تركيز المجلس الأعلى للقضاء: بين «الاستحالة القانونية» للنظر في المبادرة والولادة العسيرة على وقع مخاوف مستقبلية

يتواصل الجدل بخصوص إرساء أول هيكل قضائي دائم للسلطة القضائية وهو المجلس الأعلى للقضاء فبعد الولادة العسيرة التي عرفها القانون المنظم له هاهو ذات السيناريو يتكرر مع تركيزه حيث

انطلقت الأزمة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات فبدل من أن يتحد القضاة فيما بينهم ويستمدوا قوتهم من لحمتهم لبناء سلطة قضائية مستقلة وبعيدة عن التجاذبات السياسية والحسابات الشخصية فإنهم غلبوا منطق المصالح القطاعية ومن سينال النصيب الأكبر من كعكة المجلس الأعلى للقضاء لتعرف الأزمة منعرجا خطيرا تعمقت فيه الخلافات والتصدّع بين الهياكل وبين أعضاء المجلس فيما بينهم لتتدخل السلطة التنفيذية وتقترح مبادرة تشريعية لحلّ الطريق المسدود فكان الأمر كذلك إذ تمت المصادقة عليها مؤخرا في ظل حالة من الاحتقان من نواب المعارضة خاصة بعد صدور أحكام قضائية عن المحكمة الإدارية تقضي بتوقيف تنفيذ 10 قرارات ناتجة عن اجتماعات المجلس الأعلى للقضاء ،إشكالات عديدة تطرح في هذا السياق تجعل من تركيز هذا الهيكل مخاضا عسيرا وخوفا من ولادة مشوهة عواقبها مستقبلية.

وللتذكير فإن المبادرة التشريعية ولئن نالت تصويت 120 نائبا كانت كافية لمرورها إلا أنه سرعان ما تجنّد أكثر من 35 آخرين من المعارضة للإمضاء على عريضة الطعن في دستوريتها أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.

هل تخرج هيئة القضاء العدلي عن صمتها؟
كما هو معلوم فإن بداية الأزمة كان من بين أهم أسبابها هو الجدل الذي قام حول الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ومدى شرعيتها بعد الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء إذ تعالت اصوات كل من اتحاد القضاة الإداريين ،نقابة القضاة التونسيين و اتحاد قضاة دائرة المحاسبات المطالبة بعدم إمضاء قرارات الترشيح المقدمة من قبل الهيئة المذكورة لأنها لم تعد موجودة على حدّ تعبيرهم ، رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يمض تلك الترشحات ولم يقدّم أي تفسير رسمي ولكن مستشارة رئاسة الجمهورية أكدت في إحدى تصريحاتها على أن الحكومة لا تتدخّل في الأمر لأنه شأن يخص القضاة وهم المعنيون بإيجاد حلّ فيما بينهم ،الحلّ رآه البعض في مبادرة ثلاثية تقدم بها ثلاثة قضاة معينين بالصفة في المجلس امضى عليها 28 عضوا من هذا الأخير ولكن البقية رفضوا الانخراط فيها والتحاور مع الجهة المبادرة على اعتبارها مخالفة للدستور ،الطريق وفق الحكومة أصبح مسدودا والقضاة لم يتوصلوا والى توافق وبالتالي وجدت نفسها مجبرة على التدخل على حدّ قولها فأتت بالبديل وهو مبادرة تشريعية تهدف إلى تنقيح القانون الأساسي للمجلس صادق عليها أكثر من 100 نائب في الجلسة العامة ،بمقتضى تلك التعديلات فإن الترشيحات المقدمة من الهيئة أصبحت ملغاة من جهة أخرى المحكمة الإدارية أقرّت بشرعية وجود هذه الأخيرة وبأحقيتها في تقديم الترشحات ما لم يتم التركيز الفعلي للمجلس ،معادلة صعبة تطرح عديد الاشكالات فمجلس نواب الشعب وبالرغم من صدور أحكام قضائية باتة فإنه واصل في إجراءات المصادقة على المبادرة التشريعية وهو ما اعتبره البعض امتناعا عن تنفيذ الأحكام القضائية والأخطر من ذلك أن القائم بالفعلة هي الدولة التي من المفترض أن تسهر على تطبيق القانون،أمام هذه الوضعية هل تخرج الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي عن صمتها وتطالب بإلغاء قرار رئيس الحكومة برفض ممارسة الاختصاص بخصوص الترشيحات المقدمة سلفا.ونفس الشيء بالنسبة للقضاة الذين تمّ ترشيحهم فلهم الطعن في قرارات رفض تسمياتهم لدى المحكمة الإدارية؟.

جدل النصاب
على وقع ساحة قضائية وسياسية متوترة ومحتقنة بعد المصادقة على المبادرة التشريعية ومفاجأة الأحكام القضائية عن المحكمة الإدارية من المنتظر أن تودع عريضة طعن في دستورية المبادرة المذكورة من قبل أكثر من 35 نائبا عن المعارضة وذلك لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين،الأمر إلى حدّ هذه النقطة يبدو عاديا ومنطقيا وقانونيا ولكن بالنظر إلى تركيبة تلك الهيئة فهي اليوم تتكون من 4 أعضاء فقط باعتبار إحالة اثنين على التقاعد وهما الرئيس واحد الأعضاء،علما وأن القانون عدد 13 لسنة 2014 المنظم للهيئة ينصّ على أن تركيبتها تتكون من 6 أعضاء وهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب رئيسا، الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عضوا ونائبا أولا للرئيس،الرئيس الأول لدائرة المحاسبات عضوا ونائبا ثانيا للرئيس، ثلاثة أعضاء من ذوي الاختصاص القانوني ،رئيس هذه الهيئة هو بدوره رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي سابقا والذي أحيل على التقاعد منذ أشهر،والنصاب القانوني الذي يخوّل للهيئة النظر في مطلب الطعن في دستورية المبادرة التشريعية هو أربعة أعضاء وهو ما طرح وبشدّة مسألة إمكانية النظر في المطلب من عدمها وجعل البعض يتحدث عن استحالة ذلك لأنه بعملية حسابية بسيطة فإن النقاش سيدور بين أربعة أعضاء والنصاب القانوني ينصّ على نفس العدد وبالتالي في صورة عدم التوافق فيما بينهم في قرار ما هذا يضع الهيئة في وضع لا تحسد عليه،في هذا السياق صرّح الطيب المدني رئيس لجنة التشريع العام لجريدة الصباح بأن «أن الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين التي ينتظر أن يلجأ إليها النواب 35 الذين أعلنوا أنهم سيطعنون في دستورية مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ،أصبحت تتكون من 4 أعضاء فقط و هذا العدد لا يسمح بالنظر في عريضة الطعن وبالتالي هناك استحالة قانونية»،وأمام هذه الوضعية أكــد نفس المصدر أن المجلس الأعلى للقضاء سيُركز على حدّ تعبيره.ولكن من جهة أخرى هناك من أبدى تخوفه من الأثار المستقبلية لهذه الإشكاليات فاليوم يمكن أن تمرّ المبادرة ويتم تركيز المجلس ولكن تركيز المحكمة الدستورية يخوّل للقضاة الطعن فيها وبالتالي يمكن أن يهدم كلّ ما بني اليوم وتعود الأمور إلى النقطة الصفر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115