Print this page

في انتظار مشروع قانون المسؤولية الطبية: بين حماية الطبيب وضمان حق المريض ؟

أثارت حادثة الرضيع بمستشفى فرحات حشاد بسوسة جدلا واسعا خاصة بعد قرار النيابة العمومية إيقاف الطبيبة التي باشرت حالته الصحية قبل أن يطلق سراحها فيما بعد،حادثة رسمت مشهدا من الاحتقان والغضب في صفوف الأطباء الذين دخلوا في إضراب منذ يومين الأمر الذي دعا وزارة الصحة

إلى التدخل ودعوتهم إلى استئناف نشاطهم خاصة وأن المسألة تتعلق بقطاع حساس شهد شبه شلل نتيجة الإضراب. هذه الواقعة ولئن تعتبر مسألة خطيرة لأن الأمر يتعلق بحياة الأشخاص والقضاء متكفل بها وسيقوم بالأبحاث اللازمة لتحديد المسؤوليات فإنها قد وضعت الإصبع على الداء وهو أن الترسانة القانونية التي تضمن حق المريض والطبيب على حدّ السواء ضعيفة إن لم نقل غائبة وحان الوقت لتدعيمها،مشروع قانون سنّ في الغرض والى اليوم لا يزال في الرفوف.

وللتذكير فقد شهد مستشفى فرحات حشاد بسوسة بتاريخ 4 فيفري الجاري حادثة وفاة رضيع حديث الولادة وقد اعتبر والده أن الأمر ناتج عن إهمال طبي وتحوّلت القضية إلى قضية رأي عام هذا واعتبرت الطبيبة التي تم إيقافها والإفراج عنها بأنها كانت ضحية الإعلام.

مشروع قانون في الرفوف
في ظل ما خلفته الحادثة المذكورة من غضب أهل القطاع بعد إيقاف زميلتهم وهو ما اعتبروه خطأ إجرائيا لأن الأمر لا يستوجب ذلك قانونا أثار هذا المشهد مسالة مهمة وهي تلك المتعلقة بمشروع قانون المسؤولية الطبية وضرورة نفض الغبار عنه ،وثيقة معطلة بين رفوف وزارة الصحة منذ نحو ستة أشهر حسب ما أفادت به كاتب عام نقابة الأطباء والصيادلة الجامعيين حبيبة الميزوني في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء ويتضمن هذا المشروع وفق ذات المصدر جملة من الإجراءات والآليات لحماية الطبيب وضمان حق المريض حيث يشدد على إجبارية الإعلام والإرشاد للمريض بوضعه الصحي وملفه الصحي وتسهيل طرق التعويض بالإضافة إلى الامتناع عن إيقاف الطبيب إلا بعد إثبات التهمة عليه عند حصول خطأ طبي مؤكدة أنه لا يشرّع البتة للإفلات من العقاب وفق تعبيرها.
هذا المشروع تم إعداده منذ أكثر من ستة أشهر ولكن لم تتم إحالته بعد على أنظار مجلس نواب الشعب علما وانه قد كان نتيجة عمل صلب لجنة مشتركة بين أهل المهنة والوزارة المعنية أي وزارة الصحة. وأمام هذا الوضع أطلق الأطباء صيحة فزع مشددين على تمسكهم بإحالة مشروع قانون المسؤولية الطبية في مدة زمنية لا تتجاوز الشهر على مجلس نواب الشعب.

مضمون «مجهول»
أمام مطالبة الأطباء بالإسراع في إحالة مشروع قانون المسؤولية الطبية على مجلس نواب الشعب هناك عديد التساؤلات التي تطرح نفسها متعلقة بمحتوى تلك الوثيقة ومدى ضمانها لحقوق الطبيب والمتقاضي وفي هذا السياق علّق صابر بن عمار رئيس الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية في تصريح له بإحدى المواقع إزاء ما يمكن أن يترتب عن تمرير قانون يحصن فيه الأطباء والإطار شبه الطبي من الأخطاء الطبية على حدّ وصفه معتبرا أن استغلال حادثة إيقاف طبيبين من قبل نقابات القطاع الصحي للحصول على اتفاق معً رئيس الحكومة ووزيرة الصحة (في إطار الاستحقاقات السياسية القادمة) على قانون يعفي الطبيب والإطار شبه الطبي منً أي مسؤولية على الأخطاء الطبية سيكون بابا للإفلات من المحاسبة وازدراء حقوق المريض وضربا للأخلاق الطبية .

هذا وأشار بن عمار إلى ما اسماه خطورة هذا الإجراء أي تمرير المشروع وقال» سيتسبب في فوضى في القطاع الصحي حيث ستكون كل خطأ طبي قد ينجر عن استعمال أدوية وآلات مستوردة كانت أو محلية ودون ترخيص ودون رقيب معفى من أي تتبع ، إضافة إلى أنه بعد الإشهار والتشهير بهذا القانون دوليا سوف يدرك المرضى الأجانب خصوصا وسوف يعزفون للقدوم إلى تونس للعلاج مادام الأطباء في تونس بمنأى عن أي مسؤولية».من جهة أخرى دعا رئيس الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية المنظمات المهنية والدستورية و الحقوقية الوطنية والدولية بالإضافة إلى المنظمة العالمية للصحة للوقوف ضد هذا الإجراء الذي يعفى بمقتضاه الأطباء من مسؤوليتهم الجزائية اثر الأخطاء الطبية، معتبرا أن حشد الضغط وفرض تمرير هذا القانون ستكون نتائجه وخيمة ليست على الضحايا فقط بل على الإنسانية جمعاء».

وللاشارة فإن مشروع القانون موضوع الجدل جاهز كما ذكرنا وقبل إحالته على مجلس نواب الشعب في غضون شهرين من المنتظر توزيع نسخ منه على الوزارات المتداخلة لإبداء رأيها فيه ومنه يتم إتباع الإجراءات المعمول بها بالنسبة لمشاريع القوانين والى حين الوصول إلى مرحلة النقاش يبقى محتوى هذه الوثيقة مجهولا بالنسبة للرأي العام

المشاركة في هذا المقال