قضايا الإرهاب وشبكات التسفير إلى بؤر التوتر: بين لغة الأرقام و ضعف إمكانيات القطب القضائي

آلاف المساجين يقبعون بالسجون التونسية بين موقوفين ومحكومين تتعلق بذمتهم قضايا إرهابية ملفاتها منشورة لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب باعتباره مختصا في مثل هذا الصنف من الملفات،أرقام من المؤكد أنها تترجم مدى خطورة ظاهرة الإرهاب التي اجتاحت تونس

ما بعد الثورة خاصة مع تفاقم آفة أخرى وهي شبكات التسفير إلى بؤر التوتر والتي وجّهت فيها أصابع الاتهام إلى عدد من الجمعيات التي تنشط تحت غطاء العمل الخيري ولكن الحقيقة عكس ذلك فهي تعمل على التغرير بالشباب وتسفيرهم إلى سوريا وغيرها من بؤر التوتر ومنهم من عاد يحمل الفكر المتطرف والإرهابي وكان مصيره السجن،من جهة أخرى توجد آلاف الملفات المنشورة منذ سنوات لدى القضاء والأبحاث فيها لم تتقدم بالقدر المطلوب مما جعل البعض يقول بان ذلك يكرّس سياسة الإفلات من العقاب ولكن بالنظر إلى المسألة بعين القضاة المتعهدين بالملفات يظهر إشكال آخر وهو الإمكانيات المتاحة لهم مقارنة بالكم الهائل من القضايا والموقوفين.

من جانب آخر وفي علاقة القضاء بهذه الملفات فقد وجهت له أصابع الاتهام بأنه يطلق سراح المشتبه في تورطهم في قضايا إرهابية وشاعت عبارة «الأمن يشد والقضاء يسيب»،القضاء من جهته يتعامل مع ملفات ومؤيدات وليس مع أشخاص أو بما يريده الرأي العام وفق تعبيرهم.

حديث الأرقام
بلغ عدد الملفات المتعلقة بقضايا إرهابية والجاري فيها العمل صلب القطب القضائي لمكافحة الإرهاب 1951 قضية وفق الإحصائية التي قدمها وزير العدل غازي الجريبي خلال جلسة الاستماع له مؤخرا في لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التسفير إلى بؤر التوتر مبينا أن بقية القضايا تتعلق بمتهمين بحالة سراح أو فرار،هذا وعلّق بخصوص هذه الملفات واصفا إياها بالمتشعبة والمعقدة لأنها مرتبطة بأطراف داخل وخارج تونس»
وللتذكير فإن الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس قد أصدرت أحكاما في عدد من القضايا المتعلقة بعمليات إرهابية تراوحت بين المؤبد والإعدام للمتهمين فيها سواء منهم بحالة إيقاف أو فرار ،من جهة أخرى هناك ملفات منشورة في الطور الاستئنافي ولكن أغلبية القضايا لا تزال في طور التحقيق والبحث نظرا لتشعبها وارتباطها ببعضها البعض وتورط الكثير من المتهمين في أكثر من ملف.

إمكانيات شبه معدومة
البطء في فصل الملفات ذات الصبغة الإرهابية يطرح أكثر من تساؤل ،الأمر مفهوم عندما نقول قضايا متشعبة ومعقدة لما فيها من أحداث ومعطيات تتطلب الدقة في البحث ولكن الأمر يتعدى ذلك إلى مسألة أخرى على قدر كبير من الأهمية أيضا وهي الإمكانيات المتاحة للإطار القضائي العامل صلب القطب المختص للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه. دعونا نسلط الضوء على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب ،هو هيكل انشئ منذ سنة 2014 حيث تم تدشين مقرّه من قبل رئيس الحكومة مهدي جمعة آنذاك ولكن هذه الخطوة لم تكن ناجحة حيث انتقل القضاة الذين تم تعيينهم للعمل هناك ولكنهم فوجئوا بمكاتب بلا تجهيزات فعادوا أدراجهم وبعد أشهر عادوا ليجد مرّة أخرى إمكانيات لا تسمن ولا تغني من جوع ورغم ذلك انكبوا على فتح الملفات بما توفر لديهم من إمكانيات ،مرّت السنوات وتعالت الأصوات المطالبة بدعم هذا الهيكل سواء على المستوى البشري واللوجستي وتوفير الحماية الأمنية للقضاة ولكن دون مجيب اقتصر الأمر على زيارات ميدانية للوزراء الذين تعاقبوا على وزارة العدل.في نفس السياق علّق غازي الجريبي فقال «الملفات الإرهابية معقدة لارتباطها بعديد الأطراف من جهة وللصعوبات التي يشهدها القطب القضائي من جهة أخرى» موضحا أنّ «هناك لجنة صلب الوزارة تنكب حاليا على مراجعة مجلة الإجراءات الجزائية بالنظر إلى طول الإجراءات مقارنة بالمعدلات المعمول بها في الدول الديمقراطية».

«إحصائيات متضاربة»؟
استمعت لجنة التحقيق في شبكات التسفير إلى وزير الداخلية الهادي المجدوب بتاريخ 5 ماي الجاري الذي أكد أن 800 إرهابي عادوا الى تونس من بؤر التوتر منذ 2011 منهم 190 يقبعون الآن بالسجون و155 تحت الإقامة الجبرية مقابل القضاء على أكثر من 50 آخرين خلال العمليات الأمنية.من جهته قدم وزير العدل غازي الجريبي خلال سماعه بذات اللجنة بتاريخ 17 ماي الجاري إحصائيات تفيد وجود 77 سجينا متهمين بالتسفير إلى بؤر القتال والمساعدة على ذلك، بينهم 31 محكومين و46 موقوفين، أرقام وبالنظر إليها أول ما يتبادر للذهن وجود تضارب واختلاف ولكن الجريبي قال «لا وجود لتضارب بين الأرقام التي تقدمها وزارة الداخلية بخصوص إلقاء القبض على كل من تحوم حولهم شكوك أو شبهات تورط في الإرهاب والتسفير إلى بؤر التوتر والعودة منها، والمعطيات الصادرة عن المصالح القضائية المبنية على إثبات الإدانة بالأدلة والحجج» علما وأن اللجنة المعنية أثارت أيضا هذه النقطة داعية وزارة العدل إلى مدّها بالملفات التي تم البت فيها نهائيا من قبل القضاء بما يساعدها في القيام بمهامها والكشف عن المتورطين في قضايا التسفير إلى بؤر القتال وتحديد المسؤوليات من أجل التصدي لهذه الظاهرة ووضع حد لها».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115