المصادقة على مشروع قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بصيغته الحالية: «الكتل النيابية تراجعت في اللحظة الصفر و رأي المجلس الأعلى للقضاء زاد في تعكير الأمر»

يتسابق مجلس نواب الشعب ضد الزمن من اجل الإيفاء بوعوده والمصادقة على جملة من مشاريع القوانين قبل العطلة البرلمانية ولكن هذا الإسراع خلف استياء وخيبة أمل لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك بعد

المصادقة مؤخرا على مشروع قانون هيئة الحوكمة الرشيدة بــ116 صوتا مقابل رفض 10 نواب واحتفاظ 5 بأصواتهم دون الأخذ بعين الاعتبار مقترحات الهيئة الحالية وخاصة ما يتعلق منها بالضابطة العدلية. في هذا الإطار أردنا تسليط الضوء على موقف وقراءة الهيئة سالفة الذكر لهذا القانون في الصيغة المصادق عليها فتحدثنا مع محمد العيادي احد أعضائها.

عند الحديث بلغة الأرقام فقد صرح شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأن تونس تسجل خسارة بــ2000 مليون دينار سنويا جراء الفساد.

«استياء الهيئات والمجتمع المدني»
لخص محمد العيادي عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قانون الهيئة الجديدة المصادق عليه مؤخرا في كلمتين «خيبة أمل» موضحا بأن الهيئة ستكون مفرغة من صلاحيات ناجعة وفعالة في مجال البحث والتقصي حسب القانون المخالف للاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها تونس سنة 2008 وللفصل 125 من الدستور فيما أوجبه من استقلالية لتلك الهيئة فأعضاء مجلس الهيئة لا يتمتعون بصلاحية الضابطة العدلية بل أعوان قسم مكافحة الفساد فقط وتحت الإشراف المباشر للقضاء» وقال أيضا « هذا القانون يمثل انتكاسة وتراجعا عن المرسوم عدد 120 لسنة 2011 المنظم لعمل الهيئة الحالية وذلك نتيجة غياب الجرأة والفاعلية المطلوبة لدى جهة المبادرة في إعدادها للنص والتي وجدت لها أغلبية برلمانية حاكمة في نفس الاتجاه والتي لا تملك إرادة حقيقية في مكافحة الفساد والتشريع المنبثق عنها على مستوى الحكومة والبرلمان يؤكد ذلك ،البوادر ظهرت في قانون الأحكام المشتركة وتعزز ذلك بقانون الهيئة الأخير وعليه فإن مجلس الهيئة مستاء إلى جانب المجتمع المدني والهيئات الأخرى».

ماذا عن الكتل النيابية؟
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تقدمت بجملة من المقترحات لتضمن في مشروع القانون محور الحديث ولكن اللجنة المعنية لم تأخذها بعين الاعتبار فاستنجدت الهيئة بالكتل النيابية التي عبرت عن اقتناعها بوجهة نظرها ووعدت بالعمل على إسقاط هذا المشروع ولكن خلال الجلسة العام حدث ما لم يكن في الحسبان والوعود اضمحلت وتبخرت. وهنا علق محمد العيادي فقال « الكتل النيابية رغم اتصالنا بها وجلسات الحوار التي عقدت معها وتعبيرها المباشر لنا عن مساندتنا في نظرتنا المتجددة والواقعية للأشياء فإنها لم تصمد وتراجعت في اللحظة الصفر فكل سيتحمل مسؤوليته

رأي استشاري ولكن
من بين الأطراف المعنية بقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد المجلس الأعلى للقضاء من خلال تقديم رأي استشاري لأن القضاء له دور كبير في مكافحة الفساد وهو الضامن للحقوق والحريات ،نقطة مثلت خلافا بين المجلس والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إذ رأى الأول أن القضاء هو الضامن الوحيد للحقوق والحريات في حين رأى الثاني العكس خاصة بالنظر إلى الواقع ونسبة تقدم القضاء اشتغاله على ملفات الفساد ،مسالة علق عليها محدثنا بالقول «وما زاد في تعكير الأمر هو رأي المجلس الأعلى للقضاء الذي تضمن رفض تمكين الهيئة من صلاحيات الضابطة العدلية بحجة مخالفة الفصل 49 من الدستور الذي يقتضي ان القضاء هو الضامن للحقوق والحريات والحال أن القضاء ولئن كان فعلا كذلك فهو لا ينفرد لوحده وبصفة مطلقة بهذا الاختصاص بل تشاركه فيها الهيئات الدستورية المستقلة على غرار الهايكا ،هيئة النفاذ إلى المعلومة وهيئة مكافحة الفساد وغيرها علما وأن الهيئة حين دفاعها على ضرورة تمكينها من صلاحيات الضابطة العدلية استشارت العديد من أساتذة القانون الدستوري أجمعوا من خلال ردودهم الكتابية على أن ذلك لا يتعارض مع الدستور بأن القضاء ليس الضامن الوحيد والمطلق للحريات والحقوق و لكن للأسف هنالك نظرة تقليدية تحت غطاء الخوف من تغول الهيئات لتبرير هذا الضعف التشريعي والحال أن الأمر يقتضي مراعاة الواقع التونسي المرير منذ الثورة حيث ان القضاء عجز عن مقاومة الفساد»

الأمل في الأعضاء المقبلين
كما هو معلوم فإن الطعن في قانون هيئة الحوكمة الرشيدة مخول فقط لنواب المجلس وبالتالي فالهيئة الحالية لا حول لها ولا قوة سوى متابعة الوضع وفي هذا السياق قال محمد العيادي «نتمنى ان يقع الطعن لان القانون مخالف للدستور في فصله 125 وفي صورة بقاء القانون على ما هو عليه فستكون النتيجة غياب الحماس للعمل في الهيئة المقبلة ومكبلات تشريعية تعيقها لكن الأمل يبقى في انتزاع الاستقلالية والصلاحيات من قبل أعضاء مجلس الهيئة المقبلين حين مباشرتهم لأعمالهم بشرط أن يتم اختيارهم بعيدا عن المحاصصات الحزبية لأننا نحتاج إلى أشخاص مؤمنين بمكافحة الفساد ومتسلحين بالوطنية والجرأة والإقدام

لا طعن إلى حدّ الآن
على خلاف ما حدث فيما يتعلق بقانون الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية الذي سارع النواب بالطعن فيه لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين فإنه والى حدّ كتابة هذه الأسطر لا وجود لأي مبادرة للطعن في قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد رغم ما خلفه من عدم الرضا والاستياء فربما الأيام القادمة تكشف الجديد خاصة وان الآجال القانونية للطعن لم تنته بعد.

دعم لميزانية الهيئة الحالية
صرح محمد العيادي عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن «رئيس الحكومة يوسف الشاهد تعهد لشوقي الطبيب رئيس الهيئة المذكورة بمزيد دعمها على مستوى الميزانية وذلك في آخر لقاء جمعهما منذ أيام واعلمه في نفس الإطار بأن الحكومة ستصرف للهيئة اعتمادا إضافيا استجابة لطلب مسبق منها».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115