلي وأخذوني بالقوة منه إلى مقر الشرطة العدلية بمنطقة حمام الأنف. وبوصولنا هناك أدخلوني إلى مكتب رئيس فرقة الشرطة العدلية الذي طلب مني: “باش تحكي برجلة أو بأساليب أخرى؟” فأجبته: “نحكي برجلة اسألني وآنا نجاوبك” .- رئيس الفرقة: قلّي، أعطيني الكرهبة CLIO ويني؟
- المتضرّر: والله لا نعرف حتى موضوع على هذه الكرهبة وأوّل مرّة نسمع عليها من لسانك.
- رئيس الفرقة: أنت موش راجل... (وقذفه بكلام بذيء استحى من ذكره للعضو)ثم طلب مني نزع ثيابي فرفضت واستجديته عدم فعل ذلك، إلا أنه سرعان ما التف حولي أربعة أعوان وانهالوا عليّ ضربا بقبضة اليد (بونية) وكانت يداي مكبلتين بالأغلال إلى الأمام ونزعوا جميع ثيابي الفوقية ،ثم طلب مني رئيس الفرقة نزع سروالي فرفضت كذلك وبكيت مستجديا عدم فعل ذلك إلا أنهم واصلوا ضربهم لي بكل ما أوتوا من قوة حتى دفعوني نحو الشباك وكنت أحاول إخفاء وجهي بيديّ المكبلتين، وإذا بإحدى اللّكمات القوية تدفعني نحو البلور فتهشم ورأيت إصبع يدي اليسرى (البنصر) يتدلّى من كفّي والدم يندفع منه ومن يديّ فصحت من هول ما رأيت حتى أغمي عليّ وفقدت وعيي، لكنهم واصلو ضربي وركلي بالأرجل (كما يقول) ثم سكبوا الماء على جسمي وأنفي وفمي حتى “شرقت”، وعندما استفقت من الغيبوبة وجدت نفسي عاريا تماما من كل ثيابي وسروالي وتباني ملقيين أمامي،ولم يكتفوا بذلك رغم الحالة التي كنت عليها فأخذوني إلى السقيفة ووضعوني تحت المطر وألبسوني عجلة مطاطية ورشوا عليّ الغاز وواصلوا سكب الماء عليّ،هذا وقد تولى رئيس الفرقة تسجيلي بفيديو بواسطة هاتفه الجوّال وهدّدني بأنه سينشر ذلك التسجيل على صفحات الفيسبوك ثم أعلمني أنه لن يفعل وسيحتفظ به لديه على قرص ليزري، وبقيت على تلك الحالة حتى الساعة الثانية صباحا، حينها أخذوني إلى مستشفى الحروق ببن عروس حيث تلقيت العلاج اللازم، وبعد ذلك تم نقلي إلى مركز الإيقاف ببوشوشة حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا ومن هناك أحضروني اليوم لسماعي من قبل النيابة العمومية.”

ماذا بعد زيارة التقصّي الأوّلية؟
أنهت عضو الهيئة الأعمال الأولية للتقصّي في محكمة بن عروس وقامت بتوجيه تقريرها للجان المختصة في الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب لاستكمال بقية الأعمال والإجراءات.كما توجّهت للهيئة بتوصية تتمثل في “استعمال الصّلاحيات التي نصّ عليها الفصل 16 من القانون عدد 43 لسنة 2013 الذي يقول: “يمكن لرئيس الهيئة بناء على مداولة للمجلس أن يطلب من السلط المختصّة اتخاذ الإجراءات التحفظيّة المناسبة عند حدوث خرق خطير للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل في مجال حقوق الإنسان.” في نفس السياق قال لطفي عز الدين عضو الهيئة المذكورة في تصريح لـ”المغرب” بأن” أعمال التقصي ستتواصل وذلك بتجميع كل المعلومات ومتابعة الإجراءات وسيقع سماع كل من له علاقة بالملف حتى الأمنيين يمكن سماعهم أن رغبوا في ذلك لأن الهيئة لا تجبر أحدا على الإدلاء بمعلومات ، حتى الضحية لا نجبره هو قراره الشخصي إلاّ أن رفض أي شخص السماع لدى الهيئة لا يمنعنا من التقصي وإصدار تقاريرنا و من رفض إبداء موقفه عليه تحمل ذلك الاختيار”.

«لدى الهيئة نسخة من تقرير الطب الشرعي»
تحصّلت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب على نسخ من تقرير الطب الشرعي وفي اجابة عن سؤال ما اذا كان هذا التقرير يثبت وجود أثار تعذيب وعنف على جسد المتضرّر المحتمل قال لطفي عز الدين عضو الهيئة سالفة الذكر “لدينا نسخة من تقرير الطب الشرعي الذي وثّق ما تمت معاينته فعلا من الهيئة من أضرار بدنية و حلّل أكثر تلك الأضرار والآن السيد قاضي التحقيق أمامه عديد المستندات التي تمكنه من فهم الصورة بشكل أوضح” وأضاف عز الدين”التعذيب لا مبرر له والمحاكمة العادلة يجب أن تحترم من الجميع و خاصة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين باعتبار انتسابهم لشرف المهنة الذي لا يجب أن يدنس و أن الأمن و القضاء يجب أن تتوفر لهما مناخات عمل حرفي يمكنهما من إرجاع الحقوق للمواطنين لان ذلك هو الرابط الأصلي بين المواطن و دولته “.

أضرار بالصورة
عاين العضو الذي بمقر المحكمة الابتدائية ببن عروس الأثار الموجودة على جسم المتضرّر المحتمل وفي هذا السياق جاء في تقرير الهيئة أن الموقوف “يحمل ضمّادات على مستوى اليدين تغطي الكفين والكوعين،آثار بقايا دم متجمّد على مستوى الرأس والأذن اليسرى، زرقة على مستوى الوجه خاصة على الخد والعين اليسرى،آثار دم واضحة على ملابسه من الأمام والخلف وعلى مستوى الكمّين، آثار دم واضحة على جواربه وعلى مستوى القدم من الجهة الأمامية،آثار دم واضحة على حذائه الرياضي وأقفال سرواله مفتوحة ما عدى القفل الفوقي ،هذا وقد تم توثيق كل هذه الآثار بالصورة.من جهتها قرّرت النيابة العمومية “تحويل ملف المعني بخصوص جريمة الحق العام التي وقع إيقافه من أجلها من فرقة الشرطة العدلية بحمام الأنف إلى فرقة الشرطة العدلية بالقرجاني”

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115