بعد أن تعذّر على هيئة مراقبة الدستورية الحسم بشأنه رئيس الجمهورية يختم قانون المصالحة في المجال الإداري

قام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أمس الثلاثاء 24 اكتوبر الجاري بختم القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري وذلك بعد أن رمت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الكرة في ملعبه نتيجة تساوي الأصوات بين أعضائها الستة ،بهذا الختم وضعت رئاسة الجمهورية حدّ لسنتين من الجدل حول هذا القانون منذ أن كان

مشروعا،علما وأنها هي الجهة المبادرة التي اقترحت تلك الوثيقة بهدف دعم الاقتصاد. وللتذكير فإن قانون المصالحة الإدارية كان محلّ طعن من طرف أكثر من 30 نائبا بمجلس نواب الشعب ولكن الهيئة المعنية وبعد أن ترسخت لدى أعضائها قناعة بأنهم لن يتوصلوا إلى اتفاق بالأغلبية حول قرار واحد أحالت الأمر إلى رئاسة الجمهورية طبقا لما يمليه عليها القانون.

وطبقا لمضمون قانون المصالحة الإداري وما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية فإنه يتمتّع بالعفو العام الموظفون وأشباههم الذين تمت مؤاخذتهم على أفعال متصلة بمخالفة التراتيب أو الاضرار بالإدارة لتحقيق منفعة لا وجه لها للغير، ويُستثنى من كانت الأفعال المنسوبة إليهم تتعلق بقبول رشاوى أو الاستيلاء على أموال عمومية.

حصّل ما في الصدور
بعد أن تعذّر على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الفصل في عريضة الطعن المقدم من قبل أكثر من 30 نائب من مجلس نواب الشعب في قانون المصالحة المصادق عليه مؤخرا أحالت المسألة إلى رئيس الجمهورية الذي حسم الأمور ووضع حدّ لرحلة هذه الوثيقة التي طالت أكثر من سنتين بين أروقة قبة باردو إذ ختمها أمس الثلاثاء 24 أكتوبر الجاري علما وأن رئيس الجمهورية لديه خيارات أخرى طبقا للقانون كأن يعيده إلى مجلس نواب الشعب أو عرضه على الاستفتاء طبقا للدستور. ولكن بقرار الختم سيصبح قانون المصالحة في المجال الإداري نافذا بمجرد نشره بالرائد الرسمي.
من جهة أخرى فإن الأصوات المعارضة لهذا القانون لوّحت قبل عملية الختم وأنه حتى في صورة مروره ونفاذه سوف يسعون إلى عدم تطبيقه على ارض الواقع وفق تعبيرهم.

رحلة ثلاثية المراحل
قانون المصالحة في المجال الإداري انطلقت رحلته من قصر قرطاج حيث قامت رئاسة الجمهورية منذ جويلية 2015 باقتراحه بهدف تهيئة مناخ ملائم يشجع على تحرير روح المبادرة في الإدارة والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة وفق تعبيرها،تعهدت به لجنة التشريع العام باعتبارها الجهة المخول لها النظر في مثل هذه المشاريع ،أدخلت عليه جملة من التعديلات وأحالته على الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب التي كانت في كلّ مرة تؤجل عملية المصادقة عليه لامتصاص غضب الشارع والأصوات المنادية بإسقاطه وهي حملة «مانيش مسامح» التي تضم المجتمع المدني ولاقت مساندة أيضا من عديد الأطراف السياسية ولكن بعد أكثر من سنتين وفي دورة استثنائية عقد مجلس نواب الشعب جلسة عامة قرّر خلالها المصادقة على هذه الوثيقة بــ117 صوتا وذلك بعد تغيير اسم القانون وحذف جزء منه يتعلق بجرائم الصرف من طرف اللجنة المعنية ،جلسة مصادقة يتاريخ 13 سبتمبر المنقضي دارت في جوّ من الاحتقان والاحتجاج في قاعة الجلسة لتختتم بمرور القانون ،ولكن في ذات الليلة تحركت الأطراف المعارضة وحرّرت عريضة طعن وجمعت أكثر من 30 إمضاء أحالتها فيما بعد إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في 19 سبتمبر الفارط ،الهيئة المعنية وبعد انتهاء المدّة القانونية الأولى قرّرت التمديد في الآجال بأسبوع لتصدح يوم 17 أكتوبر الجاري بقرارها إحالة الأمر إلى رئاسة الجمهورية طبقا لما ينصّ عليه القانون المنظم لها لأنها لم تتمكن من تكوين الأغلبية بسبب تساوي الأصوات وهذا مردّه العدد الزوجي لأعضاء الهيئة والقانون لا ينصّ على أن صوت الرئيس هو المرجح بل يدخل في التصويت.

المجلس الأعلى للقضاء احتجّ
من بين الإشكاليات التي عرفها مسار قانون المصالحة في المجال الإداري هي مصادقة مجلس نواب الشعب عليه دون التوصل بالرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء،هذه النقطة اثارت جدلا واسعا في صفوف النواب يوم جلسة المصادقة اذ تباينت المواقف بين مؤيد ورافض لهذه الخطوة ،من جهته عبّر المجلس الأعلى للقضاء عن استياءه واستنكاره لما حصل مبينا أن طلب الرأي يوجب التوصل به أي أن المجلس كان عليه الانتظار حتى يتسلم الراي الاستشاري ثم يعقد جلسته ولكن هذا لا يلزمه بأن يقتاد بذلك الرأي ،المجلس الاعلى راسل نظيره مجلس نواب الشعب ليبلغه احتجاجه وأن راي اللجنة المعنية باعداد الراي كان جاهزا وعرض على الجلسة العامة يوم المصادقة على قانون المصالحة،كما احجم المجلس الاعلى على عدم نشر رايه الاستشاري النهائي حتى لا يشوش على اعمال الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وبعد أن اصرت قرارها لم ير هذا الاخير جدوى من نشره.

جدل واتهامات ومطالبة بالاستقالة
هي ليست المرة الأولى التي تحيل فيها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وثيقة محلّ طعن إلى رئاسة الجمهورية نظرا لحصول التساوي في الأصوات فقد حصل ذلك مع قانون المجلس الأعلى للقضاء الذي أثار بدوره جدلا واسعا منذ انطلاقته وطال نشره ليحسم رئيس الجمهورية الأمر ويختمه فأصبح قانونا نافذا،ولكن مع قانون المصالحة في المجال الإداري اختلف الأمر حيث وصف قرار الهيئة بالرغم من أنه قانوني بحت بغير الجريء وبان هذه الأخيرة اختفت وراء القانون حتى لا تعلن عن موقفها صراحة سواء بدستورية القانون أو بعدمها،بل أكثر من ذلك فهناك من السياسيين من طالب أعضاء الهيئة الوقتية بالاستقالة الفورية والإسراع في تركيز المحكمة الدستورية لأنه وفق تعبيرهم الهيئة فشلت في مهمتها. الهيئة من جهتها ردّت على هذا الوابل من الانتقادات اللاذعة مؤكدة على أنها طبقت القانون وأنها نظرت في عريضة الطعن وفي الردود بطريقة موضوعية بحتة وبكل حياد ودون أي انحياز لأي طرف كان ،أما عن قرار الإحالة إلى رئاسة الجمهورية وعدم حصول الأغلبية أوضح الكاتب العام للهيئة حيدر بن عمر في تصريح سابق بأن السبب في ذلك فهو القانون المنظم للهيئة والذي صادق عليه النواب إذ أن عدد أعضاء الهيئة زوجي (6) وبالتالي من الصعب تكوين الأغلبية وكذلك الشأن بالنسبة للمحكمة الدستورية (12) وهو ما يؤكد أن هذا الاختيار مقصود خاصة وانه لم ينص في القانونين على أن صوت الرئيس هو المرجحّ في حال التعادل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115