بعد المصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء: جمعية القضاة تقرر الاحتجاج وربما الإضراب والنقابة تخير التريث

لئن تعتبر عملية المصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء خلال الجلسة العامة المنعقدة مؤخرا خطوة ايجابية في ظاهرها فإن الهياكل القضائية لم تر الأمر كذلك وانتفضت لتعبر عن رفضها وغضبها وصدمتها من طريقة تعامل مجلس نواب الشعب

مع هذه الوثيقة التي طال نشرها لسنة كاملة بين أروقة الجلسة العامة ولجنة التشريع العام ومنه إلى هيئة مراقبة دستورية القوانين، مواقف ليست الأولى من نوعها باعتبار الهياكل القضائية المذكورة كانت ومنذ البداية رافضة لما سمي بمشروع لجنة التشريع العام.

قانون المجلس الأعلى للقضاء صودق عليه في مرة أولى وتم الاعتراض عليه أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي قبلت المطلب وأقرت بعدم دستوريته في مرحلة أولى على مستوى عدد من الفصول وثانية على مستوى الإجراءات ليكون الحل رمي الكرة في ملعب الجلسة العامة وقرار العودة إلى قانون 12 مارس 2015 مع إحداث بعض التعديلات.

التصعيد وارد

إذ عدنا بالذاكرة إلى فترة ليست ببعيدة فإننا نسترجع سيناريو مشابه لما يجري اليوم فقد أثار قانون المجلس الأعلى للقضاء جدلا منذ أن كان مشروعا في مارس المنقضي لتهب الهياكل القضائية (نقابة قضاة وكذلك جمعية القضاة) معبّرة عن احتجاجها على جملة من النقاط وخرجت أسلاك قضائية أخرى تطالب بحصتها من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ليتكون مشهد يميزه الاحتقان والغضب انتهى باحتجاجات وإضرابات في المرفق القضائي دامت لأيام.

اليوم وبعد مرور سنة وكأننا بذلك المشهد يحيي عيد ميلاده الأول تجددت الاحتجاجات على خلفية عملية المصادقة الأخيرة. فجمعية القضاة عبرت عن صدمتها لما آلت إليه الأوضاع محملة المسؤولية للسلطة التشريعية على الأخطاء الدستورية الإجرائية التي وصفتها بالاستثنائية والفادحة التي شابت المصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء والتي لم تحصل مع أي مشروع قانون آخر ولقد انكشفت خلفيتها في إجهاض مشروع الحكومة لما تضمنه هذا الأخير من

مقومات استقلالية معقولة لمجلس أعلى للقضاء فاعل في الإصلاح القضائي وتكريس استقلاليته بتركيبة متوازنة وبصلاحيات حقيقية.

هذا وقررت جمعية القضاة في لائحة مجلسها الوطني تنفيذ وقفات احتجاجية بداية من 5 افريل المقبل أمام محاكم الاستئناف بكامل تراب الجمهورية وفوضوا المكتب التنفيذي لاتخاذ جميع أشكال النضال الأخرى وملاءمة التحركات المقررة مع المقتضيات الطارئة وبحسب تطور الأوضاع في المدة القادمة. وهو موقف أبقى على باب التصعيد في طرق الاحتجاج والغضب مفتوحا على مصراعيه فربما يتكرر سيناريو لا تزال صوره راسخة في ذاكرة القضاة عامة كافة الأطراف المتداخلة.

وزير العدل مسؤول بصمته
أعضاء المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين لم يستثن وزير العدل من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع خصوصا عملية المصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء وما رافقتها من اخلالات وهنات فقد جاء في اللائحة المنبثقة عن المجلس المذكور بأن المجتمعين يحمّلون وزير العدل مسؤولية صمته وتغطيته على عملية التقويض الممنهج التي تمت لمشروع الحكومة للمجلس الأعلى للقضاء تحت أنظاره خلال جلسة المصادقة على المشروع المذكور في عملية استثنائية في الأنظمة السياسية بأنواعها مشددين على ضرورة استكمال المسار الإجرائي للقانون المذكور عبر عرضه من جديد على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين طبق ما يقتضيه القانون.

نقابة القضاة تدعو إلى تكوين تنسيقية عامة
في الوقت الذي خيرت فيه جمعية القضاة طريق التحركات الاحتجاجية بتنظيم وقفات في الأسبوع المقبل تعبر فيها عن غضبها واستنكارها فإن نقابة القضاة لئن اشتركت معها في موقفها الرافض لطريقة تعامل مجلس نواب الشعب مع قانون المجلس الأعلى للقضاء واصفين ذلك بغياب الإرادة السياسية في إرساء قضاء مستقل كما أن تشتت القضاة وانقسامهم ساهم في سهولة اختراقهم من قبل السلطة السياسية على حد تعبير الحاضرين في الجلسة العامة العادية للنقابة.

هذا واعتبر رئيسها فيصل البوسليمي أن الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي أعطت الصلاحيات المطلقة للجلسة العامة التي كانت سيدة نفسها فيما يتعلق بقانون المجلس الأعلى للقضاء والمصادقة عليه فرض تصوره. ولكن اختلفت النقابة مع نظيرتها جمعية القضاة في طريقة التعبير عن ذلك الغضب وحالة الغليان التي تشهدها الساحة القضائية منذ أيام حيث خيرت التريث ودراسة الأمور على أكمل وجه وذلك لتفادي اتخاذ أي قرار متسرع.

في المقابل أكدت النقابة على ضرورة الاستمرار في دعم وتفعيل التنسيقية العامة للقضاة التي دعت إليها النقابة خلال الأيام القليلة المنقضية من اجل توحيد المواقف والوقوف صفا واحدا ولكن يبدو أن هذه الدعوة لم تلق التجاوب والصـدى الايجابي من قبل بقية الهياكل يظهر ذلك من خلال انفراد كل هيكل بموقفه فمنه من خير الاحتجاج ومنه من خير التروي والنقاش.

كما قررت نقابة القضاة التونسيين من جهتها تكوين لجنة صلبها لدراسة قانون المجلس الأعلى للقضاء المصادق عليه مؤخرا على جميع المستويات والتدقيق في فصوله فصلا فصلا بهدف الوقوف على ما يتضمنه من اخلالات إجرائية وهنات مختلفة.

في خضم كل هذه الصور التي كونت مشهدا متباينا لئن اتحدت فيه المواقف الرافضة لهذا القانون إلا أن طرق التعبير اختلفت من هيكل إلى آخر ولكن يبقى السؤال عن حزمة الأسئلة المطروحة هل بهذا التشتت الذي يميز العلاقة بين الهياكل القضائية سيتم التصدي أم على هذه الأخيرة أن تلملم انشقاقاتها وتوحد صفوفها حتى تبني جدار صد قوي؟. سؤال آخر أيضا يطرح نفسه ،سنة بأكملها مرت على هذا القانون مليئة بالعثرات والتعطيلات على كل شكل ولون فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115