القرار الترتيبي المتعلق بالمنح والامتيازات لفائدة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء: جمعية القضاة تدعو المجلس إلى الرقي بمردوده ليستحق تلك المنح ووزارة العدل حذّرت من الانعكاسات

بالرغم من الجدل الواسع الذي أثاره القرار الترتيبي عدد 1 المتعلق بالمنح والامتيازات لفائدة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في صيغته الأولى إذ عبّر رئيس الحكومة عن التوجه نحو رفضه لأنه مخالف للقانون وفق تعبيره إلا أن المجلس المعني ادخل بعض التعديلات على ذلك الأمر ليصبح (القرار الترتيبي عدد2) وذلك بالتخفيض في المنحة من 3200 دينار إلى

2364 دينار بالإضافة إلى 400 لتر من البنزين والتنازل عن السيارات الوظيفية وقد صدر القرار بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مؤخرا،ليعود معه الجدل من جديد حول مدى استحقاق أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لتلك المنح خاصة وأنهم غير متفرغين وأجرتهم الشهرية بعملية حسابية بسيطة ستتجاوز الستة آلاف دينار أي أكثر من راتب رئيس الحكومة أو وزير.في هذا السياق رصدنا موقف جمعية القضاة التونسيين على لسان نائب رئيسها أنس الحمايدي.

وللتذكير فإن رئاسة الحكومة قد بعثت بمذكّرة إلى المجلس الأعلى للقضاء بخصوص أمر المنح والامتيازات في صيغته الأولى (القرار الترتيبي عدد1) عبّرت فيها عن رفضها له وحدّدت السقف الأقصى للمنحة الشهرية بــ800 دينار بالإضافة إلى منحة كيلومترية بدل البنزين والسيارات لأنه ليس من المنطقي استعمال السيارات الوظيفية لتنفيذ أعباء المهن الحرّة وفق ما جاء في المذكّرة.

«منح مشطّة ولكن...»
إن أعضاء الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي و قبل تسليمها المشعل للمجلس الأعلى للقضاء كانت ترصد لأعضائها منحة شهرية لم تتجاوز 800 دينار لكل عضو لأنهم غير متفرغين وحتى لا يثقل كاهل الدولة ،اليوم أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يرون عكس ذلك وقد حدّدوا منحة لأنفسهم تقدّر بـ 2364 دينار شهريا وهو مبلغ وصف بالمبالغ فيه ولكن من جهة أخرى تطرح جملة من الأسئلة ذات العلاقة ،ما جدوى مذكّرة رئاسة الحكومة؟ ومن المعني بالموافقة على تلك الأوامر أو رفضها؟ القانون الأساسي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء واضح وصريح ينصّ الفصل 42 منه على أن «تتولى الجلسة العامة ضبط المنح المسندة للأعضاء في إطار أحكام الميزانية المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب أي أن المجلس

هو من يتولى تحديد تلك الامتيازات» ،هذا ورأى عدد من المتابعين ان تدخل رئيس الحكومة وإرساله مذكرة للمجلس الأعلى للقضاء بخصوص القرار الترتيبي الأول كان في إطار تقريب وجهات النظر بين السلطتين القضائية والتنفيذية ليس إلاّ لأن رئاسة الحكومة لا دخل لها في مثل تلك الأوامر.

جمعية القضاة من جهتها وفي تعليق على صدور الأمر ومضمونه بالأخص قال أنس الحمايدي نائب الرئيس « المنح والامتيازات الممنوحة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورغم انخفاضها من 3200 دينار تقريبا إلى 2364 دينارا مع 400 لتر من البنزين تعتبر مشطّة ولكن الكرة الآن في ملعب المجلس الأعلى للقضاء الذي يجب عليه أن يثبت أنه يستحق تلك الامتيازات فعلا وذلك من خلال العمل الذي يقوم به والسعي لضمان استقلالية القضاء وحسن سيره ،أعضاء المجلس الأعلى يجب أن نرى منهم أداء في أعلى درجات الرقي» وأضاف الحمايدي «جمعية القضاة ضدّ أن تقتصر عضوية من في المجلس الأعلى للقضاء على الأمور المادية والتقصير في الدور الأساسي لأنهم عينوا لخدمة القضاء والشأن القضائي وإصلاحه وحسن إدارته ولم يعينوا لنيل الامتيازات والمنح فقط».

ماذا عن عدم التفرّغ؟
كل المتابعين للشأن القضائي الذين اعتبروا المنح والامتيازات التي منحها المجلس الأعلى للقضاء لأعضائه مشطّة ولا تتماشى مع أعماله( اجتماعات دورية تقريبا) ارجعوا الأمر إلى نقطة مهمّة وهي عدم تفرغ هؤلاء الأعضاء فالمحامي يباشر عمله والقاضي كذلك بالتوازي مع عضويتهم في المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي فإن منحة 2364 دينارا مرتفعة للغاية ولا تتماشى مع مبادئ الحوكمة الرشيدة لأن المبلغ الجملي لتلك المنح شهريا علما وان (عدد الأعضاء بالمجلس 45 عضوا) تصل إلى 106380 دينار بالإضافة إلى 18 ألف لتر بنزين شهريا موزعة على عدد الأعضاء (400 لتر لكل منهم) ،في هذا السياق علّق أنس الحمايدي فقال «نعم طرحت مسألة التفرغ منذ أن كان القانون قيد النقاش وجمعية القضاة أول المتحدثين عنها ولكن بقطع النظر عن كلّ ذلك فلا مبرّر لأن يكون أداء المجلس الأعلى للقضاء دون المستوى المطلوب ولا بد أن يبرهن أنه يستحق تلك المنح والامتيازات».

«مردود هزيل»
وصف أنس الحمايدي نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين أداء المجلس الأعلى للقضاء إلى حدّ الآن بالهزيل فقال:«لاحظنا من خلال نتائج الحركة القضائية الأصلية والجزئية أي الاعتراضات أن مردود المجلس الأعلى للقضاء في أدنى مستوياته وقد عدنا إلى مربع الولاءات والمحسوبية فنتائج الحركة لا توجد فيها أي نظرة إصلاحية للقضاء وهنا نتساءل هل عيّن هذا الهيكل لنيل الامتيازات والمنح أم لحسن إدارة الشأن القضائي؟ فلا يوجد أي مبرر لهذا الأداء الهزيل» وللإشارة فإن عددا من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء قد قرروا في وقت سابق التوجه إلى المحكمة الإدارية مؤخرا للطعن في قرار رئاسة الحكومة الرافض للقرار الترتيبي عدد 1 المتعلق بالمنح والامتيازات ( 3200 دينار منحة مالية شهريا لكل عضو ،400 لتر بنزين شهريا لكل عضو أيضا وسيارات وظيفية لمن لا يتمتعون بها) ولكن يبدو أنهم تراجعوا عن الأمر مثله مثل بقية عديد القرارات التي تنبثق عن جلسة عامة ثم تبقى مجرد حبر على ورق ولا تنفذ على ارض الواقع لأسباب تبقى مجهولة وفق تعبير أنس الحمايدي.في المقابل يرى المجلس الأعلى أنه نجح في امتحان الحركة القضائية مقارنة بالظروف التي يعمل فيها.

تنقيص من المكانة المعنوية لبعض الخطط
تطرق وزير العدل غازي الجريبي خلال جلسة استماع صلب لجنة التشريع العام التي عقدت قبل صدور القرار الترتيبي المثير للجدل و خصّصت لمناقشة ميزانية الوزارة إلى مسألة المجلس الأعلى للقضاء وقال في هذا الخصوص»الإشكال قائم قبل إرساء المجلس الأعلى للقضاء كما أن المقارنات مع بقية الهيئات وخاصة المحكمة الدستورية غير واردة وغير قائمة بالمرّة لأن أعضاء هذه الأخيرة كلّهم متفرغون والعكس بالنسبة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء فكلّهم غير متفرغين كما أن السيارة الوظيفية لا تعطى إلاّ للمتفرغين ،صحيح أن وزارة العدل ليس لها رأي في الموضوع لأن المسألة تناقش مع اللجنة المختصة والمجلس ولكن يجب أن نعي إلى أين نحن ذاهبون ففي كلّ أنحاء العالم هناك مقاييس بالنسبة للمنح (رئيس الجمهورية،رئيس الحكومة،وزير ثم أعضاء السلطات الثلاث) ونحن لدينا الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ،الرئيس الأول لدائرة المحاسبات،الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ،الوكيل العام لدى محكمة التعقيب وغيرهم لديهم امتيازات وزير وكاتب دولة والقاضي برتبة ثالثة دون خطّة مع الزيادات المرصودة ودون احتساب المنحة التي ستضاف سيكون أكثر من هؤلاء وهذا فيه تنقيص من المكانة المعنوية لبعض الخطط (وزير أو كاتب الدولة) الذي سيجد نفسه في رتبة اقل كما لا بدّ من مراعاة وضعية هؤلاء حتى تتماشى مع المقاييس المعمول بها» هذا وأضاف الوزير قائلا «هذه انعكاسات كبيرة لا بد من الانتباه إليها ولا بد ان نعي ماذا نفعل قبل اتخاذ أي قرار وبالنسبة لوزارة العدل فقد راسلت رئيس الحكومة في الموضوع وقدمت له جدولا مفصلا حول تلك الانعكاسات لاتخاذ ما يلزم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115