فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة لــ المغرب: إحداث القطب الحالي من قبيل الدعاية السياسية و قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين زاد في تعميق الأزمة

• اتسمت المرحلة التي أعقبت 14 جانفي 2011 بخطيئة كبرى ارتكبتها الطبقة السياسية في حق البلاد. • وصل الأمر بالبعض إلى اتهام وكيل الجمهورية بأنه أفرج عن المواطن البلجيكي نظير التمديد له من طرف الحكومة. • المؤتمر الأول لمكافحة الإرهاب يوم 5 مارس تحت شعار «مؤسسات تكافح الإرهاب».

لا جدال أن أنظار الرأي العام متجهة كليا في الوقت الراهن إلى القضاء والقضاة وذلك على خلفية ما شهدته الساحة من تطورات وجدل حول كيفية تعاملهم مع الملفات وخاصة الإرهابية منها وما أثارته واقعة حاوية السلاح وكذلك بث فيديو عملية باردو من ردود أفعال متباينة،وضع ألقى بظلاله على عديد المسائل العالقة بخصوص قطاع القضاء سواء من الناحية التشريعية أو ما يعيشه اهل الاختصاص على ارض الواقع. هذه المسائل وغيرها تحدثنا فيها مع فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة التونسيين في أول حوار له مع «المغرب».

• ما هو تقييمكم للوضع العام بالبلاد؟
القضاة معنيون بالشأن العام باعتبارهم في طليعة النخب التي تعمل في صمت و يحاولون أداء واجبهم رغم كل الظروف الصعبة و أحيانا اللاإنسانية التي يعملون فيها. و بالنسبة لنا ننطلق في رؤيتنا للوضع العام من منهج يقوم على تحليل و فهم اللحظة الراهنة ومسار الأحداث الآتية و اقصد هنا منذ 14 جانفي 2011 من ناحية أولى ثم في مرحلة ثانية محاولة استشراف المآلات الممكنة. و حسب نظرنا فقد اتسمت المرحلة التي أعقبت 14 جانفي 2011 بخطيئة كبرى ارتكبتها الطبقة السياسية في حق البلاد و تتمثل في غياب رؤية وخارطة طريق واضحة المعالم لتصفية ارث المرحلة السابقة وذلك بتثمين و دعم المكتسبات والجوانب الإيجابية التي هي من صنع الشعب التونسي و طاقاته البشرية و لا تنسب الى نظام بعينه و في نفس الوقت القطع مع كل اشكال انتهاك القانون

و المحاسبة العادلة و الناجعة للقائمين بها بعيدا عن الشعبوية والشعارات الجوفاء و ان غياب هذه الرؤية أدى بنا الى دولة و بالتحديد الى سلطة تنفيذية فاقدة لبرنامج و باتت رهينة احتقان اجتماعي و وضع اقتصادي صعب فرض على كل الحكومات المتعاقبة الاكتفاء بوضعية حكومات تصريف أعمال تكتفي في مواجهة الأوضاع ببعض المسكنات ذات الفاعلية المؤقتة لتعود الأوضاع للتأزم في كل مرة لتكتمل قتامة الصورة بظاهرة الإرهاب مما فرض على عموم الشعب الخيار بين ثلاثة سيناريوهات فإما عودة الدكتاتورية نتيجة فشل الطبقة السياسية في تقديم بديل يضمن الاستقرار والتنمية و إما استمرار ضعف الدولة و عجز مؤسساتها القائمة عن أداء مهامها بكفاءة و استفحال عقلية الغنيمة لدى مختلف الفاعلين مثل ما هو حاصل حاليا أو السيناريو الثالث القائم على ضرورة إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي وإرساء نظام ديمقراطي يحظى بالرضا الشعبي بما يتطلبه ذلك من تضحيات وتنازلات تبدو مفقودة في نفوس البعض المصرين على المحاولات المتواصلة لارباك الدولة و مزيد إضعافها.

• كيف تقيمون منهجية مقاومة الإرهاب المعلن عنها من طرف الحكومة؟
السؤال في حد ذاته يحتوي جزء من الإجابة و هو إعطاء الانطباع بان المسالة تهم الحكومة فقط أو أن هاته الأخيرة قادرة بمفردها على مجابهة الظاهرة في غياب اصطفاف شعبي واسع وراءها يمكنها من النجاح في مسعاها وطالما ان الأمر لم يكن كذلك فانه من الطبيعي أن نجد بعض العثرات في هذا المسار مثل عمليتي باردو و سوسة ذلك أن مجرد التصريح بان مقاومة الإرهاب من الأولويات لا يؤدي بالضرورة إلى النجاح دون التشكيك طبعا في وجود الإرادة و النية و كان على الحكومة أن تضع استراتيجية وطنية تتداخل فيها جميع الحساسيات من أحزاب سياسية وإعلام ومكونات المجتمع المدني و غيرهم يكونون الدرع الواقي للحكومة في مساعيها وسندا لها في الداخل والخارج ولم لا ممولا للحكومة في حربها عبر التنازل عن المطلبية المشطة أو حتى التبرع بالمال لتضعيف فرص النجاح و أما بالنسبة للقوات المسلحة و القضاء فان دورهم واضح في هذا المجال إلا أن العوائق المادية تقف أحيانا حاجزا بيننا و بين النجاح و على كل فان ما تحقق إلى حد الآن يعتبر إيجابيا مقارنة بما تشهده بعض الدول الأخرى واستعدادا من نقابة القضاة للتمادي في هذا التمشي فإنها ستكون طرفا من بين عدة جمعيات ونقابات قضائية اخرى في المؤتمر الأول لمكافحة الإرهاب الذي سينعقد يوم 5 مارس تحت شعار «مؤسسات تكافح الإرهاب»

• لا يزال القضاء اليوم في الوضع المؤقت لأسباب عدة كيف تعلقون على ذلك؟
هي بالتأكيد وضعية غير مريحة بالنسبة للقضاة و الشعب الذي من حقه أن يكون له قضاء قوي وناجز و مستقل و أكثر من ذلك هي شعور القضاة بعدم وجود الرغبة في إرساء المؤسسات الدستورية التي تتعلق بمساره المهني و قد عشنا منذ سنة 2011 عدة تقلبات في هذا المجال بين إعداد القوانين وإسقاطها و لايزال القضاة إلى حد الآن يدفعون ضريبة هذا الوضع و الذي لا يخدم العدالة في شيء ولولا إرادة القضاة في تحمل مسؤوليتهم تجاه المتقاضين لكانت الوضعية أكثر سوء و على كل حال فإننا نسعى إلى أن يصدر القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء في هذه المدة ثم المرور إلى القانون الأساسي للقضاة الذي يعود إلى سنة 1967 و الذي لا يتناغم في جزئه الأكبر مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء.

• رحلة المجلس الأعلى للقضاء لا تزال متواصلة في تقديركم ما هو الحل للخروج من هذه الدوامة خاصة و أن تعطيله ساهم في تأخر إرساء المحكمة الدستورية؟
لقد كان موقفنا واضحا في هذا المجال و انه يجب احترام قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين دون المرور إلى حرب لي الذراع بين الهيئة و مجلس النواب وبالتحديد لجنة التشريع العام إلا انه بمتابعة ما جد في هذا الصدد يبدو أن الأمر أعمق من ذلك بكثير ويمس مباشرة الدستور الذي أسس لنظام سياسي غير واضح المعالم بمعنى أن معركة قانون المجلس الأعلى للقضاء هي في حقيقة الأمر صراع حول صلاحيات الحكومة في اقتراح مشاريع القوانين وصلاحيات المجلس التشريعي الذي يرى نفسه سيدا في كل ما هو متعلق بالقوانين و قد زاد قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في تعميق الأزمة لما صدر بنوع من الغموض ولأجل ذلك و للخروج من هذه الأزمة فقد اتصلت نقابة القضاة برئاسة المجلس التشريعي و في مناسبة ثانية بلجنة التشريع العام واقترحنا أن تتم مراسلة الهيئة قصد شرح قرارها و من ثمة إيجاد سبيل للخروج من هاته الأزمة

• قضاة القطب يتعرضون إلى هجمة شرسة من قبل أطراف إعلامية وسياسية وأمنية ؟
ان دورنا كقضاة المتمثل في فض النزاعات بين طرفين متقابلين سواء في المادة المدنية أو الجزائية من شانه أن يخلق البعض من عدم الرضا من قبل احد الفريقين ولطالما كانت القرارات و الأحكام محل انتقاد إلا أننا انتهجنا في نقابة القضاة سياسة النأي عن الدخول في صراعات من شأنها توتير الأجواء في البلاد إلا أن ذلك لا يعني التزامنا الصمت تجاه كل من سّولت له نفسه الاعتداء بأي صورة كانت على احد السادة القضاة واتخاذ الوسائل الكفيلة بردعه صونا لهيبة القضاء. وقد نبهنا في عديد المناسبات إلى خطورة تسريب وكشف معطيات تتعلق بملفات قيد البحث وقد أثبتت الأيام صحة هذا التوجه وها نحن نشهد اليوم حربا بين جهات مختلفة بما فيها القضائية بالنظر إلى ما تم الخوض فيه من طرفهم في المنابر الإعلامية فنجاح القضاء او فشله حسب نظرنا يقوم أساسا على إنجاح القضايا التي يتعهد بها الزملاء وكشف الحقيقة لا غير أما الظهور الإعلامي فيجب أن يقتصر على عرض مشاغل القضاة للرأي العام لا غير لان كشف الملفات وما حوته من وقائع من شانه ان يهز ثقة المتقاضي في القضاء على أساس أن هناك من يستغل أسرار الناس بحكم وظيفه وهي مسالة تقترب من عملية التشهير وللأسف هذا خطأ وقعت فيه بعض الجهات .

• بماذا تفسرون «تباطؤ» الحكومة (وزارة العدل) في تحسين ظروف القطب القضائي لمكافحة الإرهاب؟
ظروف القطب القضائي لمكافحة الإرهاب مرتبطة بالقانون المنظم له والذي صدر بنوع من التسرع ودون مشورة أهل الاختصاص والمقصود بهم القضاة الذين باشروا ملفات القضايا الإرهابية ففي حين يرى هؤلاء ومعهم نقابة القضاة انه كان على المشرع إحداث أربعة أقطاب قضائية على الأقل بأربع دوائر استئنافية وعدم اقتصار مباشرة تلك القضايا على قضاة الرتبة الثالثة فقط تولى المشرع إحداث قطب يتيم بتونس العاصمة واشترط على قضاة التحقيق خاصة ان يكونوا من الرتبة الثالثة و هو ما أدى إلى عدم إيجاد الإطار البشري من جهة وكذلك المقر الملائم والآمن خاصة بما جعل من إحداث القطب الحالي من قبيل الدعاية السياسية لا غير ولم تهدف إلا إلى تلميع صورة الحكومة في ذلك الوقت ونأمل ان تعمل الحكومة الحالية وخاصة وزارة العدل على إيجاد المقر الملائم للزملاء وبالعدد الكافي كما نأمل تنقيح القانون المذكور والتعويل على الطاقات الشابة وإحداث أقطاب قضائية بجهات أخرى من البلاد.

• ما هو موقفكم مما أثير جراء قرار قاضي التحقيق بخصوص واقعة حاوية الأسلحة؟
في البداية وجب إصلاح خطأ شاع في وسائل الإعلام عبر الترويج إلى أن احد السادة قضاة التحقيق هو من قام بإطلاق سراح المتهم البلجيكي.لم يتعهد أي من السادة قضاة التحقيق بملف قضية الحاوية وغاية ما في الأمر انه وبناء على الإفادة الصادرة عن فرقة الأبحاث الديوانية بخصوص حجز أسلحة وخراطيش لدى نفر بلجيكي الجنسية ونظرا للشبهة الإرهابية التي حامت حول العملية أذنت النيابة العمومية بنابل بإحالة الأبحاث على السيد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس باعتباره مختصا بالنظر في تلك الجرائم وفي الأثناء تم الإذن بإجراء اختبار على الأسلحة المحجوزة وقد جاءت النتيجة لتفيد أن ما تم حجزه لم يحتو إلا على مجموعة من الخراطيش ومسدس وحيد عيار 9 مم ورأى وكيل الجمهورية عدم وجود صبغة إرهابية فقرر إرجاع الملف للنيابة العمومية بنابل إلا أن آجال الاحتفاظ انتهت في الأثناء فتم إطلاق سراحه أما عمّا أحاط بالقضية من ظروف وملابسات وكيف تم إلقاء القبض على المتهم البلجيكي ومن قدمّ الإفادة في شانه وكيف تم تعقبه فإنها تبقى من أسرار البحث ولكن و في إطار الهجمات المتواصلة على القضاة فقد وصل الأمر بالبعض إلى اتهام وكيل الجمهورية بأنه أفرج عن المواطن البلجيكي نظير التمديد له من طرف الحكومة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115