Print this page

بعد المصادقة على المبادرة التشريعية وإحالة المسألة إلى رئاسة الجمهورية: أزمة المجلس الأعلى للقضاء: الختم ووقف النزيف أو العودة إلى نقطة الصفر

مرت ستة أشهر تقريبا على ما بات يعرف بأزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر أولى الخطوات نحو بناء الوضع الدائم للسلطة القضائية، أزمة سببها في الظاهر إجرائي وقانوني ولكن في باطنها حسابات قطاعية وتجاذبات من يأخذ النصيب الأكبر من الكعكة لتتوسع

رقعة الاختلافات بين أهل القطاع من جهة وبين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في حدّ ذاتهم من جهة أخرى أدت إلى انقسامهم إلى مجموعتين،منعرج خطير دام أكثر من أربعة أشهر لتخرج فيما بعد الحكومة عن صمتها وتلمح إلى أنها ستتدخل في صورة تواصل اللاتوافق بين القضاة ثم اقترحت مبادرة تشريعية لتعديل القانون المتعلق بالمجلس لحلّ الأزمة علما وإنها في البداية قالت إن الأمر شورى بينهم. السلطة التنفيذية لا تتدخل،مقترح تزامن مع وجود مبادرة أخرى قام بها ثلاثة من قضاة المجلس المعينين بالصفة وجدت المساند من قبل 28 عضوا ولكن هذا لم يكن كافيا لمرورها لأنها رفضت بطريقة غير مباشرة من قبل الحكومة التي مرّرت مقترحها وصادقت عليه اللجنة المعنية والجلسة العامة في انتظار قرار رئاسة الجمهورية بعد أن احل لها الأمر من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.

إن تدخل الحكومة لئن يمكن أن يتوصل إلى حلّ الأزمة فإنه لم يوقف نزيف الخلافات الذي ما انفك يتسع بين الهياكل القضائية وتحديدا بين جمعية القضاة من جهة واتحاد القضاة الإداريين ونقابة القضاة واتحاد قضاة دائرة المحاسبات وجمعية القضاة الشبان من جهة أخرى.

الكرة في ملعب رئاسة الجمهورية
كما هو معلوم فإن المبادرة التشريعية التي اقترحتها وزارة العدل بصفتها ممثلا للحكومة قد حظيت بمصادقة لجنة التشريع العام رغم المخاوف التي أبداها بعض النواب والذين وصفوا المبادرة بإرادة للالتفاف على السلطة القضائية ،كما تمت المصادقة عليها في الجلسة العامة بتاريخ 28 مارس المنقضي وسط أجواء مشحونة نوعا ما ،النواب الرافضون لهذه الوثيقة مارسوا حقهم القانوني الطبيعي بالطعن في دستوريتها أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين حيث تقدموا بعريضة ممضاة من قبل أكثر من 30 نائبا ولكن الهيئة المعنية وبما انها غير مكتملة النصاب وذلك بسبب الشغورات من جهة وتجريح احد أعضائها في شخصه من جهة أخرى فقد قامت بإحالة الموضوع إلى رئاسة الجمهورية لتعود الكرة مرة أخرى فيما يتعلق بهذا الهيكل إلى الباجي قائد السبسي بصفته رئيسا للجمهورية علما وان القانون الأساسي للمجلس وفي مساره الذي طال أكثر من سنتين وعرف سلسلة من العثرات قد حسم فيه الأمر من قبل رئاسة الجمهورية بختمه وسط حالة من الاحتقان في صفوف أهل القطاع الذين عبروا عن استيائهم وخاصة جمعية القضاة لما في هذا القانون من خروقات على حدّ تعبيرها. أسبوع تقريبا مرّ على إحالة القانون على رئاسة الجمهورية التي لم تختمه إلى حدّ كتابة هذه الأسطر علما وان العديد من الملاحظين يرجحون الختم لحلّ الأزمة خاصة وان المقترح حكومي في ظل تواصل الخلافات بين القضاة.

هياكل دستورية أخرى معطلة ومخاوف
الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان وبقطع النظر عن مدى صحّة أو جدوى أو أهداف التدخل الحكومي في هذه المسألة هو أن تواصل عدم تركيز المجلس الأعلى للقضاء سيؤدي إلى طريق مسدود لا تحمد عقباه خاصة لما عرفته العديد من المحاكم بمختلف جهات الجمهورية الابتدائية منها والاستئنافية من إحالات على التقاعد وبالتالي شغورات عدّة في خطط قضائية مختلفة يجب سدّها وهي مهمة المجلس الأعلى للقضاء دون غيره وفق أهل القطاع ،من جهة أخرى هناك هياكل دستورية أخرى معطلة بسبب عدم إرساء المجلس مثل المحكمة الدستورية التي ستعوض الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ،محكمة تمت المصادقة على القانون المنظم لها منذ مدّة ولكنها بقيت رهينة تركيز المجلس لأن هذا الأخير يعين أربعة من أعضائها،محكمة المحاسبات وهي التسمية الجديدة لدائرة المحاسبات طبقا لمشروع القانون الجديد المقترح وفي صورة استكمال المصادقة عليه فإن مسألة التركيز الفعلي لهذا الهيكل تبقى مرتبطة بالمجلس الأعلى للقضاء أيضا وبالتالي فإن تواصل الحال على ما هو عليه ليس في مصلحة القطاع عامة والمتقاضين بصفة خاصة فالأول سيدفع ثمن هذا التعثر و سيبقى حبيس الوضع المؤقت على خلاف بقية السلطات التنفيذية منها والتشريعية والثاني ستتعطل مصالحه.
من ناحية أخرى فإن التدخل التشريعي قد أثار مخاوف العديد من الأطراف المطلعة والتي وصفته بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تتسبب في كارثة مستقبلا خاصة مع إرساء المحكمة الدستورية على حدّ تعبيرهم، فبمجرد تركيز هذه الأخيرة فإنه بإمكان القضاة الطعن في دستورية قانون المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي تحقيق ما لم يتمكن النواب من تحقيقه بعد أن تقدموا بطعن في دستورية المبادرة التشريعية وذلك بسبب عدم توفر النصاب القانوني للهيئة المعنية وبالتالي فالخسارة ستكون اكبر بكثير ويمكن أن يهدم كل ما بني وسيبنى على حدّ تقدير الملاحظين.

المشاركة في هذا المقال