خاص: «المغرب» تنشر مضمون مذكّرة رئاسة الحكومة إلى المجلس الأعلى للقضاء رفض قرار ضبط المنح والامتيازات لأنه «غير قانوني» وبوادر تعمّق الأزمة بين الشقين

تتواصل الأزمة بين المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الحكومة خاصة بعد أن قرّرت هذه الأخيرة صراحة رفض نشر الأمر المتعلق بالامتيازات والمنح لفائدة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمتمثلة في مبلغ مالي قيمته 3.2 ألف دينار تقريبا و400 لتر من البنزين وسيارات ، رئاسة الحكومة أرسلت مذكرّة إلى المجلس المذكور قدمت فيها تفسيرا مفصلا للأسباب

الكامنة وراء قرارها بعدم نشر الأمر محور الحديث بالإضافة إلى مسألة الميزانية والمقر،هذا واستندت في ذلك إلى نصوص قانونية من الدستور ومن القانون المنظم للمجلس، أعضاء الهيكل القضائي حديث التركيز متمسكون بطلباتهم وقرروا اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في ذلك القرار تاركين الجلسة العامة مفتوحة على كلّ الاحتمالات من بينها تعليق العمل.
أثار القرار الترتيبي عدد 1 لسنة 2017 المؤرخ في 28 جويلية من نفس السنة جدلا واسعا وأسال الكثير من الحبر منذ تسرّبه للرأي العام ،إذ وصفت المنح والامتيازات التي منحها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لأنفسهم بغير المنطقية بالمرّة إذ يفوق أجر الواحد منهم أكثر من كاتب دولة أو وزير ، أمر بقي في رفوف الإدارة العامة للقانون والتشريعات برئاسة الحكومة وبعد ثلاثة أشهر تقرّر رفضه بعد الاطلاع عليه.

800 دينار لكلّ عضو قرار لا رجعة فيه
تلقت «المغرب» نسخة من المذكّرة التي وجهتها رئاسة الحكومة إلى المجلس الأعلى للقضاء والمتعلقة بقرار الجلسة العامة للمجلس بخصوص ضبط امتيازات ومنح لأعضائه،هذه الوثيقة أرادت رئاسة الحكومة من خلالها تفسير وتبرير قرار رفضها لذلك الأمر الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء منذ أشهر خلت وفيما يلي النص الكامل للمذكرة.
يثير القرار الترتيبي عدد1 لسنة 2017 المؤرخ 28 جويلية 2017 والذي يتعلق بضبط منح وامتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الملاحظات التالية: ينصّ الفصل 113 من الدستور على أن «المجلس الأعلى للقضاء يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي ويعد مشروع ميزانية ويناقشه أمام اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب» ،كما ينص الفصل 42 من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل من نفس السنة والمتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء أنه « تتولى الجلسة العامة ضبط المنح المسندة للأعضاء في إطار أحكام الميزانية المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب».

وبالتالي فإن ضبط المنح والامتيازات ورد مقترنا بمصادقة مجلس النواب على ميزانية المجلس الأعلى وذلك باستعمال عبارة «في إطار أحكام الميزانية المصادق عليها» وطالما انه بالنسبة لسنة 2017 لا وجود لميزانية خاصة بالمجلس المذكور تولى مناقشتها أمام اللجنة المختصة طبقا للفصل 113 من الدستور وإنما توجد فقط اعتمادات مخصصة لذلك المجلس ضمن ميزانية الدولة لهذه السنة فإنه لا يمكن للجلسة العامة للمجلس الأعلى أن تضبط المنح والامتيازات المسندة لأعضائه وذلك في انتظار إعداد المجلس لمشروع ميزانية لسنة 2018 والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب.
هذا واعتبرت رئاسة الحكومة أن الاعتمادات المخصصة لنفقات التصرّف والتي ستوظف لتغطية تأجير الأعضاء والبالغ عددهم 45 عضوا حدّدت بــ432 ألف دينار وهو ما يوافق مبلغ 800 دينار لكل عضو شهريا طيلة سنة وعلى هذا الأساس وطبقا للفصل 42 من قانون المجلس لا يمكن تجاوز هذا المبلغ.

مبالغ فاقت أجر رئيس حكومة ومسألة التفرغ تثير جدلا
هذه النقطة أثارت جدلا كبيرا أيضا عند معرفة قسمة المنح والامتيازات التي رصدها المجلس الأعلى للقضاء لنفسه وهنا القانون واضح وصريح إذ لا ينصّ على أن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يجب أن يكونوا متفرغين، علما وأن جميعهم لديهم وظائف أخرى (محامين ،أساتذة جامعيين ،قضاة بمختلف الرتب والأصناف...) وهنا أوضحت رئاسة الحكومة في مذكرتها بأن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء غير متفرغين وذلك على خلاف باقي الهيئات الدستورية وبالتالي فإن عضو المجلس سيجمع بين راتبه وبين أجره الشهري كقاض أو كأستاذ جامعي أو مداخيله بوصفه يمارس مهنة حرّة كمحام أو خبير محاسب أو عدل تنفيذ والمنحة التي يتقاضاها بالمجلس الأعلى وهو ما يصعب تبريره في ظل التوازنات المالية الصعبة لميزانية الدولة ،فضلا على أنه يتنافى مع قواعد الحوكمة الرشيدة ومع مرجعيات التأجير في القطاع العمومي في تونس إذ سوف يتجاوز مرتب القاضي من الرتبة الأولى والعضو بالمجلس الأعلى للقضاء مرتب وزير عضو حكومة وسوف يتجاوز مرتب القاضي من الرتبة الثالثة تأجير رئيس حكومة.وقد اقترحت هذه الأخيرة طبقا للمعايير المعتمدة بخصوص تأجير الأعضاء القارين بأن يتم تأجير اجتماعات المجلس الاعلى للقضاء على أساس مبلغ يتم تحديده لكل حصّة مقابل الحضور مع اعتماد سقف سنوي لا يتجاوز 10 ألاف دينار لكل عضو.

منحة كيلومترية بدل السيارات ووصولات البنزين
بالإضافة إلى منح مادية تضمن الأمر الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء امتيازات عينية تتمثل في سيارة ووصولات محروقات وهذا ما اعتبرته رئاسة الحكومة يتجافى مع مبادئ ترشيد المصاريف العمومية طبق ما يقتضيه الفصل 10 من الدستور الذي نصّ على أن «الدولة تحرص على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد « لا سيما وان جميع أعضاء المجلس سيواصلون مباشرة مهامهم الأصلية بالتوازي مع عضويتهم ومن غير المنطقي أن تستعمل السيارات الوظيفية للدولة لتنفيذ أعباء المهن الحرّة».
وهنا اقترحت رئاسة الحكومة لتفادي وصولات البنزين التي وصفتها بغير المبرّرة تمكين الأعضاء الذين يقطنون خارج العاصمة على مسافة تفوق 60 كلم من منحة كيلومترية تقدّر وفقا للمعايير المعتمدة في القطاع العمومي ويكون ذلك عند كل تنقل بموجب استدعاء رسمي.
وبناءا على كلّ ما سبق ذكره أعلمت رئاسة الحكومة المجلس الأعلى للقضاء بأنها تتجه نحو عدم نشر القرار المتعلق بالمنح والامتيازات لمخالفته للقانون وطالبت الأخير بمراجعته بما يتماشى مع القانون المنظم له ولقانون المالية 2017

المجلس الأعلى للقضاء غاضب
عقد المجلس الأعلى للقضاء أكثر من جلسة عامة في ظرف وجيز وفي كل مرّة يضع مسألة عدم صرف الميزانية ورفض نشر قرار المنح والامتيازات بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية على طاولة النقاش إذ قرّر في مرحلة أولى مقاضاة رئاسة الحكومة ووزارة المالية ليعلن خلال جلسة أخرى مقاضاة رئاسة الحكومة فقط ولكن في كلّ مرّة يخيّر التأني لعلّ رئيس الحكومة يغيّر رأيه ولكن بعد توصله بالمذكرة «المفاجأة» ثارت ثائرة أعضائه الذين عقدوا جلسة عامة ثالثة أكدوا فيها على نفس قرارات الجلسات السابقة وهي الطعن في قرار رفض نشر الأمر محور الجدل وذلك أمام المحكمة الإدارية في انتظار إيداع العريضة رسميا.
مذكرة يمكن وصفها بأنها شديدة اللهجة إذ تضمنت قرارات من رئاسة الحكومة قابلها غضب واحتقان في صفوف أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وهي بوادر أزمة أخرى ومنعرج خطير آخر في مسار هذا الهيكل القضائي والكرة في ملعب القضاء الإداري. علما وأن لقاء جمع قبل ذلك بين الرئيس المؤقت للمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الحكومة يوسف الشاهد بحضور وزير العدل غازي الجريبي ولكن الرئيس المؤقت لم يخرج راضيا من ذلك الاجتماع لتكون بداية المنعرج.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115