حفل ختان في السجن

السجن سجون و الحرمان وقائع، تلك الحقيقة التي لا مناص من إنكارها أو محاولة تجاهلها. من وجد نفسه في يوم من الأيام في وضعية غيرت مجري حياته وأودعته السجن يعرف ذلك جيدا. عليه تحمل تبعات ما جناه في حق نفسه وحق المجتمع و مستساغ جدا أن ينال ما يستحقه

من جزاء من جراء ما اقترفه. السجن هو إذن تكريس مادي لعلوية القانون وضرورة نفاذه. ذلك بعبارة أخرى الجانب الردعي في المنظومة القانونية والتي يتكفل السجن بتكريس أبعادها علي ارض الواقع. لكن السجن ليس عقوبة فحسب وإنما له أهداف أخري يحملها في طياته ومن المفروض أن يتكفل بالسعي إلى تحقيقها. عادة ما يعبر عن ذلك بمفهوم البعد الوقائي للعقوبة القضائية والذي يتولى أيضا السجن توفير الظروف الملائمة لتحقيقها علي ارض الواقع.

طرح منذ فترة ليست بالقصيرة السؤال المتعلق بسجوننا و هل هي قادرة بوضعها الحالي ان تحقق الأهداف المرجوة منها و تحديدا بخصوص الجوانب الوقائية للعقوبة. بمعني أخر هل أن الفترة السجنية لكل محكوم منفتحة من حيث البيداغوجيا وفلسفة التطبيقات على الجوانب الوقائية أم على العكس من ذلك هي مكرسة في الجانب الردعي و الزجري فحسب؟. لا يختلف اثنان حول نوعية الإجابة «المفروضة» من أن الوضعية في سجوننا نتيجة الاكتظاظ و تراكمات الماضي و تداعيات البنى التحتية والعديد من الأسباب الظرفية الاخرى والتي يضيق المجال على ذكرها كلها ليست في أحسن أحوالها وبالتالي لا يمكن الحديث عن السيناريوهات «المثلى» التي من المفروض أن تتكفل بها المنظومة السجنية مما يمكن من تحقيق جانبي الردع و الوقاية للعقوبة. كلنا على علم بالصعوبات المتعددة في هذا السياق وبالمجهود المبذول من طرف الجهات المعنية لتجاوز العلات المتكررة التي تتعلق بالموضوع...

الإدارة العامة للسجون و الإصلاح تبذل منذ مدة مجهودا ملحوظا في هذا السياق و لقد تواترت العلامات عن ذلك. مؤشرات عديدة فرضت نفسها منذ فترة لتشير إلى أن هنالك وعي صريح بضرورة تحيين و تحسين الظروف السجنية، هذا بالإضافة إلى اتخاذ بعض المبادرات التي من شانها الإشارة إلى ذلك.

أخر مبادرة في هذا السياق الايجابي ما تم مع بداية الأسبوع الجاري في السجن المدني بالمسعدين من ولاية سوسة حيث تم تنظيم حفل ختان طفل (سنتان) بمناسبة بلوغه السن القانونية للخروج من حضانة إدارة السجن أين تقيم أمه بصفتها سجينة . ما يثلج الصدر حقا في هذا الخصوص هو أن إدارة السجن جعلت من هذا الحدث الاستثنائي فعلا حفلا لإسعاد الأم بختان ابنها وبحضور عائلتي الطفل الموسعة من الأم والأب واللتان ستتكفلان بتربية الطفل ورعايته إلى حين إنهاء والدة الطفل فترة عقوبتها بالسجن. ولقد تم حفل الختان بإقامة الحفل مع مراعاة طقوس العادة والعرف في هذا المجال من تخضيب يدي الطفل بالحناء وإلباسه الملابس التقليدية التونسية كل ذلك بحضور أمه التي سلمت الطفل إلى عائلتها وعائلة زوجها بعد حفل الختان.
مبادرة و لعلها فتح آفاق على ما يجب أن يكون حتى تتحسن الظروف بسجوننا و ننجح بالنسبة للمنظومة السجنية في ربط الردع بالجانب الوقائي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115