Print this page

المنظومتان السجنية والقضائية: اكتظاظ في السجون،محاكم بناياتها آيلة للسقوط،مخططات للإصلاح طال الحديث عنها، فمتى تتحول التصورات إلى واقع؟

إن المنظومتين السجنية والقضائية وكغيرهما من المنظومات تشكوان من عديد الإشكالات على مستويات مختلفة،حقيقة كانت معروفة ولكن مسكوت عنها ،اليوم بعد الثورة أصبحت واضحة للعيان،اكتظاظ كبير جدا في السجون التونسية ،محاكم بناياتها آيلة للسقوط والقائمة تطول ،منذ 14 جانفي والى اليوم لا يزال هدف بناء الانتقال الديمقراطي بكامل مكوناته حلما

في خطواته الأولى،فقد تعاقبت الحكومات ومع كلّ حكومة تظهر استراتيجية عمل توحي بأن الفرج قريب ولكن تبقى مجرد حبر على ورق أو تتقدم الأمور بخطوات بطيئة جدا ،في المقابل فإن الوضع يزداد تأزما يوما بعد يوم من اكتظاظ في السجون وبنايات مهترئة للمحاكم بمختلف ولايات الجمهورية حيث أذن مؤخرا وزير العدل الحالي بإخلاء عدد منها بالإضافة إلى العثرات على مستوى التشريعات إذ لم تر المحكمة الدستورية النور بعد.

حديث عن إصلاحات منتظرة سواء في المنظومة السجنية من خلال تجربة ما يعرف بالسوار الالكتروني للحدّ من ظاهرة الاكتظاظ أو في المنظومة القضائية من حيث تحسين وضعية المحاكم على مستوى البنية التحتية والموارد البشرية وغيرها ولكن على أرض الواقع لا يزال المشهد على حاله ولم يتغيّر.

«بنية تحتية مزرية وإخلاء لعدد من المحاكم»
نادت الهياكل المهنية للقضاة في أكثر من مناسبة بضرورة الالتفات إلى وضعية المحاكم في مختلف الولايات لاسيما في ما يتعلق بالبنية التحتية التي أصبحت تنبئ بالخطر ،مطالب لاقت الاستحسان من وزارة الإشراف إذ تتالت الزيارات لعدد من المحاكم وعلى رأسها محكمة تونس (باب بنات) أين وقف الوزراء المتعاقبون على حقيقة الوضع وعاينوه عن كثب ،القرار وقتها كان تغيير المقر بصفة وقتية ولكن هذا القرار لاقى اعتراضا كبيرا من قبل المتداخلين في مرفق العدالة من قضاة ومحامين ،من جهة أخرى أعطى غازي الجريبي وزير العدل الحالي مؤخرا التعليمات بضرورة إخلاء 4 مقرات محاكم نظرا لبنيتها التحتية المزرية والتي لا تسمح بمواصلة العمل فيها لأنها يمكن أن تسقط في أي لحظة وتمثل خطرا على سلامة روادها من قضاة ومحامين ومتقاضين .هذا و أكد وزير العدل العزم على تحسين البنية التحتية للمحاكم التونسية وإتباع منظومة معلوماتية ناجعة من شأنها التسريع في نسق فصل القضايا وتقريب القضاء من المتقاضين والتقليص من الاكتظاظ في المحاكم وتفادي التنقلات التي لا طائل من ورائها لاستيقاء المعلومات من المحاكم سواء بالنسبة للمحامين أو غيرهم من المتعاملين مع المرفق القضائي وفق تصريح له بمناسبة زيارته إلى ولاية صفاقس للإشراف على الاحتفال بالعيد الوطني للشجرة . كلمات تبعث الأمل ولكن الأهم هو الانجاز والتنفيذ على ارض الواقع لأنه في الحقيقة بعد ستّ سنوات من الثورة ومن الوعود بالإصلاح لم نر شيئا يذكر على ارض الواقع والحديث فقط عن مخططات وتحضيرات. في نفس السياق وصف الجريبي تحسين وضع المحاكم وظروف عمل القضاة بأنه أولوية مطلقة في هذه الفترة بالنسبة لوزارة العدل وقال أيضا «سيتم في الأيام القادمة إبرام اتفاقية بين وزارة العدل ووزارة تكنولوجيات الاتصال لتجسيم هذا الهدف الذي كان شرع فيه منذ مدة في إطار التعاون مع الاتحاد الأوروبي» على حدّ تعبيره.

بصيص من النور في القضاء الإداري
من بين الخطوات التي تعتبر ايجابية للغاية على مستوى إصلاح المنظومة القضائية إحداث الدوائر الابتدائية الإدارية في الجهات والتي ستنظر في النزاع الانتخابي خاصة وان تونس على أبواب انتخابات بلدية في مارس المقبل وفي هذا الإطار ثمّن وزير العدل غازي الجريبي هذا الانجاز وقال « تم إحداث 12 دائرة ابتدائية إضافية ينتظر أن تدخل حيز الاستغلال قبل موفى السنة الحالية وفي أقصى الحالات قبل موعد الانتخابات البلدية في مارس المقبل مضيفا أن « هذه الدوائر القضائية الإدارية في الجهات من شانها أن تسهل عملية الفصل في النزاعات الانتخابية و ستتحول فيما بعد إلى محاكم جهوية وهذه تعد خطوة كبرى وتحولا جذريا في تاريخ القضاء الإداري التونسي وتجسيم لا مركزيته»

ماذا عن المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية؟
رأى المجلس الأعلى للقضاء النور بعد مخاض عسير مرّ به منذ أن كان قانونا إذ تم تركيزه وانطلق في أشغاله ولكن أعضاءه غير راضين على ظروف عملهم لأنهم إلى اليوم وبعد أكثر من ستة أشهر على انطلاق عملهم الفعلي والى اليوم لم يتحصلوا لا على مقرّ ولا على ميزانية ،وأمام هذا الوضع هدّد الأعضاء بالتصعيد وانتقلوا إلى مرحلة التطبيق اذ توجه عدد منهم إلى القضاء الإداري وقدموا اعتراضا على قرار رئيس الحكومة بعدم نشر الأمر المتعلق بالمنح والامتيازات ، وضع وإن تواصل فإنه من المؤكد سيؤثر على الخطوات القادمة ومن أهمها إرساء المحكمة الدستورية ، الكرة اليوم في مجلس نواب الشعب الذي سيقوم بتعيين أربعة من أعضائها أولا طبقا للقانون ثم يأتي دور المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية.في هذا الخصوص اعتبر وزير العدل أن «الباب فتح الآن أمام عملية تركيز المحكمة الدستورية التي يخضع إحداثها إلى تسلسل زمني اشترطه الدستور».

تجربة السوار الالكتروني والتشريع
منذ أشهر كثر الحديث عن العقوبات البديلة للحدّ من اكتظاظ السجون والتي من بينها عقوبة السوار الالكتروني التي تعطي للسجين حرّية جزئية ،اليوم تقع تجارب عديدة لمعاينة مدى جدوى هذه التجربة لتعميمها ،من جهة أخرى هذه التجربة لا بد لها من تعديل على المستوى التشريعي وتحديدا في المجلة الجزائية ،هنا قال الجريبي «على المستوى الإجرائي تشتغل حاليا لجان على تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية بغاية إرساء منظومة للعقوبات البديلة والعمل للصالح العام أما بالنسبة لإجراء السوار الالكتروني الذي يساهم في التقليص من نسبة الاكتظاظ فيتطلب تفعيله أيضا تدخلا تشريعيا حيث سيقدم مشروع
قانون لمجلس نواب الشعب في الغرض ولكن حاليا نقوم بعمليات تجريبية لمعرفة مدى نجاعة هذه الآلية واختبار فاعليته».
لئن توجد خطوات على المستوى التشريعي والتخطيط من اجل إصلاح المنظومتين السجنية والقضائية إلا أن ذلك لا يعتبر كافيا ونحن في سباق ضدّ الزمن فالمحاكم التي تم إخلاؤها سيكون لها تأثير على مصالح المتقاضين ،كما أن الاكتظاظ في السجون ظاهرة تزداد يوما بعد يوم فمتى تتحول الأحلام والتصورات والمخططات الى واقع ملموس؟

المشاركة في هذا المقال