جدل حول التشريعات المتعلقة بالهيئات الدستورية وخاصة هيئة الحوكمة الرشيدة: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه والعلوية للقانون

تتواصل حالة الاحتقان في صفوف الهيئات الدستورية المستقلة ومن بينها الهايكا والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك على خلفية مصادقة مجلس نواب الشعب على سلسلة من

التشريعات أهمها قانون الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية وقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي أثارا جدلا واسعا نظرا لاختلاف وجهات النظر بين الهيئات المعنية والتي ترغب في الحصول على صلاحيات مطلقة وبين ما تم الاتفاق عليه ضمن القوانين خاصة بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء باعتباره سلطة ورأيه مهم جدا في ما يخص الجانب القضائي للمسألة وتحديدا بخصوص قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والخلاف الذي حصل حول الضابطة العدلية. نقطة أسالت الكثير من الحبر وخلفت استياء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفتحت الباب لعديد الاستفهامات هل كل ما يتمناه المرء يدركه؟ وماذا يقول منطق الأشياء؟

مجلس نواب الشعب صادق على قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بــ116 صوتا والى حدّ كتابة هذه الأسطر لا وجود لطعن في دستوريته وعند انتهاء الآجال القانونية لذلك سيصبح نافذا وما على الجميع إلا السمع والطاعة للقانون وتطبيقه لأن دولة القانون والمؤسسات شعارها لا احد فوق القانون.

المجلس الأعلى للقضاء سلطة
سعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بما في وسعها لإقناع لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح أولا والكتل النيابية ثانيا بوجاهة أفكارها ومقترحاتها وخاصة تمسكها بتمكين الهيئة الجديدة من صلاحية الضابطة العدلية أي أن تقوم هذه الأخيرة بالتحقيق والتقصي مقابل الاستغناء عن هذه المرحلة من قبل القضاء فيما يتعلق بملفات الفساد ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وجرت الرياح بما لا تشتهي سفن الهيئة الحالية التي عبرت عن استيائها من القانون المصادق عليه بصيغته تلك واصفة إياه بالمفرغ من الصلاحيات ويهدد استقلالية الهيئة المقبلة المادية والإدارية،نقاط إذا توقفنا عندها لحظة من الزمن ونظرنا إليها من زاوية منطقية بحتة بعيدا عن المواقف المختلفة الهيئة المنتظر تكوينها ماديا تابعة لوزارة المالية وعند الحديث عن استقلالية مالية يعني أن الهيئة لها مواردها الخاصة وهنا نطرح سؤال كيف ومن أين؟ من جهة أخرى صحيح أن هذه الأخيرة تقدر مستحقاتها المادية بالنظر إلى الأعمال المنوطة بعهدتها ولكن هل أخذت بعين الاعتبار إمكانيات الدولة؟ فالطلب مشروع والاستجابة وفق المقدرة.

أما بالنسبة إلى الضابطة العدلية ،تلك النقطة التي ركّزت عليها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي تعتبرها مفتاح القضاء على هذه الآفة فإنها بدورها تطرح العديد من التساؤلات على مستوى الواقع والمنطق من هو السلطة المجلس الأعلى للقضاء الذي أعطى رأيا استشاريا قال فيه بأن الضابطة العدلية من اختصاص القضاء وحده لأنها الضامن للحقوق والحريات؟ أم الهيئة الحالية وبقية الهيئات الدستورية التي فسرت المسألة في علاقة بالواقع ومدى تقدم القضاء في ملفات الفساد؟ الإجابة واضحة وصريحة المجلس هو الأقوى هنا وهو السلطة ونواب المجلس الذين صوتوا مع القانون محل الحديث وجدوا أنفسهم بين مطرقة رأي المجلس الأعلى للقضاء الذي ولئن كان استشاريا إلا انه له وزن وبين سندان وعدهم للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالعمل على إسقاط القانون ولكن حسموا أمرهم واصطفوا إلى جانب المجلس المذكور.

دور المتفرج
باستثناء الطعن الذي قدم فيما يتعلق بقانون الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية فإنه إلى حد كتابة هذه الأسطر لا توجد أي بادرة لتكرار المسألة بخصوص قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ويبدو أن الأمور تتجه نحو الإبقاء عليه كما هو وبالتالي سيصبح قانونا نافذا وعلى الجميع الاستجابة له وتطبيقه لأنه في نهاية الأمر العلوية للقانون والاستقلالية كل يمكن أن يحققها بطريقته. من جهة أخرى وللتوضيح فإن الطعن من مشمولات نواب المجلس فقط دون سواهم وهنا تلعب الهيئات الدستورية عامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خاصة دور المتفرج وأملها باق في تركيبة الهيئة المقبلة على حد تعبيرها.

ماهي الضابطة العدلية؟
عرف الفصل 9 من مجلة الاجراءات الجزائية الضابطة العدليـة بأنها «مكلفـة بمعاينـة الجرائم وجمع أدلتها والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكم ما لم يصدر قرار بفتح بحـث «وهكذا يتضح أن المشرع تبنى مفهوما ضيقا وظيفيا للضابطة العدلية يرمي إلى تمييزها عن غيرها من الهياكل الشبيهة بها سواء مـن حيـث ممارسـتها لـنفس الصلاحيات أو ارتباطها هيكليا بنفس الجهـاز من جهة ورسم حدود تداخل كل من تلك الهياكل فـي سير الخصومة الجزائية في طورها الاستقرائي من جهة أخرى. فأعمال الضابطة العدلية تغطي حسب هذا التعريف كامل الطور الإسـتقرائي اللاحـق لارتكاب الجريمة والسابق لصدور قرار في افتتاح بحث مما يسهل رسم الحدود بين الأبحاث الموكولة قانونا لأعوان الضابطة العدلية في إطــار الأبحــاث الأوليــة وبين الأبحاث الموكولة لقاضـي التحقيق في إطـار القضايا المتعهـد بهــا بـصفتـه تحقيـق سلطـة» وتتميز أعمال الضابطة العدلية عن أعمـال مـأموري الـضابطة الإداريـة باعتبار أنها مكلفة بمعاينة الجرائم وجمع أدلتها والبحـث عـن مرتكبيهـا وهـي أعمـال قـضائية تتم مباشرتها تحت إشراف سلطة قـضائية ممثلـة فـي الـوكلاء العـامين لـدى محـاكم الاستئناف كل في حـدود دائرتـه (الفـصل 10 )»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115