«معضلة» المجلس الأعلى للقضاء: «الهوّة» بين أعضاء المجلس في اتساع ووزير العدل يرجّح الحلّ التشريعي

بعد الولادة العسيرة لقانون المجلس الأعلى للقضاء كان الجميع وخاصة أهل القطاع مستبشرين ببوادر انتقال السلطة القضائية من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم ولكن ما إن تم الإفصاح عن تركيبة المجلس النهائية والتي أسفرت عنها انتخابات 23 أكتوبر 2016 حتى بدأ فتيل الصراعات

يشتعل بين الهياكل في مرحلة أولى وما انفكّ يتطور حتى اتسعت رقعته ووصل إلى المجلس في حدّ ذاته إذ انشق أعضاؤه إلى مجموعتين الأولى دعت إلى اجتماعات وخرجت بسلسلة من القرارات والأخرى معارضة لذلك على اعتبار أن الأمر مخالف للقانون ورمت الكرة في ملعب رئيس الحكومة موضحة أن الحلّ بيده من خلال إمضاء قرارات الترشيح للخروج من الأزمة ولكن إلى اليوم و القضاة ضالون طريقهم مما ينبئ بتدخل قريب من الحكومة بمبادرة تشريعية تعتبر ابغض الحلول .
أزمة المجلس الأعلى للقضاء تعود أطوارها إلى شهر أكتوبر المنقضي إذ أعربت جمعية القضاة التونسيين عن احترازها تجاه تواجد القاضي خالد عباس ضمن التركيبة ووصفته بقائد انقلاب 2005 على الجمعية ،تطورت الخلافات والأزمة وتعمقت إلى أن وصلت إلى طريق شبه مسدود يبحث فيه القضاة عن باب للخروج بهذا الهيكل إلى بر الأمان.

عمادة المحامين على الخط ولكن...
اعتبرت الهيئة الوطنية للمحامين في بيان سابق أصدرته في جانفي 2016 بان قرار المحكمة الإدارية القاضي بتأجيل تنفيذ القرارات المنبثقة عن اجتماعات ما عرف بمجموعة الـ21 للمجلس الأعلى للقضاء فرصة للمّ الشمل ولتسوية الأزمة نهائيا بإيجاد حلول توافقية وتقريب وجهات النظر معبرة عن استعدادها لذلك ،في نفس السياق أكد عميد المحامين عامر المحرزي في تصريح له على أمواج احدى الإذاعات الخاصة بان الهيئة حاولت التدخل في حلّ أزمة المجلس الأعلى للقضاء باعتبارها شريكة في إقامة العدل حيث اتصلت بجميع الهياكل القضائية إلا أن جمعية القضاة لم تتفاعل مع المسألة ،علما وان هذه الأخيرة تعتبر منذ بداية الأزمة بأن الحلّ بين رئاسة الحكومة التي أودعت لديها الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي قرارات ترشيح ولكنها لم تقم بإمضائها. قرارات الترشيح اعتبرتها الهيئة أيضا مفتاح دعوة رئيسها إلى المجلس إلى الانعقاد وبعد رفض الشاهد إمضاءها تعقدت الأمور خاصة وأن خالد العياري قد أحيل على التقاعد.

هل الصمت دليل موت المبادرة؟
من جهة أخرى وكما هو معلوم فقد عمل ثلاثة قضاة معينين بالصفة بنصيحة الحكومة التي عبرت عن موقفها بكل وضوح واعتبرت أن المشكل يهم القضاة لوحدهم والحلّ شورى بينهم ولا دخل لها فيه حيث تقدمت بمبادرة في الغرض ودعت شقي المجلس الأعلى للقضاء إلى طاولة الحوار للخروج من الأزمة بأخف الأضرار ولكن يبدو أن سفينة القادة الثلاثة لم تسر في الاتجاه المأمول إذ رفضت مجموعة الـ21 النقاش وأغلقت باب الحوار على حدّ تعبير رضوان الوارثي احد المبادرين،وبالرغم من ذلك فإن الهيئة المبادرة أحالت مبادرتها على الرئاسات الثلاث للاطلاع عليها وإبداء ردود أفعالهم وعليها تبني الخطوات القادمة.أكثر من أسبوع مرّ على إيداع المبادرة لدى الرئاسات الثلاث ويبدو أنه لا توجد ردود أفعال مما يجعلنا نطرح عديد نقاط الاستفهام فهل ستذهب الحكومة في نفس التمشي الذي اعتمدته في بداية الأزمة إذ خيّرت الصمت تجاه إمضاء قرارات الترشيح من عدمه الأمر الذي قرأه عديد الأطراف بأنه إجابة بالرفض وهذا ما حصل إذ خرجت فيما بعد الحكومة عن صمتها وقالت بان الأمر شورى بين القضاة وأنها لن تتدخل،فهل يتكرر ذات السيناريو مع مبادرة القضاة الثلاثة المعينين بالصفة حيث تلازم الجهات الثلاث الصمت كتعبير عن رفض المبادرة برمتها وبالتالي الحكم عليها بالموت قبل الولادة أم ستعلن تلك الأطراف عن موقفه قريبا؟

هل يرمي القضاة المنديل؟
في الوقت الذي لا يزال أصحاب المبادرة ومن ساندهم فيها من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ينتظرون ردود أفعال الرئاسات الثلاث فإن وزير العدل غازي الجريبي رجّح في تصريح له بإحدى الإذاعات الخاصة أمس الثلاثاء 21 فيفري الجاري إمكانية تقدّم الحكومة بمبادرة تشريعية لحلّ الأزمة في صورة عدم توصل القضاة إلى اتفاق فيما بينهم وقال أيضا» الدولة لا يمكن أن تبقى مكتوفة اليدين إزاء هذه الأزمة التي تسببت في شغورات في المحاكم وتعطيل للمحكمة الدستورية وللأجهزة القضائية».تصريح يمكن أن نستنتج منه بأن التدخل التشريعي بدأ يلوّح برايته في سماء المجلس الأعلى للقضاء وبذلك يرمي القضاة المنديل مجبرين لا مخيرين لأن الكرة كانت في ملعبهم ولكنهم لم يتوصلوا إلى حلّ يرضي جميع الأطراف بل ازدادت الأزمة عمقا. من جهة أخرى فإن التدخل التشريعي ولئن يعتبر طريقا نحو الانفراج إلا أن المساندين له يعتبرونه «شرّا لا بد منه وابغض الحلول» ولكنه الوحيد لإيقاف نزيف الخلافات والاختلافات والإشكالات القانونية العالقة والتي ساهمت في تعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء وعديد الهيئات الدستورية الأخرى ذات العلاقة على غرار المحكمة الدستورية وغيرها كما ساهمت أزمة المجلس في شبه شلل للمحاكم والقطبين القضائيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115